ففي يوم العيد، تفرض التقاليد على الكبار والصغار على السواء ارتداء ملابس جميلة تتوجها على الرأس كوفية مطرزة بخيوط الحرير، مع نقوش بالخط العربي أو أشكال هندسية.في موروني، عاصمة هذا الأرخبيل الفقير في المحيط الهندي، يصبح سوق فولوفولو النابض مزدحما مع اقتراب نهاية شهر رمضان.
اقرأ أيضا:
بلاغ قانوني يطالب بوقف عرض مسلسل مصري بسبب "الإساءة إلى الذات الإلهية"وتتراكم العشرات من الكوفيات المقلّدة المستوردة من الصين في أكشاك. ومع أن المتمسكين بالتقاليد لا يستسيغونها، أصبحت جزءا من المشهد. ويقترب سعيد محمد، مثلا، وهو سبّاك يرتدي عباءة بيضاء، ويستفهم عن السعر. وتجيبه البائعة "13 دولارا، ولكن هذا السعر قابل للتفاوض".
ويشتري الرجل اثنتين لنجلَيه. ويقول قبل مغادرته حاملا ما اشتراه: "ميزتها الرئيسية سعرها. الكوفية المصنوعة يدويا أجمل، لكنها باهظة الثمن، وخصوصا لأطفال لا يقدّرون قيمتها".
وتنفي البائعة حسناتي إيدجابو البالغة 52 عاما المشاركة في انقراض جزء من التراث القمري: "لن تختفي الكوفية التقليدية لسبب بسيط، وهو أن لا أحد يفكّر بإرسال كوفية مقلّدة إلى رجل على وشك الزواج من ابنته".
وتروي حسناتي، وهي أم لثلاثة أبناء، أن الشرطة أوقفتها لساعات قبل ثلاث سنوات، وصادرت مخزونها من الكوفيات لبضعة أيام؛ "لأن السلطات كانت تزعم أنها تحارب التقليد". وكان ذلك خلال حملة قمع تقليدية في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 870 ألف نسمة، غالبيتهم الساحقة مسلمون، ويقل فيه دخل نحو واحد من كل اثنين من السكان عن 215 دولارا شهريا.
أما اليوم، فلا يكترث عناصر الشرطة والدرك الموجودون على بعد خطوات قليلة من كشكها.
مهارة نسائية
ومع أن وضع الكوفية في جزر القمر يقتصر على الرجال، تتولى نساء تطريزها حصريا تقريبا. ويتطلب ذلك عملا بطيئا ودقيقا.
وأشهر الكوفيات تلك التي تُصنع في شمال جزيرة القمر الكبرى، الجزيرة الرئيسية. في ميتساميهولي، وهو منتجع ساحلي يتميز برمال بيضاء ناعمة يبعد نحو 40 كيلومترا من موروني، تساهم أشجار اللوز الكبيرة التي تُعد رمز جزر القمر، في تخفيف درجة الحرارة في موسم الصيف الجنوبي.
اقرأ أيضا:
هكذا يصنع منشدو الإنترنت بهجة رمضان كما صنعتها أجيال الإذاعة المصرية (شاهد)عند مدخل المدينة، تفتح شيفايي مواسي، وهي امرأة سبعينية، الباب المنحوت الثقيل لمنزلها. في منتصف غرفة المعيشة توجد آلة خياطة قديمة باللونين الأسود والذهبي. وتقول شيفايي ضاحكة وهي تضغط على دواسة: "لقد تجاوز عمرها الخمسين، وهي قوية البنية".
وتضيف المرأة التي تعلمت هذه المهارة وهي في الحادية عشرة، أن "آلة الخياطة الكهربائية سريعة جدا في صنع الكوفية". وتتابع قائلة؛ "إنهم يقتلون مهنتنا. يلتقطون صورا لتصاميمنا ثم ينتجونها بكميات صناعية في الصين".
وتصنع شيفايي مواسي الكوفيات وتصمم الأنماط والزخارف، ولكن إحدى جاراتها هي التي تتولى بعد ذلك تطريزها. وتشير ميسارة مهجو بينما تمرر أصابعها المتورمة تكرارا على غرزة التطريز إلى أن "صنع الكوفية يستغرق شهرين على الأقل وأتقاضى نحو 160 دولارا".
وتؤكد هذه المرأة الأربعينية أن "هذا التراث لن يختفي بسهولة". وتلاحظ أن "الكوفيات الصينية ليست قبيحة، لكنها لا تضاهي تلك المطرزة يدويا".
فقدان للهوية
إلا أن عالم الأنثروبولوجيا عبد الرحمن وجيه ليس واثقا من ذلك مثلها، إذ يرى أن "الغزو الصيني يمثل تهديدا ثقافيا" لجزر القمر.
ويذكّر من موقع قريب من ميناء موروني القديم بأن "الكوفية كانت خاصة تماما بجزر القمر، مع أن بالإمكان العثور على كوفية مختلفة قليلا في زنجبار أو جيبوتي".
ويرى في ذلك "فقدانا كبيرا للهوية، شبيها بذلك الذي أحدثته خسارة السفن الشراعية" الموجودة في ميناء موروني القديم.
غير أن المديرة الوطنية للثقافة وحيدة حساني، تؤكد أن هذه المهارة "لن تنقرض". وتشير إلى أن "الجدات والأمهات نقلنها إلى بناتهنّ، ولا يزال ذلك مستمرا".
وتشدد على أن "ما يجب فعله هو بذل كل جهد ممكن لضمان استمرار هذا الانتقال، سواء من خلال التعليم الرسمي أو غير الرسمي". وتضيف: "منع الصينيين من إنتاج الكوفيات بكثرة ليس من صلاحياتي".