ما زالت دمية "لابوبو - Labubu" تثير الجدل والاهتمام على مستوى العالم مع وصول أسعارها إلى مستويات غير مسبوقة بالنسبة لكونها مجرد دمية، وهي التي أصبحت حديث وسائل التواصل الاجتماعي بعد الجنون الدائر حول الرغبة في امتلاكها من قبل المشاهير والكبار والصغار.
ووصل سهم شركة "بوب مارت - Pop Mart" إلى مستويات مرتفعة غير مسبوقة، بينما بلغت ثروة مؤسسها ورئيسها التنفيذي وانغ نينغ إلى نحو 22.7 مليار دولار، اعتمادًا على حصته في الشركة، التي شهدت نموًا ماليًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة.
ونمت هذه الثروة بشكل كبير بعد أن أصبحت "لابوبو" أهم منتجات وأيقونة لجيل جديد من محبي الشخصيات الغريبة والمميزة، بحسب ما ذكرت مجلة "فوربس".
ما هي الدمية؟
شخصية وحش غريب الأطوار ابتكرها الفنان كاسينغ لونغ المولود في هونغ كونغ، واشتهرت من خلال التعاون مع متجر الألعاب "بوب مارت" البائع الرئيسي لها.
وولدت الشخصية ضمن سلسلة قصص مصوّرة خيالية بعنوان "الوحوش - The Monsters"، وكان لونغ قد بدأ تطويرها قبل سنوات من تعاونها مع بوب مارت.
والمظهر العام مستوحى من الفولكلور الأوروبي (الأقزام والجنيات والوحوش الصغيرة) مع مزيج من روح القصص الشعبية وأسلوب رسوم الأطفال، إلا أنه ليس له أي أصل من الفولكلور الصيني أو الآسيوي، وهو موطن الدمية الأصلي، أو على الأقل لمبتكرها الذي عاش أيضًا لفترة طويلة في بلجيكا.
وكان الظهور الأول لهذه الألعاب عام 2015 في شكل دمى ومجسمات فنية محدودة الإصدار صنعها الفنان بنفسه بكميات قليلة، غالبًا في معارض فنية صغيرة.
وحصل الانتشار التجاري الواسع في 2019 عندما عقد الفنان نفسه شراكة رسمية مع شركة بوب مارت الصينية لإنتاج نسخ تجارية بنظام "صناديق المفاجآت - Blind Box".
وحمل الإصدار التجاري الأول اسم "لابوبو - سلسلة الوحوش الأولى"، وطُرح رسميًا في الصين في آذار/ مارس 2019، ومنها انطلقت شهرة الدمية إلى باقي آسيا ثم إلى العالم خلال الشهور الأخيرة.
وصدرت النسخ الأولى في الصين عبر متاجر الشركة الفعلية والمنصات الإلكترونية، ولاحقًا بدأت بوب مارت بالتوسع السريع في هونغ كونغ وتايوان وكوريا الجنوبية واليابان.
وبحلول عام 2020، دخلت دمية لابوبو متاجر وأسواق أوروبية وأمريكية ضمن موجة التداول الواسع لصناديق المفاجأة.
التسمية
لا توجد أصل تقليدي أو أسطوري لاسم اللعبة في الثقافة الصينية، ويُرجح أن اختيار الاسم تم بسبب وقعه البسيط والجذاب على سماع الأذن.
ولا يظهر اسم لابوبو أيضًا في أي من مجموعات الألعاب التقليدية، إلا أنه يتربط برف طفل صغير أو جسم صغير، وهو ما يظهر في الدمية.
ويذكر أن اللفظ أيضًا لا يشبه كثيرًا في اللغات الغربية إلا بالإسبانية نظرًا لأن كلمة "بوبو" bobo تعني "الأبله أو الأحمق" أو الساذج"، ولـ "la" وهي أداة للتعريف تعادل التعريف بـ"الـ" باللغة الغربية.
أما في الفرنسية، المنتشرة كثيرًا في بلجيكا الذي أقام فيها مبتكر الدمية لفترة طويلة، قد يكون اللفظ اختصارًا لكلمة "bourgeois-bohème" أي "البرجوازي البوهيمي"، وهو نمط حياة يجمع بين الرفاهية والذوق البديل.
ظاهرة "فومو"
تعد ظاهرة "فومو - FOMO" اختصارًا لعبارة “Fear Of Missing Out”، أي "الخوف من فوات الفرصة أو الترند"، هي حالة نفسية اجتماعية يصفها الأخصائيون بأنها حين يشعر الناس بالضغط أو القلق لأنهم لا يريدون أن يفوتوا حدثًا أو فرصة محدودة، أو شيئًا يصبح شائعًا فجأة.
وتظهر هذه الظاهرة بشكل قوي على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يرى الناس محتوى متكررًا عن شيء معين، فيشعرون أنهم يجب أن يشاركوا أو يمتلكوه ليكونوا "جزءًا من القصة" أو "غير متخلفين عن الركب".
وربط الخبراء بين الظاهرة وبين سلوك مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي عندما يرون عشرات أو مئات الفيديوهات التي تظهر أشخاصًا يفتحون صناديق دمى "لابوبو" على منصات تيك توك أو يوتيوب، ومشاهدة تعليقات المتابعين الذين يشترونها أو يتحدثون عنها.
وتُنتج هذه الدمى بكميات محدودة نسبيًا، وغالبًا ما تُباع في مجموعات أو سلاسل بموديلات مختلفة تُطلق بشكل دوري.
مع انتشار الفيديوهات على المنصات الاجتماعية التي تُظهر فتح الصناديق واكتشاف النماذج النادرة، تزايدت الإثارة حول جمع هذه الدمى، وزاد الطلب عليها بشكل كبير.
وتعرض هذه المقاطع محتوى فتح الصندوق و"لحظة المفاجأة"، ضمن أسلوب جذاب وتشويقي، تجعل المتابعين يشعرون بأنهم يجب أن يحصلوا على دمية "لابوبو" بأنفسهم.
وينشر المؤثرون و"الجامعون - Collectors" تجاربهم، وقصصهم، والنماذج النادرة التي حصلوا عليها، مما يخلق جوًّا من الحماس والطلب، بينما تستغل العلامة التجارية نفسها هذه الظاهرة عبر إطلاق إصدارات خاصة ومحدودة ونادرة العدد لجذب الانتباه.
وقالت أستاذة التسويق والسلوك الاستهلاكي بجامعة كولومبيا، سوزان فاغنر: "ظاهرة فومو ليست مجرد خوف سطحي من فوات حدث أو ترند معين، بل هي قوة نفسية عميقة تؤثر بشكل مباشر على قرارات المستهلكين".
وأكدت فاغنر أن "هذه الظاهرة تدفع الأفراد لاتخاذ قرارات شراء سريعة وغير محسوبة، غالبًا ما تكون مدفوعة بالخوف من فقدان فرصة نادرة أو البقاء خارج دائرة المشاركة الاجتماعية".
وأوضحت أنه "في هذا السياق، يتحول الاستهلاك إلى دوامة متصاعدة من العجلة والتنافس، حيث يحاول الناس أن يثبتوا حضورهم من خلال اقتناء المنتجات التي تحظى بشعبية آنية، وهذا النمط من السلوك يخلق بيئة تجارية مربحة لكنها مضطربة، حيث تتغير التوجهات بسرعة ويصبح الولاء للمنتج أقل أهمية من التواجد ضمن آخر موجة من الترندات".
بدوره، قال محلل سلوك المستهلك في شركة "NielsenIQ"، جوناثان براون: إنه "في عصر منصات التواصل الاجتماعي، أصبحت ظاهرة فومو أكثر قوة وتعقيدًا مما كانت عليه سابقًا. التغطية الفورية والفيديوهات المنتشرة على تيك توك ويوتيوب تخلق إحساسًا مستمرًا بالعجلة والضرورة، ما يدفع المستهلكين إلى الشعور بأن عليهم اللحاق بكل ترند جديد فور ظهوره".
وأكد براون أن "هذا الاندفاع لا يقتصر فقط على جانب اجتماعي، بل ينقل تأثيرًا مباشرًا على مبيعات المنتجات التي ترتبط بالترندات، خاصة تلك التي تقدم تجربة فريدة أو محدودة الإصدار".
أرباح ضخمة
وشهدت شركة بوب مارت نموًا كبيرًا في إيراداتها، ففي عام 2024، بلغ إجمالي إيرادات الشركة حوالي 13.04 مليار يوان صيني (ما يعادل 1.81 مليار دولار أمريكي)، مع تحقيق إيرادات من دمية Labubu بلغت 3.041 مليار يوان، مما يمثل 23.3 بالمئة من إجمالي إيرادات الشركة، بحسب موقع "إيكونوميك تايمز".
في الربع الأول من عام 2025، سجلت الشركة نموًا في الإيرادات وصلت إلى نحو 170 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، مع زيادة ملحوظة في المبيعات في الأسواق الأمريكية.
واستفادت شركة "موشي - Mochi" التي تدير عمليات بوب مارت في أمريكا الشمالية، أيضًا من شعبية دمية لابوبو، وتجاوزت إيراداتها ضمن أمريكا الشمالية فقط في الربع الأول من عام 2025، إيراداتها العالمية لعام 2024، مما يشير إلى الطلب المرتفع على الدمية في هذه المنطقة.
ودخل رائد الأعمال الصيني وانغ نينغ، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة بوب مارت لأول مرة قائمة أغنى عشرة أشخاص في الصين، بثروة قدرت بـ22.7 مليار دولار، وذلك بفضل النجاح العالمي الذي حققته الدمية الشهيرة.