الصدع الأفريقي الشرقي.. هل بدأ انقسام القارة السمراء فعلا؟

الصدع الأفريقي - cc0
هل تنقسم أفريقيا حقا؟ رحلة الصدع الشرقي نحو ولادة قارة جديدة - cc0
  • لندن- عربي21
  • الثلاثاء، 04-11-2025
  • 09:50 ص
تشهد القارة الأفريقية واحدة من أضخم العمليات الجيولوجية النشطة على كوكب الأرض، فيما يعرف باسم الصدع الأفريقي الشرقي، وهو نظام من التشققات والانكسارات العميقة يمتد من شمال إثيوبيا والبحر الأحمر وصولا إلى موزمبيق في أقصى الجنوب، بطول يتجاوز 3 آلاف كيلومتر، بحسب هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية.

ويقول خبراء الجيولوجيا إن هذه الظاهرة ليست حدثا محليا عابرا، بل تمثل مرحلة مبكرة من عملية انقسام بطيئة للقارة الأفريقية قد تستمر لعشرات ملايين السنين، وقد تؤدي في نهايتها إلى ولادة محيط جديد يفصل شرق أفريقيا عن بقية القارة.

قارة في طور التشكل
بحسب تقرير لمجلة "ناشونال جغرافيك"، يحدث هذا الصدع نتيجة ابتعاد صفيحتين تكتونيتين تسميان بـ"الصومالية" و"النوبية"، حيث تتحرك الأولى شرقا بمعدل يتراوح بين 6 و7 مليمترات سنويا. هذا التمدد البطيء، الناتج عن صعود الصهارة من أعماق الوشاح الأرضي، يؤدي إلى تمزق القشرة القارية تدريجيا، محدثا صدوعا وزلازل ونشاطا بركانيا متزايدا في مناطق مثل إثيوبيا وكينيا وتنزانيا.

ويشير الجيولوجي تيم رايت من جامعة ليدز البريطانية، في دراسة نشرتها مجلة "رسائل الأبحاث الجيوفيزيائية" عام 2022، إلى أن العملية الجارية حاليا تشبه ما حدث قبل نحو 180 مليون سنة عندما انقسمت كتلة "غوندوانا" لتتشكل القارات الحالية، مؤكدا أن أفريقيا "تشهد نسخة جديدة من تلك العملية التاريخية ولكن بوتيرة أبطأ بكثير".



دلائل على الأرض
في عام 2018، أثار ظهور شق أرضي ضخم في كينيا قرب منطقة مايي ماهيو تساؤلات حول احتمال بدء الانقسام الفعلي للقارة، لكن باحثي مرصد ناسا الأرضي في وكالة ناسا٬ أوضحوا حينها أن ما جرى ليس بداية انفصال فوري، بل جزء من نشاط تكتوني طويل الأمد قد يستمر بين 30 و50 مليون سنة قبل أن يتكوّن المحيط الجديد.

ويؤكد المركز الدولي لعلوم الأرض الإفريقي (IGCP) أن الصدع الأفريقي الشرقي يقسم القارة فعليا إلى فرعين: الفرع الشرقي الذي يمر عبر إثيوبيا وكينيا وتنزانيا، والفرع الغربي الذي يمتد على طول أوغندا ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. 

وعلى امتداد هذه الفوالق تنتشر براكين نشطة مثل "إيرتا إلي" في إثيوبيا و"أول دوينيو لينغاي" في تنزانيا، إلى جانب بحيرات عميقة مثل فيكتوريا وتنغانيقا ومالاوي، التي تعد من أقدم النظم البيئية على وجه الأرض.

اظهار أخبار متعلقة


فوائد وتحديات
رغم المخاطر الزلزالية والبركانية، يرى خبراء هيئة المسح الجيولوجي الكينية (KGS) أن مناطق الصدع تمثل ثروة طبيعية هائلة، إذ تحتوي على موارد من المعادن والطاقة الحرارية الجوفية، ما يجعلها هدفا للاستثمار في الطاقة المتجددة. كما أنها موطن لتنوع بيولوجي فريد يربط بين بيئات جبلية واستوائية نادرة.

لكن من جانب آخر، تحذر تقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) من أن النشاط التكتوني في شرق أفريقيا يشكل تحديات مستمرة للتخطيط العمراني والزراعة، خاصة في المناطق القريبة من البراكين والصدوع النشطة.

المستقبل البعيد
يؤكد العلماء في هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية وناسا أن الانقسام الجيولوجي في أفريقيا حقيقي، لكنه يجري ببطء شديد، ولن يكون محسوسا في عمر الإنسان. ومع ذلك، فإن التغيرات المرصودة اليوم تمثل "لقطة أولى" من مشهد ميلاد قارة جديدة قد تعرف مستقبلا باسم "القارة الصومالية".

وبعد هذه العلومات فإن السؤال "هل تنقسم أفريقيا فعلا؟" يمكن تلخيصه بإجابة واحدة وهي نعم، لكنها ما زالت في طور المخاض الجيولوجي الذي سيعيد رسم خريطة العالم بعد عشرات الملايين من السنين.



شارك
التعليقات