متى بدأ البشر بارتداء الجوارب؟.. نخبرك القصة من الرفاهية إلى الرسائل السياسية

pexels-karolina-grabowska-4495756
انتقلت الجوارب من الرفاهية إلى بضاعة يستطلع الكل شراءها - CC0
  • عمر أحمد
  • الأربعاء، 08-10-2025
  • 01:05 م
قد يبدو الحديث عن الجوارب أمرا تافها، في زحمة الأخبار والمواضيع اليومية، والإيقاع السريع للأحداث، لكن هذه القطعة البسيطة تحمل تاريخا غنيا يمتد لآلاف السنين، وتأثيرات صحية متنوعة.

ومرت الجوارب عبر التاريخ في الكثير من التحويلات، من أداة بقاء أساسية إلى عنصر أزياء يعكس الشخصية، إلى طريقة لإيصال الرسائل السياسية.

اظهار أخبار متعلقة



وتعد الجوارب من أكثر الإكسسوارات استخداما في حياتنا اليومية، ولا يبدو الاستغناء عنها أمرا سهلا، حتى وإن كنت لا ترتدي الحذاء.

متى صنع أول جورب؟

بدأ الإنسان بصنع أغطية أقدام تشبه الجوارب الحالية، من مواد حيوانية، ونباتية في العصور الحجرية، أي حوالي عام 5000 قبل الميلاد، وكان سكان الكهوف يرتدونها لإبقاء أقدامهم دافئة بحسب رسومات الكهوف التي تُظهر نوعا من "الجوارب" التي تُلبس على القدمين.

وتكهّن العلماء وعلماء الآثار بأن الملابس الشبيهة بالجوارب التي كانت تُرتدى في الماضي كانت أكثر عضوية في تركيبها. هذا يعني أنها كانت على الأرجح مصنوعة من جلود الحيوانات والنباتات المربوطة حول الكاحل لدعمها.

ولم تكن الجوارب آنذاك في أفضل حالاتها لأنها كانت ستحافظ على القدمين وسلامتهما لكن المواد البدائية كانت تشجع نمو البكتيريا والفطريات.

بعد بضعة آلاف من السنين، ذُكرت الجوارب لأول مرة من قِبل اليونانيين، وكان يطلق عليها "بيلوي" وهي نوع من الأغطية المصنوعة من شعر الحيوانات وتلبس تحت الصنادل.



لاحقا، طور الرومان مفهوم "بيلوي" اليوناني القديم إلى مستوى أبعد، حيث أدخلوا عليه تعديلات جذرية في وقت لاحق.

وفي حوالي القرن الثاني الميلادي، اعتاد الرومان على لف أقدامهم بشرائط من الجلد أو القماش المنسوج. سرعان ما بدأوا بخياطة قطع قماش مختلفة معًا، وصنعوا أول جوارب جيدة، مع أنها كانت لا تزال بحاجة إلى نوع من الربطة لتثبيتها في مكانها.

اظهار أخبار متعلقة



وعُرفت محاولات الرومان في صناعة الجوارب آنذاك باسم "أودون"، وكانت أول قطعة تشبه الجوارب تشبه ما نرتديه اليوم.



أما المصريون القدماء، فكانت تجربتهم لصناعة الجوارب من أكثر التجارب نجاحا، وكان ذلك في الفترة ما بين 300 و500 ميلادي، عندما صُنعت أول جوارب محبوكة في مصر القديمة.

كان تصميمها فريدا، حيث كان لكل جورب أصابع مشقوقة مما سمح بارتدائها مع الصنادل. 



في العصور الوسطى، اكتسبت الجوارب شهرة واسعة وأصبحت من الإكسسوارات الأساسية التي يرتديها الجميع.

كانت جوارب العصور الوسطى تُصنع من قماش زاهٍ الألوان يُحكم إغلاق الجزء السفلي من الساق. وكان من الضروري استخدام أربطة لتثبيتها، إذ لم يكن المطاط قد اختُرع بعد.

وعندما بدأت سراويل البنطلون تقصر، أصبحت الجوارب أطول لمواجهة البرد.

وفي القرنين الحادي عشر والثاني عشر، كانت الجوارب المحبوكة سلعة فاخرة، وتطورت سريعا في أوروبا، وكانت رمزا للمكانة الاجتماعية للنبلاء، وكانت أسعارها مرتفعة، وكان الفقراء يحيكون جواربهم الخاصة بأنفسهم.

اظهار أخبار متعلقة



وفي القرن الخامس عشر، أصبح الأرستقراطيون الفرنسيون والإيطاليون روادا في صناعة الجوارب الحريرية المحبوكة يدويا.

لم يمضِ وقت طويل قبل أن ينضم الأرستقراطيون البريطانيون إلى هذه الصناعة ويعتمدوا الجوارب الحريرية المحبوكة.



وبحلول القرن السادس عشر، خضعت صناعة الجوارب للتنظيم، حيث وُضعت قوانين لارتداء الجوارب في العاصمة البريطانية لندن، وكانت هناك شرطة خاصة لذلك.

وكغيرها من الملابس آنذاك، خضعت الجوارب، لقوانين صارمة تتعلق بالبذخ. ففي عام 1566 استخدمت مدينة لندن تقنيات مراقبة لضمان عدم ارتداء جوارب من النوع الخطأ في أي مكان بالعاصمة.

تألفت شرطة الجوارب اللندنية من أربعة أشخاص "متحفظين وحذرين"، كانوا يُوضعون مرتين يوميًا على أبواب المدينة، ويفحصون أرجل الداخلين والخارجين بحثا عن جوارب غير مطابقة للمواصفات.

تدخل ملكي

وفي عام 1589، ساهم رجل دين إنجليزي يُدعى ويليام لي في دفع تاريخ الجوارب إلى آفاق جديدة. كان ذلك عندما اختُرعت أول آلة حياكة. لكنها لم تُمنح براءة الاختراع فورًا، إذ وجهت الملكة إليزابيث الأولى اعتراضا على المنتج لأنه لم يكن مريحا.

ورأت الملكة أن الآلة قد تسلب فرص العمل ممن كانوا يحيكون الجوارب يدويا لذلك رفضتها.

وكان الملك هنري الرابع ملك فرنسا هو من رأى الفرصة التي أتاحتها آلة ويليام لي، فانتقل المخترع إلى فرنسا ليفتتح مصنعًا لإنتاج الجوارب.

استُخدمت الكلمة اللاتينية "soccus" لوصف الأحذية الخفيفة منخفضة الكعب التي يرتديها الممثلون على المسرح ومع مرور الوقت تطورت إلى "sock"، لتشمل مختلف أغطية القدم التي كانت تُرتدى خلال تلك الحقبة

وفي القرن السابع عشر، استُخدم القطن في صناعة الجوارب. وأتاحت وفرة هذه المادة إنتاج جميع أنماط الجوارب.

ومع حلول الثورة الصناعية، شهدت جميع أنواع التقدم قفزة نوعية. أصبح إنتاج الجوارب الآن سهلًا بفضل الأنوال الدائرية. استُبدل العديد من عمال الحياكة اليدوية بآلات قادرة على إنتاج الجوارب بمعدل أسرع بكثير.

وفي عام 1938 أدخل اختراع النايلون عنصرًا جديدًا كليًا إلى العديد من قطع الملابس، ودفعت هذه الخلطات من المواد تصنيع هذه المنتجات إلى آفاق جديدة. وأدت إضافة الإيلاستين، أو المطاط، إلى تغيير مستقبل الجوارب مرة أخرى، حيث أصبحت مريحة للارتداء دون الحاجة إلى أربطة. 

الجوارب والسياسة 

وفي عالم السياسة أصبحت الجوارب الملونة والطريفة طريقة لإظهار الجانب الإنساني.

الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب كان أيقونة في هذا المجال؛ إذ كان يرتدي جوارب ذات أنماط جريئة وألوان زاهية، مثل تلك المزينة برموز عطلات أو رسوم كاريكاتيرية، ليضيف لمسة مرحة إلى إطلالاته الرسمية.

Embed from Getty Images


كذلك، رئيس الوزراء الكندي السابق، جاستن ترودو يستخدم جواربه لنقل رسائل سياسية، مثل جوارب مزينة بأوراق القيقب مما يعكس شخصيته الودية ويجذب الإعلام.

Embed from Getty Images

Embed from Getty Images

الفوائد الصحية 

إلى جانب حماية القدمين، وتحسين النوم والدورة الدموية، تتجاوز فوائد الجوارب الراحة اليومية لتشمل جوانب علمية مدعومة بدراسات. أولاً، تساعد في تنظيم درجة حرارة الجسم، خاصة أثناء النوم.

 كما تحمي الجوارب القدمين من الاحتكاك، وتتحكم في الرطوبة، وتوفر راحة عامة. 
أما الجوارب الضاغطة، فهي تعزز الدورة الدموية، وتقلل التورم في الساقين والقدمين، وتخفف الآلام، خاصة لدى الأشخاص الذين يقفون لفترات طويلة أو يعانون من مشاكل وريدية.

الأضرار المحتملة

رغم فوائدها، قد تسبب الجوارب أضراراً إذا لم تُستخدم بشكل صحيح. أبرزها السخونة الزائدة، خاصة أثناء النوم، مما يؤدي إلى عدم راحة أو ارتفاع درجة حرارة الجسم إذا كانت من أقمشة غير قابلة للتنفس. 

اظهار أخبار متعلقة



كما أن ارتداءها طوال الوقت قد يحد من تهوية الجلد، مما يزيد خطر الالتهابات الفطرية مثل قدم الرياضي، خاصة في الجوارب الطويلة أو الرطبة. 

وإذا كانت قذرة، تنقل البكتيريا إلى السرير أو الأرضيات، مما يشكل خطرا صحيا.
شارك
التعليقات