كيف تؤثر الهرمونات وتغيراتها على العقل والمزاج؟

مزاج سيء طب صحة - CC0
الهرمونات تؤثر في المزاج عبر تفاعلها مع الناقلات العصبية في الدماغ- CC0
  • لندن- عربي21
  • الأحد، 19-10-2025
  • 10:57 ص
تلعب الهرمونات دورا أساسيا في تنظيم وظائف الجسم المختلفة والحفاظ على توازنه، غير أن تأثيرها لا يقتصر على الجوانب الجسدية فحسب، بل يمتد أيضا إلى الحالة المزاجية والنفسية للإنسان، ويؤكد العلماء أن هذه المواد الكيميائية يمكن أن تؤثر بعمق في المشاعر والسلوك، بل وأن تكون عاملا مفسّرا للاضطرابات النفسية الشائعة مثل الاكتئاب والقلق.

تشير الأبحاث إلى أن الهرمونات تعمل كرسائل كيميائية تفرزها غدد وأعضاء وأنسجة محددة، لتنتقل عبر الدم وترتبط بمستقبلات خاصة في أنحاء الجسم، محدثة سلسلة من الاستجابات الحيوية. وقد تمكّن العلماء حتى الآن من تحديد أكثر من خمسين نوعاً من الهرمونات التي تشرف على مئات العمليات الحيوية، بدءاً من النمو والتكاثر ووظائف النوم، وصولاً إلى الصحة العاطفية والنفسية، بحسب تقرير لـ"بي بي سي".

وتوضح الأستاذة نفيسة إسماعيل، المتخصصة في علم النفس بجامعة أوتاوا الكندية، أن الهرمونات تؤثر في المزاج عبر تفاعلها مع الناقلات العصبية في الدماغ، إضافة إلى دورها في تكوين أو موت الخلايا العصبية. وتظهر الدراسات أن الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والقلق تزداد خلال التحولات الهرمونية الكبرى، وهو ما يُلاحظ بوضوح لدى النساء خلال المراهقة، الحمل، أو انقطاع الطمث.

وتؤكد الأبحاث أن التقلّبات في هرموني الإستروجين والبروجسترون تؤثر على المزاج، إذ يرافق انخفاض مستوياتهما قبل الدورة الشهرية مشاعر التهيج أو الحزن لدى بعض النساء. وفي بعض الحالات، يتطور ذلك إلى اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي، الذي يتّسم بتقلبات عاطفية حادة وقلق واكتئاب. كما يشهد الجسم بعد الولادة انخفاضاً حاداً في مستويات هذه الهرمونات، وهو ما يفسّر إصابة نحو 13 بالمئة من النساء باكتئاب ما بعد الولادة وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

وترى الأستاذة ليزا غاليا من جامعة تورنتو أن المشكلة لا تكمن في مستويات الهرمونات ذاتها، بل في سرعة تغيّرها، إذ تكون بعض النساء أكثر حساسية تجاه هذه التقلبات. ويُسجَّل لدى الرجال أيضاً انخفاض تدريجي في هرمون التستوستيرون مع التقدّم في العمر، ما قد يؤدي إلى تغيّرات مزاجية مشابهة لدى البعض.

اظهار أخبار متعلقة


وتشير الدراسات إلى أن الهرمونات الجنسية، مثل الإستروجين والتستوستيرون، تؤثر على المزاج عبر تعزيز عمل الناقلات العصبية، ولا سيما السيروتونين والدوبامين، وهما المادتان المرتبطتان بالإحساس بالسعادة. كما يُعتقد أن الإستروجين يحمي الخلايا العصبية ويحفّز نموّ خلايا جديدة في منطقة الحُصين، المسؤولة عن الذاكرة والمشاعر، وهو ما يفسّر ضعف التركيز والذاكرة خلال مرحلة انقطاع الطمث.

كما ترتبط الهرمونات بمحور الاستجابة للتوتر المعروف باسم محور الوطاء - الغدة النخامية - الكظرية (HPA)، المسؤول عن إفراز الكورتيزول، هرمون التوتر الرئيسي. وعندما يتعرّض الجسم لتوتر مزمن، يرتفع مستوى الكورتيزول في الدم لفترات طويلة، مما يؤدي إلى التهابات في الدماغ وتلف في خلايا الحُصين واللوزة الدماغية والقشرة الجبهية، وهو ما ينعكس سلباً على الذاكرة وضبط الانفعالات.

في المقابل، يؤدي هرمون الأوكسيتوسين، المعروف بـ"هرمون الحب"، إلى تعزيز مشاعر الأمان والترابط الاجتماعي، ويُفرز أثناء الولادة والرضاعة والعلاقات الحميمة. وتشير بعض الدراسات إلى أن الأوكسيتوسين قد يساعد في تقليل التوتر وتحسين المزاج، رغم الجدل العلمي حول قدرته على عبور الحاجز الدموي الدماغي.

أما اختلال عمل الغدة الدرقية فيُعد من الأسباب المعروفة لتغيّرات المزاج، إذ يؤدي فرط نشاطها إلى القلق، بينما يسبب قصورها الاكتئاب. وغالباً ما يؤدي تصحيح مستويات الهرمونات الدرقية إلى تحسّن الحالة النفسية.

اظهار أخبار متعلقة


وفي ضوء هذه المعطيات، يعمل الباحثون حالياً على تطوير علاجات جديدة تعتمد على تنظيم الهرمونات. ومن بين هذه العلاجات دواء "بريكسانولون"، الذي يحاكي في عمله تأثير هرمون الألوبريغنانولون وأثبت فعالية كبيرة في علاج اكتئاب ما بعد الولادة. كما أظهرت بعض الدراسات أن مكمّلات التستوستيرون قد تعزّز فعالية مضادات الاكتئاب لدى الرجال، وأن العلاج الهرموني بالإستروجين قد يساعد بعض النساء خلال مرحلة انقطاع الطمث.

ورغم هذه التطورات، يقرّ العلماء بأن فهم العلاقة الدقيقة بين الهرمونات والمزاج ما زال ناقصاً. وتقول الأستاذة نفيسة إسماعيل إن التحدي الأكبر يكمن في معرفة سبب اختلاف استجابة الأفراد للتقلبات الهرمونية، مضيفة أن التقدّم في هذا المجال قد يفتح الباب أمام جيل جديد من العلاجات النفسية الدقيقة والمخصصة.
شارك
التعليقات