في سويسرا، على سبيل المثال، وصل معدل الإنجاب إلى مستوى منخفض جداً بلغ 1.4 طفل لكل امرأة، وهو أقل من المعدل الذي يعتبر ضرورياً لاستبدال الأجيال وضمان تجديد السكان والذي يقدر بـ 2.1 طفل. هذا التراجع في معدلات الإنجاب ليس مقتصرًا على سويسرا وحدها، بل يشمل العديد من البلدان المتقدمة حول العالم.
وأصبح من النادر العثور على أسرة مكونة من 3 أو 4 أطفال، وهو ما كان يعد شائعًا في السبعينات، هذا التراجع في معدلات الإنجاب يعود إلى عدة عوامل اجتماعية واقتصادية، من بينها ارتفاع تكاليف الحياة، بما في ذلك الإسكان والرعاية الصحية، فضلاً عن عدم الاستقرار الوظيفي وركود الأجور. هذه العوامل تجعل من الصعب على العديد من الأسر تحمل عبء تربية الأطفال، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
اظهار أخبار متعلقة
وأدى التحرر الاقتصادي والمهني، لا سيما بالنسبة للنساء، إلى تغيير في الأولويات الاجتماعية. أصبحت العديد من النساء في سويسرا يؤجلن فكرة تكوين أسرة بسبب تفضيلهن لإكمال دراستهن أو التدرج المهني، مما يترتب عليه تأخر في سن الإنجاب. بالإضافة إلى ذلك، تغيرت النظرة الاجتماعية تجاه الأطفال، حيث أصبح الكثيرون يرونهم عبئًا إضافيًا يتطلب موارد مالية كبيرة ووقتًا ورعاية مستمرة.
على الرغم من أن بعض الدول، بما في ذلك سويسرا، اتخذت إجراءات تهدف إلى زيادة معدلات الإنجاب من خلال تقديم حوافز مالية ودعم للأسر، إلا أن هذه الحلول لا تزال غير كافية لتحقيق التغيير المطلوب، وتم توفير حوافز مالية مثل زيادة المنح للأسر التي تنجب أطفالاً، لكن هذه المبادرات لم تُحقق التأثير المرجو. الأمر ذاته يحدث في بلدان أخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية، حيث انخفضت معدلات الإنجاب بشكل كبير، على الرغم من الحوافز الحكومية.
ومن جهة أخرى، لا تزال بعض البلدان في أفريقيا تشهد معدلات إنجاب مرتفعة على الرغم من تراجعها بشكل طفيف خلال العقود الأخيرة. ويعود ذلك إلى أن مفهوم الأسرة الممتدة لا يزال يمثل قيمة اجتماعية مهمة في تلك البلدان، مما يساهم في استمرارية ارتفاع معدلات الإنجاب.
اظهار أخبار متعلقة
على المدى القصير، قد يكون لتراجع معدلات الإنجاب بعض الفوائد، حيث سيتيح للمجتمع توفير مزيد من الموارد للأفراد من خلال تقليص الأعباء المترتبة على رعاية الأطفال. لكن على المدى البعيد، يشكل هذا التراجع تحدياً كبيراً، حيث سيؤدي إلى زيادة شيخوخة السكان، ما يترتب عليه نقص في اليد العاملة، وبالتالي تأثيرات سلبية على الاقتصاد. ومن المتوقع أن يزداد الضغط على نظام الرعاية الصحية والتعليم في المستقبل، حيث سيتطلب زيادة في الموارد لخدمة الشريحة الأكبر سناً من السكان.
ويفتح تراجع معدلات الإنجاب، وإن كان يبدو في بعض الحالات فرصة لتقليص الأعباء الاجتماعية على المدى القصير، بابا لمشكلات ديموغرافية واقتصادية خطيرة في المستقبل.
وفي ظل تزايد شيخوخة السكان في العديد من الدول، سيكون من الضروري تبني حلول أكثر شمولية تشمل تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسرية، وذلك لضمان الاستدامة الديموغرافية والنمو الاقتصادي في المستقبل.