فيلم "الكيف".. وهم المزاج والاعتياد الذي يفسد الذوق 🎬

19_2018-636776258822418067-241
أرشيفية
  • أحمد مصطفى
  • الثلاثاء، 08-02-2022
  • 04:10 م
35 عاما ولا يزال فيلم "الكيف" للكاتب محمود أبو زيد، وبطولة محمود عبدالعزيز ويحيى الفخراني رقما صعبا في عدد مرات المشاهدة "المكررة"، فيلم لم ينل منه الملل، بل جدده الجيل الجديد، وحوله إلى نبع لـ"الكوميكس" و"الميمز".

فيلم يلقي فيه مدمن "الكيف" الحكم، ويرى نفسه فيلسوفا فهم الدنيا دون أن يدرسها، طالب مفصول من كلية الحقوق، يتجه إلى "الفن" و"الحشيش" وكنى نفسه "المزاجانجي".

وإن كان "جمال" صاحب كيف ومزاج، فإن شقيقه "صلاح" المتعلم والواقف على أعلى درجة من درجات الدراسة، صاحب ظروف معيشية قاسية رغم علمه، وما يصرفه في أيام، يدخنه "جمال" في سيجارة.

لا يبدأ فيلم "الكيف" بالحشيش، بل يبدأ بأغنية هابطة في أول الفيلم، يرفض الدكتور أن يصنفها ضمن الفن، لكن جمال وسائق التاكسي يطربون لها، يعترف السائق أنها لم تعجبه في البداية، لكنه اعتاد عليها، وأصبحت تطربه بعد أن "عششت في دماغه".

والاعتياد نقيض الفطرة، إذن أن الاستجابة للمنبه، تصرف غريزي وفطري، أما الاعتياد فهو شكل من أشكال تقليل الاستجابة لمنبه ما بعد التعرض المطول والمتكرر له.

يرى "المزاجانجي" أن عصرنا هو عصر "تفتيح المخ"، وليس عصر الشهادات الدراسية، ويرى نفسه مفيدا للمجتمع لكونه فنانا، تماما كما كان والده المرحوم من كبار رجال التربية والتعليم.




ولا يرى مدمن الحشيش نفسه مريضا، مقتنع بأنه يأخذه طوعا، ولا يحتاج إلى علاج، فيأخذ صلاح على عاتقه مهمة إقناعه أن "الكيف" وهم!.

صنع له توليفه "كيف" في المختبر، تخلو من كل عناصر الحشيشة التي يدخنها خبر المزاج، الذي لم يستطع أن يفرق بينها وبين الأصلية.

يعرف علماء الصحة الاعتياد على العقاقير بأنه اعتياد سلوك أو حالة تتضمن استخدام العقاقير نفسانية التأثير، برغبة لا باندفاع قهري، مع استمرار الشعور بالتحسن، وميل ضئيل أو معدوم لزيادة الجرعة، ودرجة من الاعتماد النفسي على تأثير العقار.

أثبت صلاح لجمال أن الكيف وهم، وأنه أمر نفسي لا جسدي، وأن التوليفة الكاذبة أعطتهم "مزاجا" تماما كالأصلية، لأنهم مستعدون نفسيا لا معتمدين عليها جسديا.

أقنع جمال الدكتور صلاح لاحقا بتصنيع الخلطة الكاذبة، لحماية المجتمع من الحشيش الضار، وبدأ يبيعه للتجار، ليأخذ مكانه في سوق "الكيف".

انتا عايزنا نتاجر في المخدرات.
- و هيا ديه مخدرات؟.
- لا، لكن.
- لكن ايه، لكن ايه يا أبو صلاح، ده احنا هنثبت للدنيا ديه كلها نظريتك في وهميه الكيف و هنحمي الناس من أضرار المخدرات و هنقدم للمجتمع خدمه قوميه جليله.
- جليله!!.
- طبعا.
- بتسمى النصب و الغش جليله يا معدوم الأخلاق.
- احنا لا بننصب ولا بنغش.
- أمال تسميه ايه ده.
- تعجبنى، تعالى بقا نشوف ده اسمو ايه بموضوعيه من غير انفعالات ولا تشنجات.
- اسمع بقا ما أقولك.
- هنبحث الموضوع بالأسلوب العلمى و نناقشو بالمنطق و نحلله.
- نحلله !.
- طبعا علشان نحله.
- الموضوع ده مرفوض من أساسه ملوش عندي لا حل ولا تعليق.
-الخلطة دي بتضر بصحة الناس أذا تعاطوها ؟.
-لا.
-حلو، يعني لا ضرر منها ولا ضرار.
-ايوه بس ده نصب وغش.
-لا، الغش هو التحايل علي إعطاء صفة الجودة لشيء غير جيد أحنا هنا بقي بنعمل العكس.
-العكس؟!.
-طبعاً، احنا هنا بنعطى للناس شيء غير ضار في صورة الشيء الضار الي هما متعودين عليه وفي نفس الوقت بنحميهم من الضرر.
-وبنسرق فلوسهم !.
-لا بناخد تمن علاجهم وحماية صحتهم من أضرار المخدرات بالظبط يا أخي زي ما الدكتور بياخد تمن الفوزيتة.
-عاوز تبيع كيلو الحنة بألف جنية وتقولي تمن الفوزيتة يا حرامي.
-طبعاً ماهو احنا منقدرش نبيع بأقل من كده علشان الزبون يثق في الصنف ويُقبل عليه احنا مقيدين بأسعار السوق العالمية يا دكتور.
-سوق السفالة والاستغلال.
-الاستغلال اصبح عرف في جميع الأسواق يا دكتور، قولي قولي مين النهارده مبيستغلش مين.
-اهو هو ده بقي الي جايبنا ورا.
-موازين الدنيا اتغيرت يا أبو صلاح، محدش دلوقتي بيوزن ب الحق والعدل والرحمة، السنج اتغيرت زي الرطل ما أتغير وبقي كيلو.
-لا سيبك من منطق الجشع ده.
-الجشع هو انتهاز فرصة احتياج الناس لأساسيات حياتهم وفرض أضعاف مضاعفة لقيمتها الحقيقية.
-ماهو ده الي انت عاوز تعمله.
-لا الكيف مش من أساسيات الحياة، لاهو سكن ولا كسا ولا غذا وممكن الاستغناء عنه.
-دلوقتي بتقول كده.
-الله، مش ده رأيك.
-الي انت مش مقتنع بيه.
-اقتناعي الشخصي أو عدمه، لا يغير من الحقيقة شيء.

يقع صلاح وجمال في فخ "البهظ بيه"، تاجر المخدرات الذي يعيش أيضا بنظرياته الخاصة في هذه الحياة، فبعد أن كان تاجر "شاي" أصبح تاجر "مخدرات"، وفي كلتا التجارتين، أفسد أذواق الناس، حتى "اعتادت" السيء وألفت المغشوش.



يبدأ صلاح بالتخلي عن بعض مبادئه لصالح جمال، ويبدأ الأخير بعد أن ذاق طعم الغنى بمحاولة تحقيق أحلامه ليصبح فنانا لامعا، ويسجل شريطا بصوته.

يبحث جمال عن كلمات أغانيه عند الشاعر القدير والشهر "محروس نانانس" الذي يعرض عليه كلمات لا تروق لجمال لأنها "لا تكيف"، وبعد فشل "نانانس" في إقناع "المزاجانجي" بكلماته، يتجه إلى "ستاموني" الذي يفلح في إقناعه بالكلمات "التافهة".

- تعالى تاني ف الدور التحتاني.. ناكل لحمة ضاني ونحلّى بسوداني
- يا سلام !.. هوة ده يا ريس ستامونى..
 يا عترة المؤلفين.. يا مكيفة
 آدى الكلام اللي يجيب فلوس !
- لأ ولسة لما تسمع الغنوة التانية كمان يا عم مزاجانجى
- قول
- مش لما نكمّل دي
- دي ف الاوكى.. الجواب بيبان من عنوانه.. خش ع التانية
- اسمع يا سيدى
- قول يا ستامونى.. قول
- يا حلو بانت لبتك.. أول ما دابت قشرتك
- يا عيني !
- تحرم عليا محبتك.. و راح أتوب عن سكتك
- يا سلام !
- القلب منك مليان جفا.. والصبر من قلبي اتنفى
وضاع معاك كل الصفا.. ضيعته بعندك يا قفا.. آه يا قفا.. يا قفا




والطريف في الموضوع أن الحلم لم يغادر الفنان محمود عبدالعزيز فسجل كلمات "ستاموني" في ألبوم أصدره عام 2000 بعنوان "الكيمي كيمي كا"، أبرز أغانيه "يا حلو بانت لبتك"، إلى جانب 9 أغان أخرى.

يقتنع صلاح بفكرة تصنيع التوليفة الكاذبة وبيعها، لكن "البهظ بيه" قرر أنه يجب أن يحصل على الوصفة، ليدخلها إلى سوق "الكيف" بقواعده الخاصة، بدلا من شرائها من المزاجانجي.

إن اختيار الأسماء أبرز ما يميز أفلام أبو زيد، على رأسها "جري الوحوش"، و"العار"، و"الكيف".

يغرق الدكتور شيئا فشيئا في عالم "الكيف" والمزاج، ومشهد العزاء من أبرز المشاهد في الفيلم، والتي تسلط الضوء على "العيب"، إذا يبدأ صلاح بالضحك دون سبب في بيت عزاء، فيستهجن الحضور ما فعل، لكنهم لم يلبثوا أن بدأوا بالضحك مثله تماما، في مشهد يختزل المجتمعات البشرية في صيوان عزاء محترم، تحول في ثوان إلى مكان لا يعرف العيب!.



فيلم متخم بـ"الأفيهات" التي لا تزال إلى الآن متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي على شكل صور "كوميكس"، و"ميمز" بلكمات لم يقلها أبطال الفيلم، لكن صورتهم كافية لإقناعك بأن الكلام منطقي، تماما مثل منطق "المزاجانجي".
شارك
التعليقات