أمينة وحسنية وسعدية وغيرهن كثيرات لا يهم هنا اسمهن، ولكن الأهم هو حالتهن تلك وهن يجلسن على الأرض في برد كانون الأول/ ديسمبر، وأمام كل واحدة منهن "شيكارة" من البلاستيك بها الجرجير والشبت والكزبرة والبقدونس والكرث والسلق والسبانخ وغيرها من خضروات طين أرض مصر المروية بماء نهر النيل، تحكي كل واحدة منهن قصة كفاح.
تلتحف كل منهن بشال ثقيل، ولا يشغلهن برد قارس أو طين أو مطر أو رياح محملة بالأتربة، وكل ما يُشغلهن هو مراقبة المارة والابتسام في وجههم لعل أحدهم يشتري بعض الخضار، في صفقة لا تعدى 5 جنيهات ولا تخلو من مناكفة حول السعر ونوع الخضار وعددها.
اظهار أخبار متعلقة
وطافت "عربي21 لايت" منطقة تجمع بائعات الخضار بمدينة منيا القمح، لتكتشف أن أغلبهن يأتين من خارج المدينة ليلا، للحصول على الخضار من تجار الجملة، ولتروي كل واحدة منهن قصة كفاح وبطولة وعائلة تعولها أو زوج تزوج عليها أو طلقها أو عاجز تنفق عليه.
إحدى بائعات الخضار، اللاتي تعدت الـ55 عاما ومازالت علامات الصبا والجمال بادية على وجهها، أكدت لـ"عربي21 لايت"، أن زوجها تزوج عليها، وترك لها 4 أبناء قامت هي على تربيتهم وتعليم فتاتها الوحيدة بينهم، ونجحت في تزويجهم، من بيع الخضار لنحو 25 عاما.
السيدة رفضت اتهام زوجها بالتقصير حرصا على مشاعر أبنائها، وأكدت أنها تصل من عزبتها الصغيرة قرب منيا القمح قبل الفجر للحصول على الخضار وبيعه، مشيرة لمساعدة أصحاب المحال لها وعدم نهرها أو طردها من مكان فرشها.
وأعربت السيدة عن أملها في الحصول على معاش يعوضها عند الكبر وفي يوم تتوقع فيه ألا تستطيع فعل ما فعلته على مدار ربع قرن، وفي ظل صعوبة الحياة على أبنائها الذين يبنون حياتهم بدعم منها.
اظهار أخبار متعلقة
سيدة أخرى، تعدت الستين من عمرها، ورغم ما بها من ألم وما عاشته من صعاب إلا أن ابتسامتها البادية على وجهها والتي تعودت أن تبديها للزبائن، كادت توحي بغير ذلك.
قالت لـ"عربي لايت"، طلقني زوجي وأنا في سن الـ35 تاركا لي مسؤولية 3 أبناء ربيتهم من بيع الخضار، ولم أنتظر منه أو من غيره أن يصرف عليهم، مشيرة إلى أنه لكل سيدة في سوق الخضار قصة كفاح مؤلمة.
وأكدت أنها تحضر لهذا المكان كل ليلة الساعة 12 ليلا هي وقريناتها للحصول على الخضار، وبيعه لقاء مكسب زهيد لا يناسب تكاليف الحياة، معلنة حصولها على مبلغ 300 جنيه من مبادرة "حياة كريمة"، ولكن في المقابل تدفع فواتير كهرباء ومياه وغاز أضعاف ذلك المبلغ.
بائعات خضار أخريات تحدثن عن دورهن في مساعدة أزواجهن الذي لا يعلمون لعدم قدرتهم، أو الذين يعملون لقاء أجر زهيد لا يكفي تكاليف الحياة، أو الذين يعانون من الأمراض المزمنة، وتصرف عليهم من بيع الخضار.
كما حكت بعضهن عن قصة كفاحها في تجهيز أبنائها وتزويج بناتها في ظل الغلاء ومن المكسب القليل الذي يحققنه من بيع الخضار، الذي أخذ منهن أغلب عمرهن.
اظهار أخبار متعلقة
ويبقى سوق الخضار في كل قرية ومدينة مصرية حاضنا للآلاف من قصص الشقاء والكفاح لسيدات مصريات أتعبهتن الحاجة والعوز، أو قهرهن رجال لا يقدرون قيمة الحياة الزوجية ، أو أهملتهن الدولة، ونسيهم الأغنياء في سباق الحصول على الثروة.