لا تكاد تخلو قرية مصرية من أضرحة ومقامات ما يطلق عليهم المصريون "أولياء الله الصالحين" أو "أقطاب الطرق الصوفية" الذين يعتقد بعض الريفيين من المتصوفة ببركتهم، وينسجون قصصا من الخيال أحيانا عن كراماتهم وبطولاتهم وأعمالهم الخارقة، يتناقلونها جيلا بعد جيل.
كثير من تلك الأضرحة يرجع تاريخه إلى مئات السنين، وتعد بعضها تحفا معمارية تمثل حقبا مزدهرة من تاريخ الفن والعمارة الإسلامية (الفاطمية والمملوكية والعثمانية)، فيما تنطبق على أغلبها سمات المباني الأثرية والتي مر عليها أكثر من قرن من الزمان، أو التراثية الأقل عمرا من ذلك.
وفي الوقت الذي توقف فيه المصريون منذ عقود عن بناء تلك الأضرحة والمقامات؛ طالت يد الإهمال أغلب تلك المباني وخاصة في ريف مصر وصعيدها؛ بعدما فقدت قيمتها وتأثيرها والاهتمام بها مع تغير أفكار وعادات واعتقادات المصريين اليوم بشأن قضية الإيمان ببركة وكرامات الأولياء والصالحين.
وعلى الجانب الآخر، تعرضت مئات الأضرحة للهدم ونقل رفات من بها من أجساد "الأولياء" و"الصالحين"، لتطوير بعض الطرق والمحاور، أو لتوسعة بعض المساجد الملاصقة لتلك الأضرحة أو التي كانت تدخل في ساحاتها.
"مقامات الصالحين"
يقول الشيخ توفيق، خادم ضريح الشيخ متولي الشربيني: "في قريتنا ميت سهيل، مركز منيا القمح، محافظة الشرقية (شرق الدلتا)، ثلاثة مقامات لأولياء نعتبرهم من الصالحين، الأقدم منها للشيخ (شهاب الدين)، في ناحية (السراوية)، وكان مبني بالطوب اللبن وقبته من الطين، و قبل نحو 25 عاما تم تجديد القبة وبناءها بالأسمنت".
ويضيف لـ"عربي لايت": "أما المقام الأكبر والأهم والأفضل معماريا هو مقام عائلة الشربيني، الذي بُني بداية القرن الـ20، وكان بالطوب الأحمر والطين والجير، وقبته كذلك أيضا، حتى تجديده عام (1392 هـ 1972 م)، ليبنى بالطوب الأحمر والأسمنت المسلح، والقباب من الخرسانة، ليمثل تحفة معمارية".
ويتابع: "أما المقام الثالث، فهو للشيخ أبو العينين ونجله الشيخ رشاد، وهو مجاور لمقابر القرية، ومبني من الطوب الأحمر والأسمنت، وله قبة صغيرة أنيقة لكن ليست كقباب الشيخ متولي الشربيني".
"الشربيني والوحش"
ويحكي الشيخ توفيق عن بعض كرامات عائلة الشربيني، كما تناقلها الأجداد، ويوضح أن "الشيخ متولي الشربيني، بلده الأصلية مدينة شربين بمحافظة الدقهلية (وسط الدلتا)، وأنه نزل إلى مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية".
ويواصل: "كان انتقال الشيخ متولي الشربيني إلى مدينة بلبيس هي الأهم في حياته، إذ أنه نزل في ضيافة الشيخ (المنسي) وأخذ منه (العهد) الصوفي، وللشيخ المنسي مسجدا يحمل اسمه بمنطقة القيسارية في بلبيس".
ويحكي أنه "كان هناك حيوان مفترس يحفر قبور الموتى المبنية من الطين ويلتهم أجسادهم في بلبيس، فارتعب الناس وذهبوا للشيخ المنسي، الذي عهد إلى الشيخ متولي الشربيني والشيخ (أبو العزم) -من مريديه- بحل المشكلة".
"فذهب الشربيني وأبو العزم بأمر من المنسي، إلى مقابر بلبيس حيث الوحش، وأمسك أبو العزم برأسه يجره بشاله الأبيض، وركب متولي الشربيني فوق ظهره وطافوا به شوارع بلبيس، حتى انتهى روع الأهالي"، يضيف الشيخ توفيق.
ويؤكد أنه بعد هذه الواقعة أمر الشيخ المنسي، مريده وتابعه الشيخ أبو العزم بالذهاب إلى قرية تسمى (الجوسق) تابعة لمركز بلبيس بمحافظة الشرقية، لنشر التصوف وإعطاء العهود للمريدين".
"100 مسجد وضريح أثري"
"ولكنه في المقابل أمر الشيخ متولي الشربيني، ببناء المساجد وإعمارها، والنتيجة أن الشربيني بنى في حياته 100 مسجدا حملت بعضها اسمه، ويعد أقدمها مسجده الذي يحمل اسمه بقرية ميت سهيل، وبجوار المسجد ضريحه الشهير، والذي يعد من المباني التاريخية".
اظهار أخبار متعلقة
ويشير إلى أن "هذا الضريح دُفن فيه الشيخ متولى الشربيني أسفل القبة الكبيرة، ودفن من بعده نجله محمود أسفل القبة الصغيرة، كما دفن الحفيد الشيخ محمد محمود متولي الشربيني بجوار جده في المقصورة الكبيرة".
ويلفت إلى أن "الحفيد الشيخ محمد محمود متولي الشربيني عندما مات والده الشيخ محمود، بنى مقاما أعلى من مقام جده وبجواره لدفن أبيه، فجاءه جده متولي الشربيني في المنام غاضبا وأمره بتعلية ضريحه".
"فما كان من الشيخ محمد، إلا أن باع أرض يمتلكها وهدم المقامين القديمين وبناهمها بهذا الشكل الهندسي البديع وجلب لهما أمهر الصناع في زمانه"، يؤكد الشيخ توفيق.
ويوضح أن "للشيخ الأخير سليل عائلة الشربيني، الشيخ محمد، كرامة وموقف شاهدناه ونحن صغار، إذ أنه وبعد دفنه بثلاثة أعوام في مقابر القرية، جاء في المنام لعدد كبير من الناس يطلب دفنه بجوار جده الشيخ متولي الشربيني".
ويروي أنه كان مشهدا رائعا عندما لبت الحكومة المصرية طلب الأهالي وحضرت قوات غفيرة لم تشهدها القرية في تاريخها في سبعينيات القرن الماضي لنقل رفات الشيخ محمد باني المقامات الحديثة إلى جوار جده".
وعن الشيخ شهاب يقول الشيخ توفيق: "في تسعينيات القرن الماضي حاول الأهالي هدم الضريح لبناء مضيفة خاصة بناحية السراوية، ولكن عند الهدم أُصيب بعض العمال إصابات خطيرة، إلا أن الأهالي تجمعوا عند مقام الشيخ وأخبروه بأنهم سيجددون مقامه ويبنون له مقاما أجمل، فجرى الهدم وتم البناء الجديد بلا أزمات".
اظهار أخبار متعلقة
ويوضح الشيخ توفيق، أن "تلك عهود مضت وأزمان انقضت؛ فلم يعد هناك من يبني مقامات أو أضرحة جديدة، فقط يجري بعض التجديد على مضض وبصعوبة شديدة".
ويلفت إلى أن "الصالحين والأولياء في هذا الزمان لا يطلبون أن تُبنى لهم مقامات، ومن يموت من الذين نعتبرهم من الصالحين يُفضل أن يُدفن في مقابر عامة المسلمين".