وصناعة الكعك والقرص بشكلهما الدائري الذي يماثل قرص الشمس، ترجع إلى التاريخ المصري القديم، حيث جرى تسجيلها فوق جدران مقابر "طيبة" جنوبا، و"منف" شمالا، وبمقبرة الوزير "رخمي رع"، بالأسرة الـ18.
لم يفقد المصريون عادة صناعة الكعك مع العصر اليوناني، والروماني، بل إنها شهدت ازدهارا بعصور الدولة الإسلامية، وخاصة في ظل الدولة الطولونية (868 – 904م)، والفاطمية (909 - 1171م).
"عادة مصرية وفرحة سنوية"
تلك العادة ارتبطت بشكل وثيق بالأعياد والمواسم الإسلامية، في شهر رجب –اختفت الآن بفعل عوامل اقتصادية-، وفي نهاية شهر رمضان استباقا لعيد الفطر الذي ارتبط في أذهان المصريين بصناعة وأكل الكعك والإفطار به مع كوب شاي في أول أيام العيد.
ولأن الكعك والبسكويت عادة مصرية وفرحة سنوية وطعام أول أيام العيد، فإن رائحة الفانيليا والبيكنج باودر كانت تفوح من كل شارع وحارة بكل مدينة وقرية، في الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك، التي تشهد طقوسا خاصة من ست البيت المصرية.

كثيرات هن المصريات اللاتي تلجأن إلى أفران المخبوزات كي تصنع الكعك والبسكويت والبيتي فور، وكل ألوان الفطائر التي يشتهر بها عيد الفطر في مصر.
قليلات هن المصريات اللاتي يواصلن العمل بنفس طريقة أمهاتهن وجداتهن، حيث يصنعن الكعك والبسكويت في منازلهن وبطريقتهن وطقوسهن الخاصة، ويحرصن على شراء أدوات تلك الصناعة في جهاز كل عروس.
إلا أن هناك فئات أخرى من المصريين وهم الأثرياء والطبقة الوسطى، لا تقوم بصناعة كعك العيد، وتقوم بشرائه من المحال الكبرى والشهيرة، التي تغطي بإعلاناتها الفضائيات المصرية في الأيام العشرة الأواخر من رمضان.
وكعادة المصريين، فإن إفطار أول أيام عيد الفطر وبعد صيام 30 يوما، يكون على الأغلب من الكعك والبسكويت، فيما تجري العادة على وضع أطباق الكعك والبسكويت إلى جانب الشيكولاتة والمكسرات والترمس لكل زائر خلال أيام عيد الفطر.
"لمة وفرحة مفقودة"
تحكي جدات وأمهات ونساء فوق سن الثلاثين عاما، في حديثهن لـ"عربي21"، عن لمة الأسرة من النساء والأطفال والأصدقاء والجيران حول دقيق القمح الأبيض الذي تم نخله جيدا، والسمن، والزيت، والسكر، والفانيليا، والنشادر، والخميرة، والملبن، والعجوة، والسمسم، والفول السوداني، التي تم شراؤها من البقالين، واللبن الذي جرى حلبه من الجاموس والأبقار، أو الذي أهداه الجيران لجيرانهم.
جميعها مكونات الكعك التي تصبح عجينا ناصع البياض بعد تركه يختمر لعدة ساعات، حتى تتجمع النساء ليلا لبدء العمل الممتع والشيق والشاق بعض الشيء، على طشت العجين المغطى بقطعة قماش أبيض، وتقوم بتقطيعه قطعا صغيرة متماثلة بكل واحدة قطعة من العجوة أو الملبن، وتضعه فوق صينية عشاء من الألومنيوم بعد غسلها وتجفيفها ودهنها بالزيت.
اقرأ أيضا:
سحر ليالي رمضان يكشف عن جمال القاهرة الأسطوري.. مدينة لا تنام
ووفق روايتهن عن الأجواء التي مازالت عالقة في أذهانهن؛ تقوم أخريات بفرد قطع العجين وطيها بشكل دائري ونقشها بأدوات بسيطة وبمهارة كبيرة، ثم وضعها في صوان أخرى للتسوية.
هنا يأتي دور الأطفال في حمل تلك الصواني والصاجات إلى الفرن، الذي تجلس أمامه على الأغلب سيدة الدار أو الأم أو الجدة أو أكبر من في البيت سنا كزوجة الأخ الكبير، التي قامت بإشعال الفرن البلدي بأعواد الحطب والقطن الجافة، لتبدأ عملية التسوية التي تفوح رائحتها لتوقظ الجيران ليبدؤوا مهمة مماثلة ويعيشوا فرحة جيرانهم.
"من البيوت إلى الأفران"
في الآونة الأخيرة، استغنت كثير من الأسر في المناطق الشعبية والريفية عن صناعة الكعك والبسكويت والقرص والغريبة البيتي، وتوجهت لصناعتها في أفران الخبز الخاصة، التي أصبح شهر رمضان موسما للرزق هو الأهم لديها طوال العام.
وبعد امتهان تلك الأفران إلى جانب صناعة الخبز والفينو والقرص والشريك طوال العام، صناعة الكنافة والقطايف والرقاق في الأسابيع الثلاثة الأولى من رمضان، تتحول تلك الأفران في الأسبوع الأخير من رمضان إلى صناعة الكعك والبسكويت والبيتي فور وتسويتها لصالح الأهالي، أو لصناعتها وبيعها لهم معلبة بالكيلو.
اقرأ أيضا:
براءة نجل الداعية الإسلامي محمد حسان من تهمة حيازة سلاح ناري
بعض الأسر تحضر خاماتها من الدقيق والسمن والسكر والبيض واللبن والبيكنج بودر والفانيليا والنشادر وغيرها من محلات البقالة، فيما يعتمد البعض الآخر على شراء تلك الحاجيات من أصحاب الأفران، ما فتح أبواب رزق وربح وعمل لممتهني تلك الصناعة.
الأمر أغرى بعض الشباب والنساء إلى وضع أفران بدائية في الشوارع، ودفع أصحاب الأفران لعمل فراشة وزينة وإضاءة تحيط محالهم إعلانا منهم عن صناعة الكعك والبسكويت، وتسويتهما وبيعهما بكل الأنواع والأشكال التي تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي المحلات الشعبية يباع الكحك بـ130 جنيها، والبسكويت بـ150 جنيها، والبيتي فور بـ160 جنيها، والنوجا بـ100 جنيه، والغريبة بـ130 جنيها.
"متمسكون بالبيتي"
لكنه في المقابل ومع ارتفاع أسعار الكعك والبسكويت المباع في المحال والأفران، وأنه بالنسبة للأسرة المصرية لا عيد فطر دون كعك أو بسكويت، قررت بعض النساء صناعة حاجاتها بالبيت، لمواجهة الغلاء الرهيب في الأسعار.
وتبارت نساء مصريات في عرض صناعتهم الخاصة للكعك والبسكويت البيتي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقامت العديد من النساء باستخراج أدوات الكحك وماكينات صناعة البسكويت التي جرى ركنها لسنوات، لغسلها وتركيبها مجددا لصناعة فطرة العيد، كما زاد الإقبال بشكل لافت على شراء أدوات نقش وصناعة الكحك.
تقول الحاجة أم سمر، لي ثلاث بنات لا بد لكل واحدة منهن نصيب من الكعك والبسكويت والبيتي فور، ولكي أشتري لكل واحدة منهن 2 كيلو فقط، أحتاج إلى نحو 1000 جنيه، حيث يزيد سعر الكيلو عن 150 جنيها في حينا الشعبي بشرق القاهرة.
وتفضل أم سمر، وبعض الأمهات صناعة الكعك والبسكويت البيتي، وتؤكدن لـ"عربي21"، أنها "أقل تكلفة وأكثر أمانا وصحة"، ملمحة إلى أن "المقادير موجودة عبر الإنترنت، وطرق عمل الأشكال الجديدة موجودة ويمكن تقليدها"، موضحة أنه "في الوقت نعيش الفرحة ونجتمع مع بناتنا وأولادهن على الإفطار والسحور وما بينهما نصنع كعكنا بأنفسنا".
وتوضح أن "كيلو الغرام من الدقيق ثمنه 20 جنيها، يحتاج إلى نصف كيلو غرام زبدة أو سمن، الكيلو المهدرج بـ100 جنيه والبلدي من 250 إلى 300 جنيه، ونحو ربع كيلو سكر بـ10 جنيهات، و4 بيضات بـ25 جنيها، ونصف كوب لبن طبيعي بنحو 10 جنيهات".
وأيضا: "4 ملاعق نشا ذرة، و2 ملعقة صغيرة نشادر، و2 ملعقة بيكنج بودر، و2 ملعقة صغيرة فانيليا، بنحو 10 جنيهات، مع قطعة عجوة 400 جرام بـ15 جنيها، وقطعة ملبن بـ45 جنيها، وسوداني محمص الكيلو بـ80 جنيها".
"كعك الأثرياء"
وأعدت نشرة "انترابرايز" الاقتصادية قائمة بأهم محلات الكعك والبسكويت وأماكن وجودها بأحياء العاصمة المصرية القاهرة الراقية، وأسعارها.
وبينها: متجر "ميراكل"، بحي العجوزة بالجيزة، و"شوكو شوكولا" بالمهندسين وبالم هيلز والزمالك وداون تاون مول ومصر الجديدة والشيخ زايد، و"سيموندس"، بالقاهرة الجديدة والمعادي والزمالك والشيخ زايد والدقي ووسط البلد والمهندسين.
ومحلات "سدرة" بالقاهرة الجديدة ومدينتي والشيخ زايد و6 أكتوبر والشروق، و"فلور"، و"جرانفيل ستريت"، في فروع جورميه، و"جاست كحك" بمحلات سعودي في بيفرلي هيلز وزايد ودريم لاند ووترواي والشروق ومدينتي وسيتي ستارز.
الأسعار تتراوح في تلك المحلات بين (525 إلى 735 جنيها، و(320 و700 جنيها)، و(615 و645 جنيها)، و(350 إلى 2200 جنيه)، و(425 و1300 جنيه)، و(475 حتى 10500 جنيه).