لا يزال التطور التكنولوجي، والآلات الحديثة، تطارد الجميع في كل مناحي الحياة، وليس الفلاح المصري استثناء من القاعدة، إذا بدأ التطور يلاحق مهنة الزراعة هناك.
"الطبلية" آلة زراعية ظلت عقودا طويلة هي الوسيلة الأهم عند الفلاح المصري لري ملايين الأفدنة الزراعية في دلتا نهر النيل، لكنها اختفت منذ سنوات وحل محلها آلات أحدث.
اظهار أخبار متعلقة
"عربي لايت"، زارت إحدى قرى دلتا النيل ورصدت ما تبقى من إحدى "الطبالي"، ليجدها عبارة عن قطعة من الصاج أكلها الصدأ وتحطمت فتحاتها، وأغلقت فوهتها بالتراب؛ ومع ذلك بقيت صامدة فوق بئرها لتظل شاهدة على تاريخ طويل من العمل في خدمة الفلاح وري الأرض المصرية.
كما رصدت كاميرا "عربي لايت"، عددا من الآلات الزراعية الحالية والبديلة عن الآلات التي اندثرت ولم يعد لها أثرا في الحقل المصري.
ذكريات لا تنسى
لكن ومع ذلك، لا يكاد يغيب منظر "الطبلية" الذي طالما كان يلمع في ضوء الشمس نهارا ويتلألأ في ضوء القمر ليلا، عن ذاكرة الحاج أحمد حمام، الرجل السبعيني الذي انقطعت صلته بالأرض والزراعة قبل سنوات بسبب الشيخوخة، ولم يبق له منها إلا الذكريات.
يقول: لم تكن الطبلية لتعمل دون أن يدور حولها وتدور معه حمارا أو جاموسة أو بقرة أو جملا، كي تجلب فتحاتها الماء من بئر عميق موصول بالترعة أو أفرع وقنوات نهر النيل، ثم تلقي به إلى مجرى متصل بالقنوات و"الأفحل" التي تنقل بدورها المياه لمسافات إلى الأرض لتروي الزرع.
ويضيف لـ"عربي لايت"، شهدنا مع الطبيلة أجمل سنوات العمر وأصعبها في ذات الوقت، إذ كنا نظل نروي الزرع طوال الليل ومن شدة التعب كانت أرضها ملاذنا نجلس بالقرب منها لنأكل ونشرب الشاي بل وننام أيضا.
ويتابع: "لكنها كانت منهكة للحيوانات، ولذا كنا نغطي وجهها كي لا ترى أو تشعر بالدوار بقطعة قماش أو شيء من خوص النخيل تسمي "الغُماء"، فيما كان يدور خلف الحيوان طفل صغير أو سيدة بعصا حتى لا يتوقف وبالتالي تتوقف المياه.
اظهار أخبار متعلقة
ويؤكد أن الطبيلة كانت راحة كبيرة، يقابلها جهد كبير مع استخدام آلة "الطنبور"، الذي كانوا يستخدمونه مع نضوب المياه من الترع والمساقي، وكان يتطلب أن تظل الأرجل في المياه لأكثر من 12 ساعة رغم البرد القاسي والليل المظلم، وتظل الأيدي ممسكة به لتدويره ليحمل مياه قليلة.
وانتهى زمن "الطنبور" وعصر "الطبيلة" بفعل ظهور آلات أحدث مثل ماكينات الري، ومع اختفاء أغلبها بفعل الصدأ وعوامل التعرية، ظل بعضها باقيا وسط الأراضي وعلى حواف الترع شاهدا على تاريخ طويل من آلة كانت هي الأحدث يوما ما، والأفضل والأحب لدى الفلاح.
حنين للطنبور
يقول الفلاح رضا (58 عاما) إن الآلات الزراعية التي اندثرت كثيرة لا ننساها نتذكرها دائمان مثل "الطنبور"، و"الطبلية" وهما للري، و"المحراث اليدوي" لحرث الأرض وشق قنوات بها، والزحافة لتسوية الأرض قبل وبعد الزراعة، والنورج وماكينة الدراوة لدرس وتنقية القمح والأرز وفصلهما عن الشوائب، والمدراه لرفع التبن ومخلفات القمح والأرز وتعبئتها.
ويلفت في حديثه لـ"عربي لايت"، إلى أنه رأى "طنبورا" قديما عند أحد الأهالي، فظل ينظر إليه ويتذكر أياما وليالي قضاها مع والده وجده في تدوير الطنبور لري الأرض وكم كان يمثل لهم تعبا لا حد له، ولكن أقل بكثير من الدوران خلف الحيوانات التي تدور حول "الطبلية".
ويوضح أن "الطبلية" كانت تعمل بمساعدة البهائم، والفقير يستخدم الحمار، ومتوسط الحال يستخدم الجاموسة والبقرة، والغني يستخدم الجمل والثور والبغل والحصان، ويشير إلى أنها كانت تعمل باستخدام قطعتين من جذوع الأشجار لا تقل كل منها عن 3 أمتار وهما "الناف" و"الأونافة".
اظهار أخبار متعلقة
ويضيف أنها كانت صناعة مصرية أصيلة يقوم بها الحداد، والبراد، والخراط، وكانت تدور على عدة تروس كبيرة من الحديد، ولها قطعة أخرى من الحديد تسمى "الطمبوشة" لها فتحتان يجري تركيبها فوق عمود موضوع فوق الترس الأكبر ويوضع بها "الناف" و"الأونافة".
ويوضح أنه يتم وضع "الناف" على رأس الحيوان ويربط جيدا و"الأونافة" خلفه وترط في "الناف" بحبل قوي يجبر الحيوان على عدم الخروج من مدار الطبلية.
ويتابع: الحيوان يتحرك وفوقه "الناف" وخلفه "الأونافة" فتُحرك "الطمبوشة" عمود الطبلية ومعه الترس الكبير ثم الترسين الآخرين لتتحرك بتتابع فتحات الطبلية الثلاثة إلى أسفل البئر وتحمل المياه ثم ترتفع متتابعة لأعلى لتفرغ ما بفتحاتها الثلاثة، في المروى أو الفحل.