نشر موقع "إنترستينغ إنجنيرنغ" الأمريكي تقريرا استعرض فيه أبرز أفكار العلماء حول طريقة تحويل كوكب الزهرة إلى بيئة مشابهة للأرض وجعله مكانا صالحا للعيش.
وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن العلماء يحاولون منذ فترة طويلة البحث عن كواكب صالحة للعيش خارج الأرض، ويعتقدون أن كوكب الزهرة -المعروف بـ"شقيق الأرض"- قد يكون الأنسب لذلك.
ورغم أن الظروف على كوكب الزهرة تعتبر قاسية نسبيا، إلا أنه يُعتبر الكوكب الأقرب في خصائصه إلى الأرض، ويمكن حسب العلماء العيش فيه يوما ما، بشرط استخدام الموارد المناسبة وتطوير معرفتنا بهذا الكوكب.
كوكب الزهرة الجميل
على امتداد أجيال، فُتن البشر بجمال كوكب الزهرة ولمعانه، ونظرا لأنه يختفي لعدة أيام ثم يظهر بعد ذلك على الجانب الآخر من الشمس، فقد كان يُعتقد قديما أن هناك نجمين مختلفين، "نجمة الصباح" و"نجمة المساء".
أدرك علماء الفلك القدماء لاحقا أن "النجمين" كانا في الواقع نجما واحدا، وعلى مدى أجيال وقرون، نُسجت القصص والأساطير والخرافات حول هذا الكوكب.
اعتقد الكثير من القدماء مختلف أنحاء العالم، أن الزهرة يمثل آلهة الخصوبة والولادة والحب والشهوة. وعندما ظهر علم الفلك كعلم حديث، برزت نظريات وأفكار جديدة. وحتى القرن العشرين، كان يُعتقد أن طبقة الغيوم الغامضة في كوكب الزهرة عبارة عن غيوم مطيرة، مما أدى إلى ظهور فكرة أن سطح كوكب الزهرة مغطى بالمحيطات.
اظهار أخبار متعلقة
وحتى الستينات، كانت هناك تكهنات بأنه يمكن العيش وإنشاء حضارة على كوكب الزهرة، بيد أن هذه الآمال تبددت عندما تم إرسال أول مسبار فضائي إلى الزهرة لجمع معلومات حول غلافه الجوي وسطحه. بفضل هذه البعثات، اكتشفنا الحقيقة المروعة حول الزهرة.
يعتبر كوكب الزهرة من أكثر الكواكب سخونة في النظام الشمسي، حيث تظل درجات الحرارة على سطحه ثابتة عند 464 درجة مئوية، وهي درجة كافية لإذابة الرصاص.
بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الضغط الجوي في كوكب الزهرة كثيفا بحوالي 92 ضعف الضغط الجوي على كوكب الأرض، وهي درجة مميتة لأي إنسان قد تطأ قدمه سطح الكوكب. كما أن الهواء في الزهرة سام ويتكون في الغالب من ثاني أكسيد الكربون بنسبة 96.5 بالمئة، ناهيك عن الغازات النزرة الأخرى.
مع ذلك، هناك بعض المعطيات التي تجعل كوكب الزهرة جذابا كموطن محتمل للبشرية. بالمقارنة مع الكواكب الأخرى، تبلغ قوة الجاذبية على سطح الكوكب 8.87 قدم/ ث²، أي ما يزيد قليلا عن 90 بالمئة من جاذبية الأرض.
اظهار أخبار متعلقة
هذا يعني أن أسوأ تأثيرات العيش خارج الأرض، التي تشمل ضمور العضلات وفقدان كثافة العظام وتقلص وظائف الأعضاء، لن تشكل معضلة بالنسبة للبشر على ظهر الزهرة. فمن خلال اتباع نظام تمارين رياضية وبعض التدخلات الطبية البسيطة، ستكون الحياة على كوكب الزهرة أقرب ما يكون إلى الحياة على كوكب الأرض.
مدن في الغيوم
تخلق الطبيعة عالية الكثافة للغلاف الجوي على كوكب الزهرة بعض الفرص الفريدة للعيش. فعلى ارتفاع أعلى بقليل من 31 ميلا فوق سطح الكوكب، يبلغ ضغط الغلاف الجوي لكوكب الزهرة حوالي 100 كيلو باسكال، وهو أقل قليلا من الضغط الجوي على كوكب الأرض عند مستوى سطح البحر (101.325 كيلو باسكال)، بالإضافة إلى درجات الحرارة المنخفضة التي تصل إلى 30 درجة مئوية.
يحمي هذا الغلاف الجوي كوكب الزهرة من الإشعاعات الكونية، على غرار الطريقة التي يحمي بها الغلاف الجوي للأرض الحياة على سطحها. لهذا السبب، كانت هناك تكهنات منذ سبعينات القرن الماضي بأن البشر يمكن أن يقيموا مستوطنات في الغلاف الجوي لكوكب الزهرة.
تبريد الكوكب
هناك العديد من الطرق التي يمكن اتباعها لإعادة تأهيل كوكب الزهرة ليصبح صالحا للعيش، أي تغيير البيئة لتصبح أشبه بالأرض. يتطلب ذلك أربعة تغييرات رئيسية هي:
تبريد الغلاف الجوي للكوكب
خفض كثافة الغلاف الجوي
تحويل الغلاف الجوي إلى نيتروجين/ أكسجين
تغيير سرعة دوران الكوكب إلى 24 ساعة/ يوم
كل خطوة من هذه الخطوات تعتبر مكملة بطريقة ما للخطوات الثلاث الأخرى. وبما أن الزهرة تمتص ضعف كمية ضوء الشمس التي تمتصها الأرض، يُعتقد أن الشمس لعبت دورا رئيسيا في ظاهرة الاحتباس الحراري التي جعلت الكوكب يصبح ما هو عليه اليوم.
ومن الأساليب المقترحة لتبريد الكوكب، ما يُعرف بـ"الظلال الشمسية"، أي وضع عاكسات شمسية في الغلاف الجوي للزهرة لعكس الاشعاع الشمسي في الفضاء. وقد اقترح المهندس بوكالة الفضاء الأمريكية ناسا، جيفري لانديس، أن تعمل الأجهزة الجوية كدروع شمسية ومحطات معالجة.
اظهار أخبار متعلقة
يمكن للظلال تبريد الغلاف الجوي تدريجيا إلى درجة تجمد الغيوم الكثيفة من ثاني أكسيد الكربون وتشكيل جليد جاف يمكن نقله أو دفنه أو عزله، وسيكون له فائدة إضافية تتمثل في تقليل الضغط الجوي، كما أن هناك طريقة أخرى تتضمن تحويل الغلاف الجوي كيميائيا بطريقة تدعم استقرار البشر على الزهرة.
المطر الطويل
قدم الفلكي الأمريكي كارل ساغان أول اقتراح لاستصلاح كوكب الزهرة في ورقته البحثية التي نشرها سنة 1961 بعنوان "كوكب الزهرة"، مشيرًا إلى أنه يمكن إدخال البكتيريا الزرقاء المهندسة وراثيًا إلى الغلاف الجوي للزهرة لتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى جزيئات عضوية، لكن بسبب اكتشاف سُحب حمض الكبريتيك، تبين أن هذه الفكرة غير قابلة للتطبيق على الزهرة.
تبع ذلك اقتراح العالم البريطاني بول بيرش قصفَ الغلاف الجوي لكوكب الزهرة بهباء الهيدروجين والحديد، والذي من شأنه أن ينتج كيميائيًا كميات هائلة من الماء، ويؤدي إلى إطلاق "المطر الطويل" الذي سوف يغطي في النهاية 80 بالمئة من الكوكب، وينتج كميات كبيرة من الجرافيت (الكربون المتبلور).
اظهار أخبار متعلقة
أما الغلاف الجوي المتبقي -الذي قدر بيرش أن ضغطه سيبلغ نحو 3 بار (3 أضعاف ضغط الأرض) - فإنه سيتكون أساسًا من النيتروجين الذي يمكن أن يعمل كغاز عازل.
واقترح مارك بولوك وديفيد غرينسبون (من جامعة كولورادو في بولدر) في بحث نُشر عام 1996 بعنوان "استقرار المناخ على كوكب الزهرة"، قصف كوكب الزهرة بالكالسيوم المكرر والمغنيسيوم لتكوين الكربونات، ويمكن عزل هذه الكربونات لتصبح يومًا ما جزءًا من دورة الكربون على الكوكب.
الليل والنهار
من الوسائل الفعالة الأخرى لإعادة تأهيل الزهرة تغيير سرعة دورانه. في الوقت الحاضر، يدور كوكب الزهرة مرة واحدة على محوره كل 243 يومًا، وعلى هذا النحو يمر الكوكب بأيام وليال طويلة للغاية، وهو ما سيكون صعبا على البشر والنباتات والحيوانات.
على مر السنين، تم اقتراح العديد من الحلول لكيفية تسريع فترة دوران كوكب الزهرة، أو كيفية محاكاة دوران الأرض. واقترح بيرش إنشاء نظام من المرايا الشمسية المدارية لمحاكاة دورة نهارية / ليلية مدتها 24 ساعة.
اظهار أخبار متعلقة
وطُرحت مقترحات أخرى لتسريع دوران الزهرة، منها ضرب سطح الكوكب بالنيازك أو التحليق بأجسام ضخمة قريبا من الكوكب لضربه وعكس دورانه، مما يؤدي في النهاية إلى تسريع الفترة المدارية إلى 24 ساعة.
ويختم الموقع بأن كل هذه الخطوات، سواء تخفيف كثافة الغلاف الجوي للزهرة أو تغيير تركيبته، أو تبريد الكوكب، أو تسريع دورانه، تكمّل بعضها البعض وقد تؤدي في النهاية إلى تحويل كوكب الزهرة إلى بيئة شبيهة بالأرض.