وعلى غير العادة في شتاء كل عام، تشهد مصر منذ مطلع كانون الثاني/ يناير الجاري، موجة برد قطبية متأثرة برياح قادمة من مناطق شرق أوروبا، اختفت معها شمس شتاء مصر الدافئ، إذ بلغت درجات الحرارة في بعض المناطق 5 درجات، وفي مناطق بسيناء تحت الصفر.
هيئة الأرصاد الجوية المصرية في بيانها اليومي أوضحت أن تأثير المنخفض الجوي القادم من شرق أوروبا على سطح البحر المتوسط على مصر يتمثل في استقبال الرياح والكتل الهوائية الباردة، ما يؤثر على انخفاض درجات الحرارة، والشعور الملموس في ساعات النهار، لتزداد البرودة ليلا.
اظهار أخبار متعلقة
ولفتت الهيئة إلى أن انخفاض الحرارة يشمل السواحل الشمالية، والوجه البحري، وشمال الصعيد، وأن انخفاض درجات الحرارة الشديد يؤدي لتساقط حبات البرد على سيناء وسانت كاترين، مع زيادة الإحساس الملموس بالبرودة الشديدة التي تصل حد الصقيع.
ولهذا فإن المصريين وجدوا أنفسهم محاطون بالصقيع ولفح البرد القارس والسحب الممطرة والأجواء الأوروبية التي وصلت حد سقوط الثلوج، في مشهد لم يألفونه ومثل لهم أزمة كبيرة.
"عربي21 لايت"، التقت بعض الشباب الذين أكدوا أنهم يعيشون أجواء شتوية غير مسبوقة، حتى أن أحدهم عبر عن مشاعره بالقول: "لم يعد لي حاجة للسفر إلى أوروبا فلقد جاءت لنا أوروبا بنفسها".
بعض الشباب الذين يعيشون في دول القارة العجوز أعربوا عن صدمتهم من أجواء الشتاء في مصر 2022، مؤكدين أنهم لم يألفوها رغم تعودهم عليها في أوروبا.
محمود ومصطفى، "18 عاما"و"22 عاما"، مقيمان في إيطاليا منذ نحو 3 سنوات، أكدا على أنهما في الأيام الأولى لزيارتهم الأهل في مصر أزعجتهم درجات الحرارة، التي دفعتهم للتكيف مع البرد مستخدمين نفس الملابس التي كانوا يستخدمونها في أوروبا.
اظهار أخبار متعلقة
مصطفى، أكد أنه كان دائما ما يركب دراجته البخارية بكل حرية في مصر، ولكن مع البرد الشديد قرر استخدام نفس الأدوات التي كان يستخدمها في إيطاليا مثل غطاء الرأس والقفازات والأحذية الخاصة بالشتاء.
وفي لقاء "عربي21"، مع بعض الطلاب خلال ذهابهم لأداء امتحانات نصف العام، أكد بعضهم أنهم يعانون كثيرة مع موجة البرد التي لم يتعرضوا لها في السنوات السابقة.
الأرزاقية وأصحاب الأعمال المتواجدون في الشوارع مع الساعات الأولى من الفجر، عبروا عن تأثرهم من موجة البرد القارس.
سيدة تفرش في إحدى الشوارع وتبيع الفول والطعمية والفلافل، قالت إنها وزوجها في الشارع من الساعة 4 فجرا للإعداد اليومي لعملها.
اظهار أخبار متعلقة
وأكدت أن "موجة البرد الحالية لم ترها في حياتها، وأنها لا تجد وزوجها طريقة للتكيف معها".
من جانبه قال الزوج، إنه "مع الساعات الأولى من الفجر يوقد على قدر الفول وبين حين وآخر يذهب إليه ليضع يديه فوق القدر حتى يحصل على بعض الدفء، لكن دون فائدة".
المهندس أحمد، أحد العاملين في مجال الفراشة الخاصة بالأفراح والمآتم والمناسبات، قال إنهم يحاولون "التأقلم بكل الطرق مع موجة البرد الحالية عبر المواقد والملابس الثقيلة، ولكن دون جدوى".
وأضاف أنه "في كل الأحوال فنحن أحسن حالا من أجدادنا، إذ تتوافر وسائل التدفئة الحديثة في المنازل، بينما كان الأجداد يعيشون في بيوت من الطين ويتأثرون بالمطر والبرد عنا بمراحل".
وفي إجابته على تساؤل "عربي21 لايت": هل تكررت موجة البرد الحالية على مصر في السنوات السابقة، أكد رئيس مركز معلومات تغير المناخ بوزارة الزراعة الدكتور محمد علي فهيم، أن "هذه الموجة تكررت خلال سنوات متقطعة عامي 2019 و2013".
وحول احتمالات دخول مصر إلى منطقة مناخ أوروبا وشمال البحر المتوسط بدلا من جنوبه، أكد الباحث المصري، أن "تغير المناخ في مصر ليس مظهرا واحدا بل له أكثر من مظهر ولا تأتي جميعها مرة واحدة أو مجتمعين".
ولفت إلى أن ذلك التغير "عبارة عن ارتفاع في درجات الحرارة في الصيف والتي تسبب مشاكل جمة، وكذلك رياح الخماسين في الربيع، وأيضا البرد القارس في الشتاء الحالي، وجميعها له آثار سلبية على الإنسان والزراعة".
ويعتقد فهيم، أنها حالة عرضية طارئة لن تغير في مناخ مصر، موضحا أن "شتاء عام 2021 كان دافئ جدا عن هذا العام، مثل أعوام 2019 و2013، في شتائه البارد".
وبين أن "كل مظاهر التغير المناخي التي كانت تتكرر كل 10 سنوات أو كل 8 سنوات مرة أصبحت تأتي تباعا ما يجعل قطاع الزراعة في مصر والبنية التحتية للبلاد لا تتحمل".
وأكد أن "مصر ليست أبدا على شفا الدخول في المناخ الأوروبي بل هي بعيدة تماما"، مضيفا: "لا أعتبر هذه الموجات الباردة مثل مناخ أوروبا الذي تتعدى درجات حرارتها تحت الصفر بكثير، ولو حدث ذلك لتدمر كل شيء، وآخرنا موجات صقيع وليس جليدا".
اظهار أخبار متعلقة
ولفت إلى أن مصر "في الصيف مثلا قد تصاب بارتفاع كبير في درجات الحرارة لعدة أيام وتشبه بذلك الطقس الخليجي، ولكن ليس كل صيف مصر يصبح بهذا الشكل".
وأكد أنه "في كل الأحوال فإن طقس مصر أفضل بكثير من بلاد الشام وشمال العراق، مثلا التي تعاني من أزمات في الزراعة بسبب موجة الثلوج والجليد".
وعن طرق تأقلم المصريين مع تلك الموجة، دعا الخبير المصري، المصريين للتأقلم بكل الطرق المتاحة، مشيرا لدور "المؤسسات والدولة والمسؤولين عن التخطيط، خاصة مع اهتمام مصر بملف المناخ".
وعن مدى ارتباط موجة البرد الحالية في مصر بانتشار فيروس كورونا وأوميكرون، طالب فهيم، "علماء الأوبئة بالعمل على إيجاد مثل تلك علاقة بين تغير المناخ والأوبئة التي تظهر بلا حل أو نفيها".