بالفيديو 🎥 | "الخبازة".. مهنة نسائية ضاربة في جذور التاريخ المصري تواجه الاندثار

Capture
عربي لايت
  • محمد السهيلي
  • الثلاثاء، 19-10-2021
  • 07:56 م
لم تكن الفتاة في مصر قبل نحو 20 عاما لتتزوج إلا بعد أن تتعلم مهنة خبيز "العيش" (الخبز) الفلاحي بأنواعه وأشكاله واستخداماته وطرق "تسويته" (صناعته) من "الخامر" الذي يجرى خبزه كل أسبوعين، إلى "الماوي" أو "الرحالي"، الذي يعد لأجل وجبة اللحوم أو الدجاج مرة أسبوعيا.

ومهما بلغت الفتاة الريفية من التعليم المتوسط والجامعي كان لزاما عليها تعلم الخبيز والجلوس أمام نيران الفرن الفلاحي، واستخدام الحطب "الشامي"، وأعواد "القطن"، و"الجلة الجافة"، و"المجرفة"، "والقعبة" و"المطرحة" و"السيخ" و"المشنة" وكلها أدوات لا غنى عنها لخبز العيش الفلاحي.

اظهار أخبار متعلقة



ودائما ما كانت النساء الخبيرات في الخبيز ذوات حظوة وتقدير عند رب الأسرة وعند الزوج والحماة، وكانت مطلوبة عن قريناتها للزواج في سن صغير، أما تلك التي لا تُجيد تلك المهمة فكان يُنظر لها أنها "خائبة الرجاء" وتزدريها حماتها، ويبقى دورها في الخبيز هو "التقريص" أو تقطيع الخبز للخبازة ووضعه على "المطرحة".

 "أدوات الخبيز"

و"الحطب الشامي" هو أعواد الذرة الجافة التي كان يخزنها الفلاح فوق سطح بيته ليحميه من مطر الشتاء ويستخدمه في طهي الطعام والخبيز طوال العام.

أما "الجلة الجافة" فهي روث البهائم التي يجري تجفيفها فوق الأسطح القديمة وفي "الأجران" أو الساحات واستخدامها في الطهي والخبيز أيضا.



 وتستخدم "المجرفة" لتهيئة نيران الفرن ونزع الرماد من الفتحة التي يوضع بها الحطب، فيما توضع بعض المياه في "القعبة" لرشها على الحطب لتهدئة النار وداخل الفرن لتنظيفه من الرماد.

اظهار أخبار متعلقة



أما "المطرحة" فهي قطعة من الخشب دائرية الشكل تنتهي إحدى أطرافها إلى يد خشبية طولها نحو 25 سم تمسكها الخبازة بيدها اليمنى، وترفع باليسرى المطرحة ليرتفع رغيف الخبز لأعلى وينزل مفرودا.

ثم تلقي الخبازة بالرغيف بعد رفعه لأعلى عدة مرات داخل الفرن على "العرسة" المصنوعة من الفخار أو الأسمنت والتي يسوى الخبز عليها ويوجد تحتها الوقود أو الحطب المحترق.

و"السيخ" قطعة من الحديد معطوف المؤخرة، ومدببة مقدمته لرفع العيش من فوق "العرسة" بعد تسويته ثم وضعه على "المشنة" التي يفرد عليها الخبز والتي تحافظ عليه مفرودا لاستخدامه لشهر وأكثر.

"مهنة الخبازة"

ومع تطور الحياة في مصر وانتشار الأفران الحكومية والخاصة في المدن والريف المصري التي تصرف الخبز المدعم بدأ تعلم الخبيز يتقلص شيئا فشيئا.

لذلك تحول الخبيز إلى مهنة لبعض النساء الفقيرات، تتكسب منه رزقها طوال العام في مواسم عديدة في شهر رمضان، وعيد الفطر، والأضحى، والمواسم الدينية، مثل يوم عاشوراء، ومولد النبي، وقدوم شهر رجب، والتي يخبز فيها الريفيون فرحا بهذه المناسبات.

 إلا أن هناك عادة مصرية مازالت تتمسك بها نساء الريف جعلت من الخبازة مهنة مطلوبة في زمن تغير فيه الريف المصري إلى عالم التكنولوجيا.

تلك العادة في الأفراح المصرية هي تقديم الخبز قبل يوم العُرس في موكب يسمى بـ"العشاء" الذي يصنعه أهل العروسة ويقدمونه لبيت العريس، الذين يقومون بدورهم بتوزيعه على جيرانهم وسط زغاريد وغناء شعبي.

"عمود العروسة"

وتقول الخبازة الشهيرة أم حنان، بإحدى قرى الشرقية، إن هذه أصبحت مهنتها التي تكسب منها رزقها وتتمنى أن تكون السنة كلها أفراح كي تخبز للعروسة، ومواسم دينية كي تخبز للأهالي.

وتوضح لـ"عربي21 لايت"، أنها تخبز "عمود عيش العروسة بـ150 جنيها (10 دولار) في 3 ساعات وأنه يأخذ منها مجهودا كبيرا، لأنه أكبر من الذي تخبزه للأهالي ويستغرق ساعتين وبمقابل 60 جنيها (3.82 دولار) فقط، والذي يعد أقل من عمود عيش المواسم الدينية الذي تنال عنه 100 جنيه أجرا (6.36 دولار) ".



وتبين أنه "زمان كان الحطب والأفران كثيرة، أما الآن فلا توجد أفران والحبوب ارتفع ثمنها، وحركة الخبيز قلت كثيرا، حيث كانت كل أسرة تخبز كل 15 يوما عمودين عيش، أما الآن يشترون الخبز الجاهز، ولا يلجأون للفلاحي إلا في المواسم والأعياد والأفراح".

اظهار أخبار متعلقة



وتوضح أنه "زمان كان لازما أن يخبز الكل ومن لا يعرف يساعده جيرانه، والآن الخبيز بـ(الفلوس)،

ومن كانت تخبز "يقولوا عليها شاطرة وتتزوج سريعا، ومن لا تخبز لا تتزوج، والآن قليل من البنات يتعلم المهنة التي انقرضت".

وتشير إلى أن "رغيف العيش الفلاحي أفضل بكثير لأنه يجري نخل الدقيق وله طعم أجمل، ومهما تكلف من مال فهو غير الخبز الحكومي".

ومن إحدى مواكب العشاء، أعدت أسرة أحمد دنيا عمودين من العيش الفلاحي يصل ارتفاع كل منها لأكثر من 120 سم ليتم وضعهما على إحدى السيارات التي تحمل "عزال" العروسة (فرشها ومتاعها) والطعام المهدى من أسرتها إلى العريس.

اظهار أخبار متعلقة



وتقول روحية زوجة عم العروسة، هذه عاداتنا التي نلتزم بها بتقديم العيش للعريس، موضحة أن الخبيز يمثل فرحة كبيرة حيث تتجمع النساء لتساعد الخبازة، ثم يتجمعن لحمل الخبز وتوصيله لأسرة العريس.

الحاجة أم محسن، تؤكد أن مهنة الخبازة انقرضت وأصبح هناك من تمتهنها وتعيش على الدخل اليومي منها، وهو ما يخالف أوضاع زمان التي كانت الفتاة لا تتزوج إلا إذا كانت "شاطرة" في الخبيز أو "باتعة" كما يقول الفلاحون.

وتوضح أن صناعة الخبز تبدأ من الحقل بعد جني محصول القمح والذرة، ثم طحن الحبوب في "الطاحونة"، أو "مكنة الطحين" الموجود منها في كل قرية الآن على الأقل واحدة بينما كانت منذ سنوات 3 و4 طواحين.

وتتابع: يُطحن الدقيق ثم يوضع بمكان نظيف في البيت حيث يجري نخله بمناخل مخصصة ثم نأخذ منه على قدر العجين المطلوب.

وصناعة الخبز في مصر تعود لنحو 5800 عام، وكشفت الرسوم والنقوش التي تركها المصري القديم على المعابد والمقابر طريقة متقاربة كثيرا مع صناعة الخبز في الريف وصعيد مصر، حيث ينخل الدقيق ويعجن ثم يجري خبزه، بأفران من الطوب الطيني.
شارك
التعليقات