وتقع مدينة شبام في محافظة حضرموت، شرق اليمن، وتبعد عن مدينة المكلا، المركز الإداري للمحافظة 350 كلم، و21 كلم عن مدينة سيئون، مركز وادي حضرموت.
وتوصف هذه المدينة الأثرية بأنها منهاتن الصحراء وأنها أقدم ناطحات سحاب في العالم، نظرا للطراز المعماري الفريد الذي بنيت به، والتخطيط العمراني الذي تتميز به المدينة، كإحدى مواقع التراث العالمي.
اظهار أخبار متعلقة
وتقول منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم، اليونسكو، إن مدينة شبام التاريخية بمبانيها البرجية العالية المبنية بالطابوق اللبني المجفف بأشعة الشمس والتي يصل ارتفاعها إلى سبعة طوابق، حمل البعض على نعتها بـ"منهاتن" أو "شيكاغو" الصحراء.
وقد بنيت المدينة على منحدر صخري يرتفع مئات الأمتار عن قاع الوادي المحيط بها، فيما يبرز تصميمها على هيئة مستطيل تنتشر فيه شوارع وساحات، فيما يعود تاريخها إلى فترة ما قبل الإسلام، حيث كانت عاصمة مملكة حضرموت، بعد تدمير عاصمتها السابقة شبوة الواقعة حاليا في المحافظة التي تحمل الاسم ذاته، غرب محافظة حضرموت.
وفي عام 1982، صنفت مدينة شبام من قبل منظمة اليونسكو كموقع للتراث العالمي بسبب هندستها المعمارية المميزة.
"قيمة عالمية استثنائية"
وفي السياق، قال السفير اليمني لدى اليونسكو، محمد جميح إن مدينة شبام، تتمتع بقيمة عالمية استثنائية، حيث صنفت في العام 1982 موقع تراث ثقافي عالميا في اليمن.
وأضاف جميح في حديث لـ"عربي21" أن هذه المدينة قديمة وتعود إلى قرون ما قبل الإسلام، لكنها بطبيعة الحال كغيرها من المدن تتعرض للهدم كليا أو جزئيا، ثم يعاد بناؤها على الطراز نفسه أو بنمط يتكيف مع المراحل الزمنية المختلفة.
وتابع بأن أصول شبام القديمة ترجع إلى ما قبل الإسلام، إلى القرن الثالث أو نهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع قبل الميلاد، وهي العاصمة الثانية لدولة حضرموت بعد أن هدمت العاصمة الأولى للدولة ذاتها وهي مدينة شبوة الواقعة الآن في محافظة شبوة المجاورة لها.
اظهار أخبار متعلقة
وقال السفير جميح إن المدينة بشكلها الحالي يعود تاريخ بنائها بهذا الطراز إلى القرن السادس عشر، ومع ذلك فإنها كانت عرضة لبعض الدمار، قبل أن يعاد بناؤها مرة تلو الأخرى.
وأشار إلى أن مدينة شبام أطلق عليها "منهاتن الصحراء" وفيها ناطحات السحاب الصحراوية لأن مبانيها الطينية ترتفع لسبعة طوابق للمبنى الواحد وتسكنها عائلات حضرمية وهي مدينة مأهولة وفيها المساجد والشوارع المعبدة وفيها النمط المدني في نوعية الحياة والمعيشة وأشغال الناس وحياتهم اليومية.
وبحسب الدبلوماسي اليمني فإن المدينة تتميز بسورها التاريخي ضمن حرم المدينة المصنفة على قائمة التراث العالمي، وتتربع على جرف صخري، منحها إطلالة على أجزاء من وادي حضرموت، الذي ترتفع عدة مئات الأمتار عنه.
وأوضح جميح أن هذه المدينة باتت مصنفة على قائمة التراث العالمي المعرض للخطر لعدد من الاعتبارات منها "التدخلات الخارجية والعوامل البينية والأمطار والسيول التي تعد أكثر ما يهدد هذه المدينة، فالسيول تقترب بشكل مستمر عبر الوادي من سورها التاريخي.
لكنه استدرك قائلا إن مدينة شبام تظل متماسكة وبطرازها المعماري الفريد كدليل على عظمة البناء المعماري اليمني في هذا الجزء من البلاد وعلى عراقة هذا النوع من العمارة الطينية في حضرموت وفي غيرها من مناطق في اليمن.
"بلدة عريقة موغلة في القدم"
من جانبه، قال الناشط الإعلامي من أبناء مدينة شبام الأثرية، عبدالله علوي بن سميط إن "شبام التاريخية بلدة عريقة موغلة في القدم، وتمتلك تاريخا حضاريا تليدا إنسانيا ومعماريا وتجاريا".
وتابع ابن سميط في حديثه لـ"عربي21" بأن مدينة شبام مسورة ومحصنة، إذ لا يزال سورها قائما إلى اليوم"، مؤكدا أن "المدينة موجودة من عهد مملكة حضرموت قبل الميلاد، واشتهرت في القرن الرابع الميلادي".
وأشار إلى أنها كانت أوسع مما هي عليه الآن، إلا أنه نتيجة عوامل طبيعية كالسيول التي جرفت منها الكثير أتت فكرة البناء العمودي لاستغلال المساحة، إذ إن عمر تلك الأبراج لا تحديد دقيقا له ولكنه يفوق الـ 700 عام".
وبحسب الناشط اليمني فإن "شبام تعد أول ناطحات سحاب في العالم، فقد أنشئت الأبراج الطينية المبنية بمواد محلية، بشكل متلاصق ومتراص وبتصميم يعد نموذجا عميقا في علم البيئة المستدام"، لافتا إلى أنها أدرجت من اليونسكو في قائمة التراث الإنساني العالمي عام 1982م وحصلت المدينة على جائزة الآغاخان الدولية للعمارة عام 2007م.
اظهار أخبار متعلقة
وأكد الناشط ابن سميط أن هذه المدينة تبقى محل دهشة الزوار لها، حيث أبهرت المستشرقين الغربيين مروراً بالمشاهير العالميين والسياح الأجانب من كل قارات العالم.
وأردف قائلا: "كما أنها أذهلت المتخصصين في علم الهندسة والبيئة لعبقرية البناء والإتقان والإبداع بتنوع التفاصيل والتوظيف الداخلي للمنازل والمباني البالغة 500 منزل بداخل السور والتي أغلبها ما بين 5 و7 طوابقـ، وكل طابق له وظيفته التي تشمل كل الحياة المعيشية للإنسان".
وقال المتحدث ذاته وهو من سكان المدينة إن مبانيها بحاجة إلى صيانة دورية مستمرة للحفاظ عليها، ولا شك في أنها باتت عبئا على الأهالي، ولذلك تتدخل اليونسكو لترميم المنازل بتمويل من دول مانحة.
وأوضح ابن سميط أيضا أن "اليونسكو وعبر صناديق محلية، تقوم حاليا بعملية ترميم المنازل، فيما لا تزال منازل أخرى منتظرة دورها"، مشددا على أن ما يؤرق الكثير من أهالي المدينة هو "مدى جودة الترميمات التي لا يصل بعضها إلى المستوى المطلوب".
ومضى الناشط اليمني بالقول: "ومثلما تميزت مدينة شبام بمعمارها فقد تميزت أيضا كمدينة تجارية وإقليمية، إذ ظلت مزدهرة كسوق محلية كبيرة حتى أواخر القرن العشرين".
ومن خصائص هذه المدينة، يؤكد أنها "لا تزال متوهجة بالعادات والموروث والتقاليد المتوارثة والتي يحافظ عليها أبناؤها حتى اليوم".
ويمتلك اليمن، مخزونا أثريا وتاريخيا، يعود إلى عصور زمنية مختلفة، منحه عراقة ومكانة مرموقة، ويجسد أدواره في مراحل قديمة ومعاصرة من التاريخ.