كيف أصبح داء "النشواني" قابلا للعلاج بعدما كان حكما بالإعدام؟

القلب قلب - صور مجانية CCO
قصور القلب أصبح أحد أسرع الأمراض القلبية فتكا خلال العقود الماضية- CC0
  • لندن- عربي21
  • الثلاثاء، 05-08-2025
  • 07:47 م
تساعد ثورة هادئة في مجال الرعاية الصحيفة مرضى داء النشواني القلبي، وهو شكل من أشكال قصور القلب الذي حيّر الأطباء لفترة طويلة، وهو الذي كان بمثابة حكم إعدام، أصبح حاليا قابلا للعلاج.

وجاء في تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" أنه عندما شُخِّص جيمس هيكس، البالغ من العمر 75 عاما، بقصور القلب، شعر وكأنها بداية النهاية، وهو الذي كان عامل سكة حديد سابق من روجرز في أركنساس، قد تعامل بهدوء مع مشاكل صحية مختلفة، من متلازمة النفق الرسغي في كلتا ذراعيه إلى استبدال مفصلي ركبتيه. 

وكانت أحدث مشاكل هيكس الصحية هي انهيار في القلب، وعزا الأطباء ذلك إلى الإرهاق والتعب الناتج عن التقدم في السن، وعند هذا قال: "لا توجد جراحة تُجدي نفعا".

بعد فترة وجيزة، لم يعد  هيكس قادرا على المشي من مباراة كرة السلة في المدرسة الثانوية التي كان يدرس فيها حفيده إلى السيارة، دون أن يتوقف عدة مرات لالتقاط أنفاسه، كانت قدماه وكاحليه تتورمان إن لم يرفعهما. 

وكان يشعر بنبض قلبه يتسارع بشكل لا يمكن السيطرة عليه، عاجزا عن إيجاد إيقاع منتظم. جرّب أطباء  هيكس ستة أدوية مختلفة، لكن دون جدوى.

اظهار أخبار متعلقة


لم يُثر طبيب قلب محلي احتمالية الإصابة بداء النشواني القلبي، وهو شكل غير معروف من قصور القلب، إلا في عام 2023، أي بعد حوالي 10 سنوات من التشخيص الأصلي.

على مدار الخمسين عاما الماضية، أصبح قصور القلب أحد أسرع الأمراض القلبية فتكا، ولطالما اعتُبر مرضا مرتبطا بالشيخوخة، وينتج عن تغيرات تدريجية لا مفر منها في القلب، لكن الأطباء يكتشفون الآن أن حوالي 15 بالمئة من الحالات ناتجة عن بروتين ضار يُسمى الأميلويد، وربما يكون معروفا بدوره في مرض الزهايمر. 

وفي حين أن أحد أنواعه يُسبب تشابكا في الخلايا العصبية في الدماغ، تتسلل أنواع أخرى إلى القلب، مما يجعل العضلة متيبسة وأقل قدرة على ضخ الدم.

حتى وقت قريب، كان داء النشواني القلبي بمثابة حكم بالإعدام، لكن ظهور أدوية جديدة، بما في ذلك دواءان معتمدان من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية العام الماضي، جعل هذا المرض أكثر قابلية للسيطرة عليه. 

تقول الدكتورة ميشيل كيتلسون، طبيبة القلب في مركز سيدارز-سيناي الطبي: "لا ينبغي أن نكتفي بالقول: أنت متعب، تعاني من ضيق في التنفس، أنت فقط كبير في السن، فهناك أمل كبير لمرضى قصور القلب".

لعقود من الزمن، تم تجاهل داء النشواني القلبي كمرض نادر. تشمل العلامات المبكرة متلازمة النفق الرسغي، وتضييق العمود الفقري، وتمزق وتر العضلة ذات الرأسين، حيث تتراكم لويحات الأميلويد في جميع أنحاء الجسم. ولكن مع قلة الوعي بهذه الحالة، كان من الصعب على الأطباء ربط النقاط ببعضها.

وقالت الدكتورة كيتلسون إنه لم يكن هناك حافز كبير للقيام بذلك، لأنه بدون أي علاجات لداء النشواني القلبي، لم يكن أمامهم سوى الوقوف مكتوفي الأيدي ومشاهدة المرضى يستسلمون للمرض.

قال أوزي جيجليو، 64 عاما، الذي علم بإصابته بداء النشواني القلبي عام 2016، إن التشخيص كان أشبه بالدخول في الظلام. وتذكر أن طبيبه قال له: "أريد أن أضعك على قائمة زراعة القلب فورا. هذه هي الطريقة الوحيدة لإنقاذ حياتك".

ولكن مع تطوير الباحثين لطرق أسهل للكشف عن داء النشواني القلبي، تم تشخيص المزيد من المرضى، كما قال الدكتور ماثيو مورير، طبيب القلب في المركز الطبي بجامعة كولومبيا إيرفينغ.
وأضاف أنه بدلا من الحاجة إلى أخذ خزعة من القلب، يمكن للأطباء الآن استخدام مسح ضوئي يضيء لويحات الأميلويد، واختبار دم وبول المرضى بحثا عن البروتين غير الطبيعي.

ومع ذلك، كانت نقطة التحول في داء النشواني القلبي هي تطوير علاجات فعالة. وقالت الدكتورة كيتلسون إنه مع تمكن الأطباء الآن من مساعدة المرضى بالفعل، كان هناك "انفجار في التعرف على المرض".

اظهار أخبار متعلقة


ويعتقد الخبراء أن داء النشواني القلبي أكثر شيوعا بين الرجال والبالغين الذين تبلغ أعمارهم 75 عاما أو أكثر والسود. لكن لا أحد يعرف على وجه اليقين، لأن العديد من المرضى لا يخضعون للاختبار. وقالت الدكتورة كيتلسون: "لا أستطيع أن أقدم لكم تقديرا للانتشار، ولكن من الواضح أننا في قمة جبل الجليد فيما يتعلق بالسكان الأكبر سنا".

ما يجعل داء النشواني القلبي مميتا للغاية هو أن البروتين غير الطبيعي يتسلل بين ألياف القلب، مما يُسبب تصلب العضلات واضطراب إيقاع القلب، كما صرّح الدكتور بابلو كوينتيرو بينزون، طبيب القلب في مركز بيث إسرائيل ديكونيس الطبي. بعض أشكاله وراثية. بينما تحدث أنواع أخرى تلقائيا لأسباب لم يفهمها الخبراء بعد.

هناك نوعان من البروتينات المشوهة التي تُسبب عادة داء النشواني القلبي، لكن الأدوية الجديدة تستهدف نوعا واحدا فقط منها، وهو الترانسثيريتين، إما عن طريق تثبيط إنتاجه أو تثبيت جزيئه بحيث لا يتسلل إلى القلب، كما صرّح الدكتور كوينتيرو.

وأظهرت التجارب المنشورة في مجلة نيو إنجلاند الطبية - والممولة من شركات الأدوية - أن هذه الأدوية الجديدة (تافاميديس، وأكوراميديس، وفوتريسيران) حافظت على جودة الحياة وخفضت الوفيات بنسبة 25 إلى 35% مقارنة بالعلاج الوهمي. في أحدث تجربة، عاش المرضى الذين تناولوا دواء فوتريسيران عمرا يقارب متوسط عمر عامة السكان.

قالت الدكتورة كيتلسون: "ربما نعيش في عصر ستموت فيه وأنت مصاب بداء النشواني القلبي بدلا من الموت بسببه".

وخصصت مجلة الكلية الأمريكية لأمراض القلب عددها الأخير لداء النشواني القلبي يوم الاثنين. تُظهر أبحاث جديدة كيف يُحسّن فوتريسيران بعض مقاييس استرخاء القلب وتلف العضلات، مع منع المزيد من الانخفاض في انقباض القلب وإجهاد جداره.

ومع أدوات التشخيص الحالية، لا توجد طرق جيدة لمعرفة ما إذا كان مرضى داء النشواني القلبي يستجيبون للعلاج. لكن هذه النتائج الجديدة تُشير إلى أن الأطباء يُمكنهم استخدام فحوصات تخطيط صدى القلب والمؤشرات الحيوية القائمة على الدم لمراقبة تقدم المرضى وربما التنبؤ ببقائهم على قيد الحياة، كما قال الدكتور كوينتيرو، الذي لم يشارك في هذا البحث.

اظهار أخبار متعلقة


زعندما شُخِّص مارك إسرائيل بالمرض عام 2020، أخبره الأطباء أنه يُمكنه أن يتوقع العيش لمدة تتراوح بين 12 و18 شهرا دون علاج. لكن  مارك البالغ من العمر 77 عاما، تمكن بسرعة من الحصول على دواء تاماميديس. قال: "ها أنا ذا، بعد خمس سنوات".

على الرغم من فوائدها، لا تشفي هذه الأدوية المرض؛ بل إنها تُجمّد المرضى في أي مرحلة من مراحل قصور القلب لديهم، كما قالت الدكتورة كيتلسون. كما أن قدرة هذه الأدوية على تقليل خطر الوفاة تنخفض بشكل حاد مع مرور الوقت.

ولهذا السبب يُعد التشخيص المبكر أمرا بالغ الأهمية، ولهذا السبب ينتظر الباحثون بفارغ الصبر نتائج دواء جديد مصمم لإزالة الأميلويد من القلب حتى بعد تراكمه.

ويبقى السؤال مطروحا أيضا حول عدد المرضى الذين سيتمكنون من تحمل تكلفة هذه الأدوية. فهي باهظة الثمن للغاية، حيث تتراوح تكلفتها بين 250 ألف و500 ألف دولار سنويا. يغطي برنامج الرعاية الصحية (ميديكير) جميع الأدوية الثلاثة، لذا لن يدفع معظم المرضى أكثر من 2000 دولار من جيوبهم الخاصة سنويا. لكن الدكتور مورير قال إن هذا لا يزال يشكل عبئا ثقيلا على نظام الرعاية الصحية الأوسع.

بالنسبة للمرضى، قد يُغيّر هذا العلاج حياتهم. فبعد السيطرة على داء النشواني القلبي وعدم انتظام ضربات قلبه، عاد هيكس إلى ركوب دراجته الكهربائية لمسافة 160 كيلومترا أسبوعيا ورفع الأثقال في صالة الألعاب الرياضية المنزلية. قال: "لم أعد أشعر بأنني في الخامسة والسبعين من عمري؛ أشعر بأنني أصغر سنا بكثير. من الصعب تصديق أنني أعاني من مرض ما".
شارك
التعليقات