ومن الغريب أن الأرقام تظهر بأن الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا هم الفئة العمرية الأكثر عزلة. فالأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و29 عامًا هم أكثر عرضة بمرتين للإصابة بالوحدة المزمنة تمامًا مثل الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن السبعينيات.
هذا ليس نوعًا من الوحدة المؤقتة التي قد يشعر بها البعض عندما يتوجه أبناؤهم إلى الجامعات، أو تنتهي علاقة ما، لكنه شعور طويل الأمد بالعزلة يستنزف الصحة العقلية.
قال روبن هيوينجز، وهو مدير برنامج مجموعة الحملة المجتمعية لإنهاء الشعور بالوحدة، لـGood Health: "تعتبر الوحدة مشكلة صحية كبيرة استمرت في ازدياد بعد الوباء. بالنسبة لبعضنا، عادت الحياة إلى طبيعتها بعد الوباء ولكن بالنسبة للآخرين الأمر لم يكن كذلك".
وبينما كان معروفًا لبعض الوقت أن الشعور بالوحدة يمكن أن يكون ضارًا بالصحة، بدأ العلماء في تحديد أسباب ذلك. على سبيل المثال، وجد بحث جديد مثير للقلق أن الشعور بالوحدة يمكن أن يؤدي إلى تقلص أدمغتنا، مما يزيد من خطر الإصابة بالخرف.
ودرس باحثون من جامعة كيوشو في اليابان ما يقرب من 9000 رجل وامرأة تبلغ أعمارهم 65 عامًا أو أكثر، وحصروا نتائج فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ مع تفاصيل عن مدى الاتصال المنتظم مع العائلة والأصدقاء.
اظهار أخبار متعلقة
أظهرت النتائج التي نشرت في مجلة Neurology في شهر تموز/ يوليو، أن أولئك الذين لديهم اتصال اجتماعي أقل لديهم أيضًا حجم دماغ أصغر - خاصة في أجزاء مثل الحُصين واللوزة المرتبطة بالخرف-.
وقال الباحثون إنه من المحتمل أن يؤدي نقص التواصل الاجتماعي إلى تسريع الانكماش التدريجي للدماغ، والذي يحدث مع تقدم العمر. فيما تظهر دراسات أخرى أن اللقاءات اللفظية والاجتماعية المنتظمة تثير النبضات العصبية اللازمة لتشكيل روابط جديدة بين خلايا الدماغ مما يساعد في الحفاظ على حجم الدماغ.
في الواقع، هذا ليس التأثير الوحيد للوحدة على الصحة. حيث أنه في شهر آيار/ مايو، شبّه جراح عام أمريكي تأثير العزلة على الصحة بتدخين ما يصل إلى 15 سيجارة يوميًا.
تظهر الأبحاث أن العزلة الاجتماعية يمكن أن تقطع ما يصل إلى خمس سنوات من حياة شخص يزيد عمره عن 60 عامًا، مقارنة بأقرانه غير الوحيدين، من خلال زيادة مخاطر الإصابة بأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والخرف.
نظرت إحدى الدراسات الحديثة، التي نشرت في حزيران/ يونيو في مجلة القلب الأوروبية، في مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية على مدى عشر سنوات لدى 18509 بالغين في المملكة المتحدة يعانون من مرض السكري من النوع 2.
وكشفت الدراسة أن المخاطر كانت أكبر بنسبة - 26 في المائة - لدى الأشخاص الذين عاشوا حياة منعزلة، ويفتقرون إلى الأصدقاء والاتصال الاجتماعي. ولكن كيف يمكن للشعور بالإهمال من الحياة أن يكون له مثل هذا التأثير الكارثي على الصحة الجسدية؟
إحدى الطرق هي أن الجسم يستجيب كما لو أنه في خطر، ويطلق هرمون الكورتيزول الذي يرفع معدل ضربات القلب وضغط الدم، لذلك نحن على استعداد للمحاربة أو الهروب من التهديد الوشيك. يمكن أن تسبب الوحدة المزمنة ضغوطًا مستمرة مما يعني أن استجابة الكورتيزول هذه تعمل بشكل دائم.
أظهرت الدراسات أن التعرض المستمر للكورتيزول المرتفع يمكن أن يزيد من ضغط الدم ومستويات السكر في الدم والكوليسترول والدهون الثلاثية، وهي دهون ضارة في الدم.
ربطت دراسة نشرت عام 2016 في مجلة القلب، من قبل باحثين في جامعة نيوكاسل، أن الشعور بالوحدة يزيد بنسبة 30 في المائة من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية أو الإصابة بأمراض القلب التاجية.
وقال البروفيسور كريس جيل، استشاري أمراض القلب في كلية الطب بجامعة ليدز، لـGood Health إن الوحدة يمكن أن تؤدي إلى مستويات عالية من التوتر بما يكفي لتدمير نظام القلب والأوعية الدموية.
وأضاف: "إذا كنت متوتراً، يمكن أن يفرز الجسم هرمونات مثل الأدرينالين، مما يجعل قلبك يرتفع ويزيد ضغط الدم".
اظهار أخبار متعلقة
تشير جميع الأدلة إلى أن الحل هو الخروج ورؤية المزيد من الناس والأهم من ذلك هو نوع التفاعل. حيث وجد علماء النفس في جامعة "ستيرلنغ" أن اللمس الجسدي مع صديق أو أحد أفراد الأسرة مهم جدًا كنوع للتفاعل وليس مجرد التواجد حولهم.
ووجدت النتائج، التي نشرت في مجلة Scientific Reports، أنه حتى بين الأزواج المتعايشين، تراجعت مشاعر الوحدة عندما كان هناك اتصال جسدي منتظم. أيضًا وجدت دراسة أمريكية من جامعة ميلرسفيل أن كتابة الرسائل للأصدقاء كانت فعالة للغاية في مكافحة العزلة.