هكذا كان يصنع المصريون السعادة في يوم عاشوراء.. طبق لذيذ له أصول تاريخية

هعنللتالالتلللللل
يوم له طقوس وتقاليد وعادات غذائية خاصة بالمصريين- أكس
  • القاهرة- عربي21
  • السبت، 05-07-2025
  • 01:29 م
بينما يستقبل المسلمون "يوم عاشوراء" (العاشر من شهر المحرم) الذي يحل السبت، بصيامه مع يوم قبله أو يوم بعده، اتباعا للسنة النبوية الشريفة، يستدعي بعض المصريين من التاريخ "طبق العاشورا" الذي كان قبل عقود، طبقا رئيسيا للاحتفاء بذلك اليوم، في عادة مصرية تركية، تميزت بها القاهرة عن باقي العواصم العربية، طيلة قرون.

يعود الاحتفاء بقدوم "يوم عاشوراء" إلى احتفال اليهود بهذا اليوم الذي نجى الله تعالى فيه نبيه موسى عليه السلام من فرعون، وهو اليوم الذي صامه نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم وقال: "نحن أولى بموسى منهم"، ليصبح يوم فرحة وصيام عند المسلمين، ويتحول إلى يوم له طقوس وتقاليد وعادات غذائية خاصة بالمصريين.

"يوم حافل"
تحكي جدات ريفيات لـ"عربي لايت"، عن يوم عاشوراء، أنه "في قريتنا كنا ننتظره بعد شهر من عيد الأضحى (العاشر من ذي الحجة)، وأنه كان يوم له استعدادات خاصة، لإفطاره بعد صيامه".

وتوضحن، أنه "كانت أمهاتنا وجداتنا يربين لأجل يوم عاشوراء ذكر بط، أو أوز، ويقمن على مدار شهر وأكثر بإطعامه الذرة أو الفول المبلل بالماء عنوة، حتى يثمن ويربي جسدا مملوء باللحم الأحمر، ليتم ذبحه صباح يوم عاشوراء".

وتواصلن: "في ذلك اليوم كانت تقاد (الكوانين) –موقد بلدي مصنوع من الحجارة والطين- لطهي ذكر البط أو الأوز في حلل عميقة تسمى الشاورما تُملأ بماء الطرمبة -مياه جوفية من دلتا النيل- لكي نصنع أكبر كمية من الشوربة".

"وفي الأثناء تقاد الأفران البلدية، لصناعة الخبز البلدي الخاص بيوم عاشوراء، والذي يتم منه صناعة أنجر من الفتة أو صينية كبيرة منها وفوقها الأرز الأبيض المفلفل، بينما باقي الخبز يوضع في كل رغيف منه مناب كل فرد من أفراد الأسرة من ذكر البط أو الأوز، وقت الإفطار"، وفق روايتهن.

وفي لحظة ما زالت عالقة في ذاكرتهن، تحكين: "يقوم الجد أو الجدة، أو الأخ الأكبر  أو زوجته، بتقطيع ذكر البط أو الأوز بطريقة امتهنوها وتوارثوها ثم توضع كل قطعة في رغيف خبز، وينادي الجد لمن هذا المناب، ليقول أصغر طفل في العائلة: هذا مناب جدي، ثم ينادي هذا مناب جدتي، ثم يدور يسمي أعمامه فردا فردا، ثم عماته، وزوجات الأعمام، لينتهي أمر التوزيع بالأطفال الذكور ثم البنات الإناث".

"الاحتفال الثاني.. وسباق الملاعق"
يذكرن لـ"عربي لايت"، أنّ: "الاحتفال الأول من بعد إفطار يوم عاشوراء ينتهي، ليبدأ الاحتفال الثاني؛ حيث تنتهي النساء من حمل فضلات الطعام، وبينما تقوم أخريات بغسل ملاعق الطعام تأتي أخريات بصينية كبيرة من العاشورا، توضع في منتصف دهليز البيت ليجتمع عليها الجميع مرة ثانية كما اجتمعوا على لحم الأوز والبط".

"الكل يمد يده عن بعد حاملا ملعقته، يضعها بسرعة شديدة لكي يتذوق العاشورا في سباق بين الجميع من: يأكل أكبر قدرا، ومن يحصل على الجزء الأكبر من اللبن والسكر، من الوجبة اللذيذة التي كانت تعدها على الأغلب إحدى بنات الدار التي أصبحت على (وش زواج)، حيث تُعلمها الأم أو زوجة الأخ الأكبر طرق الطهي ومنها الطريقة المثلى لصناعة العاشورا، لتصنعها لحماتها في أول يوم عاشوراء يأتي بعد زواجها"، تحكي الجدات.

وعن طريقة صناعة العاشورا، يوضحن أنهن "كن يقمن بمهمة شاقة في غربلة القمح بالغربال السلك، وتنقية قطع الطين الجاف من بين حباته، ثم غسله وتجفيفه في الشمس، بعض الوقت، ثم غلي حلة من الماء فوق الكانون، ووضع القمح مع بداية غليان الماء حتى يتم سلقه كاملا، وهنا يوضع مع القمح المسلوق اللبن الجاموسي الطازج ونسبة مناسبة من السكر، ويجري تقليب ذلك الخليط، الذي بعدما ينضح يوضع في صينية واسعة، ويتم وضعه في النملية مع تغطيته لكي يقدم باردا".

ويؤكدن أنه "لا أحد الآن يصنع طبق العاشورة بمناسبة ذلك اليوم، ولم يعد هناك ارتباط أسري بهذه العادة كجزء من الاحتفال الديني والتجمع العائلي للمصريين في يوم عاشوراء، ولكنه طوال العام هناك من يقوم بصناعة البليلة من القمح واللبن والسكر، والتي يقوم بائع الفول بتقديمها أيضا في المناطق الشعبية".

اظهار أخبار متعلقة


"كسكسي ومخروطة وشعرية"
لأن مصر كانت تُعرف بـ"سلة غذاء العالم" في العصور القديمة، ومورد القمح الرئيسي للإمبراطوريات الرومانية واليونانية، فإن وفرة القمح جعلته مكونا أساسيا في طعام المصريين واحتفالاتهم الدينية والشعبية، حتى اليوم.

وتلفت الجدات إلى أنهن وأمهاتهن وجداتهن، ورثن "أطعمة عديدة يصنعنها من القمح في مناسبات عديدة، فإلى جانب الخبز بأنواعه والكحك والبسكويت في شهر رجب وعيد الفطر، هناك أطعمة حلوة المذاق من القمح بينها العاشورا يوم عاشوراء، وأخرى كانت تُصنع على مدار العام مثل الكسكسي والمخروطة والشعرية".



والثلاثة الأخيرة من دقيق القمح بعد عجنه، ولكل منها طريقة خاصة لصناعتها وتقديمها، حيث كانت تجتمع عليها نساء كل بيت وجيرانهم وأقاربهم، وتؤكل جميعها باللبن والسكر أو العسل، فيمت قد يؤكل الكسكسي بالمرق، وهو الوجبة الوحيدة الباقية حتى اليوم، ويقوم بصناعتها بعض الباعة عبر أكشاك زجاجية موضوع فوق عربات صغيرة في نواصي بعض الحارات المصرية.

وهي جميعها أطعمة إلى جانب العاشورا من الأطباق المصرية التاريخية، التي ترتبط ارتباطا وثيقا بـتاريخ مصر كمركز لزراعة القمح، وهو ما جعلها معلما من معالم ثقافة الطعام المصرية خاصة في الريف والمناطق الشعبية.

"مهنة.. ونداء شعبي: البليلة"
"حتى عهد قريب، لم يكن يخلو بيت شعبي في القاهرة من تقديم طبق العاشورا للجيران والأهل والأحباب، الأمر الذي تطور في العقود الماضية لتصبح البليلة كطعام حلو يشابه لحد كبير العاشورا، صناعة يتخصص فيها بعض الأشخاص ويدورون في شوارع العاصمة ينادون عليها، صباحا، قائلين بصوت عالي البليلة"، بحسب الحاجة فايزة، إحدى سكان حي عين شمس الشعبي بالعاصمة القاهرة.

وتحكي لـ"عربي لايت": "هو النداء الذي عندما كان يسمعه الأطفال يلهثون نحو بائع البليلة كل منهم يحمل طبقا من الألومنيوم وبيده بعضة قروش يعطيها للرجل الذي يسرح بعربة خشبية صغيرة، ثم يعود الطفل لتضع الأم على البليلة لمساتها من اللبن والسكر وبعض المكسرات".



"في السينما المصرية"
عشرات الأفلام المصرية من تراث السينما تناولت طبق العاشورا، كجزء من تراث المصريين، وكان منها فيلم "عاشت للحب"، إنتاج 1959، المأخوذ عن قصة "شجرة اللبلاب"، للكاتب محمد عبدالحليم عبد الله حيث كان طبق العاشورة الذي قدمته البطلة "زبيدة ثروت" إلى البطل "كمال الشناوي" في يوم عاشوراء، بداية عقدة الفيلم.

كما قدم فيلم "أيامنا الحلوة" إنتاج عام 1955، بطولة فاتن حمامة، وعمر الشريف، وعبدالحليم حافظ وأحمد رمزي، الجانب الشعبي والاجتماعي والأسري للاحتفال بيوم عاشوراء، وحضور الأطعمة المصرية، وتقديم طبق العاشورا، لبعض الجيران في أحد أحياء القاهرة الشعبية في خمسينيات القرن الماضي.

"هل هو طبق مصري قديم؟"
يُعتقد أن المصريين القدماء كانوا يصنعون طبقا مشابها للعاشورا والبليلة من القمح في مواسم حصاد القمح الذي كان يمثل رمزا للخصوبة والخير والحياة في الحضارة المصرية القديمة وارتبط بالإله "أوزوريس".

آثار مصر القديمة مازالت تقدم لنا الكثير من الدلائل على تقديم القمح واللبن والعسل كإحدى الأطباق المصرية بالاحتفالات الدينية القديمة، والتي تشبه طبق العاشورا، وفق تصريحات لخبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، لعدة مواقع مصرية.

وبحسب ريحان فإنه "عيد مصري قديم يرجع إلى الدولة القديمة في أواخر عصر بناة الأهرام، وكان من بين أعياد منف الدينية وكانوا يطلقون عليه عيد طرح بذور القمح المقدس ويقع في اليوم العاشر من شهر نوبي (طوبة) أول شهور الفصل الثاني من فصول السنة (فصل برت – البذر)، طبقا لما جاء في كتاب الدكتور سيد كريم (لغز الحضارة المصرية)".

تشير كتب التاريخ، إلى أن الاحتفال بيوم عاشوراء، كانت له طقوسا في عصر الدولة الفاطمية، اختفت أغلبها مع قدوم الدولة الأيوبية في القاهرة، التي احتفظ بطبق العاشورا كأحد أهم مظاهر احتفاء المصريين بهذا اليوم، وحتى اليوم.

اظهار أخبار متعلقة


"المصريون والأتراك"
يشترك المصريون والأتراك في عادة تقديم طرق العاشوراء، حيث يطلقون عليها "حلوى نوح"، أو "عصيدة نوح"، اعتقادا منهم أنه عند نفاذ الطعام على سفينة نوح عليه السلاح بعد الطوفان، جمع النبي الكريم بواقي ما لديهم من طعام في إناء واحد وقاموا بطهيها مجتمعة فنتج عنه هذا الطبق.

وبينما يصنع المصريون طبق العاشورا من القمح والقمح المقشور (بليلة)، والحليب، والسكر، أو العسل، والنشا أو الدقيق، والفانيليا، وجوز الهند والزبيب، ومكسرات مثل اللوز والبندق والفستق، والقرفة، والقشطة؛ فإن الأتراك يصنعونه من القمح، والفاصوليا، والحمص، والمكسرات، وقطع الفاكهة.

ويسود اعتقاد لدى البعض أن يوم عاشوراء مرتبط بيوم توبة آدم عليه السلام، واستقرار سفينة نوح عليه السلام على جبل الجودي، ونجاة خليل الله إبراهيم من النار، وفداء إسماعيل عليه السلام بكبش من السماء، وعودة يوسف إلى يعقوب عليهما السلام، لكن الثابت أنه يوم نجاة موسى عليه السلام من فرعون.
شارك
التعليقات