وصانع الطوب، كان رجل في الأغلب من كبار السن، يقوم فجرا حاملا مضربه الخشبي أو القالب الذي يضع فيه الطين ليصنع منه قطعة من الطوب اللبن، يذهب إلى حيث فرن مصنع الطوب الأحمر أو "أمينة الطوب"، كما كان يسميها أهل الريف في دلتا مصر.
معجنة الطين
وصناعة قطعة الطوب اللبن قديما كانت تتطلب حفر جورة أو حفرة عميقة تكفي لوضع حمولة التراب التي تجلبها الجرارات من رؤوس الترع والقنوات والمصارف ومن تجريف الأرض الزراعية، ليتم عجنها بالماء و"الخلط" وهو من القش أو أعواد الأرز المدروسة أو من التبن أو أعواد القمح المدروس بعد الحصاد.
اظهار أخبار متعلقة
ينزل تلك المعجنة بعض العمال لتسوية الطين بالماء وخلطه جيدا بالخلط مستخدما الفأس في مرحلة ثم كلتا يديه في باقي المراحل.
قطعة أرض عبارة ساحة كبيرة كانت هي الملعب الذي يتحرك فيه صانع الطوب أو ضارب الطوب اللبن، حيث يحمل له العمال الطين على طبلية من الخشب لها 4 مقابض كبيرة، من الأمام اثنين ومن الخلف اثنين.
اظهار أخبار متعلقة
ويوضع على الطبلية الطين المعجون جيدا والخالي من أي أحجار أو زلط أوشوائب تضر الطوب ويحمل الطبلية اثنين من العمال واحد في الأمام والثاني في الخلف.
الطين يوضع بطريقة معينة تمكن ضارب الطوب من عمله السريع الذي يشبه الآلة بينما هو يجلس في وضع القرفصاء تارة وفي وضع الركوع أخرى، ليتمكن من مواصلة ذلك العمل الشاق.
مراحل عمل أخرى عديدة حتى تظهر نتيجة عمل ضارب الطوب ومساعديه من العمال، حيث يتم وضع هذا الطوب اللبن بعد أن يجف في الفرن أو الأمينة أو المحرقة ليصبح طوبا أحمر يجري تحميله لاحقا على سيارات لبيعه في أنحاء البلاد وبناء المساكن والبيوت.
هكذا أصبحت
وعن تطور المهنة قال الحاج أشرف أبووردة، صاحب إحدى مصانع الطوب الأحمر، إنها "كانت يدوية بشكل كامل ولكن الآن دخل فيها عنصر الآلة في خلط الطفلة التي حلت محل الطين، ولكن عمل الفرن يسير بنفس النظام القديم، لأنه يصعب تطويره".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف في حديثه لـ"عربي21 لايت"، أن "مراحل العمل تبدأ بجلب الطفلة من محافظة الفيوم، ويقوم لودر بتدريبها لتدخل على خط الإنتاج، الذي يبدأ بصناعة الطوب اللبن أو الأخضر، ثم يجري تنشيفه في أرض مفتوحة مدة 10 أيام، ليجري تحميله على عربات يجرها حمار لتدخل الفرن".
وتابع: "يتم رص الطوب بطريقة معينة داخل الفرن الذي يتم إيقاده بالمازوت بعد وضع كمية من التراب فوق الطوب للحفاظ على درجة الحرارة، ليتم تسوية الطوب الأحمر، وبعد تبريد الفرن يجري تحميل الطوب فوق الجرارات لبيعه في الأسواق".
وأكد أن "المهنة تحتاج لدعم كبير، لأن الطوب هو من أساس اقتصاد مصر، ولأن مصانع الطوب لو اشتغلت فجميع مهن التشييد والبناء تعمل بالتالي".
وأشار إلى وجود "حالة من الركود في هذه الصناعة، لأن أمورا كثيرة تُعيق العمل وتحتاج إلى نظرة من الدولة"، مضيفا أننا "نعمل بالخسارة ولكننا مضطرون للعمل".
الباحثون عن الشقاء
وفي حديثهم لـ"عربي21 لايت"، تحدث بعض العمال أثناء تحميلهم أحد الجرارات عن مهنتهم الشاقة مؤكدين أن "بعضهم قضى فيها أكثر من 40 عاما"، موضحين أن "مهنتهم اسمها (الموًاتة) أو المميتة، ومكسحة البني آدمين".
اظهار أخبار متعلقة
وذلك في إشارة لما يصيبهم من أمراض الانزلاق الغضروفي في الظهر والأرجل، مؤكدين أنها "مهنة شقاء وتعب".
وأشاروا إلى أن "الأحوال صعبة والعمل غير منتظم، وأنهم لا يعملون طوال الشهر، نظرا لتدهور المهنة مع وقف البناء في الريف المصري"، فيما عبر أحدهم بقوله: "بندور (نبحث) على الشقاء ولا نجده".
فيما قال بعض العمال من داخل فرن تسوية الطوب وخلال رص الطوب الأخضر أو اللبن، أن مهنتهم "تطورت كثيرا عبر دخول الميكنة في مراحلها الأولى، في خلط الطفلة وعجنها"، مشيرين إلى أن "العاملين في تلك المهنة يعانون من أزمات ضعف الرواتب وعدم التأمين عليهم".
وقال آخر، إن ما يحصلون عليه من اجر، هو 80 جنيه يوميا، ما أيام عمل نحو 20 يوم شهريا، نافيا أن يكون أحدهم تمكن في تعليم أبنائه تعليما جيدا أو نجح في تقديم مهندس أو طبيب للمجتمع، لأن ظروف المهنة وما يحصلون عليه من أجر لم يمكنهم من ذلك.
وفي محيط عدة قرى متجاورة، لاحظت "عربي21 لايت"، وجود 3 مصانع للطوب واحد منها فقط هو من يعمل وليس بكامل قوته، بينما توقف المصنعين الآخرين عن العمل.
وتبقى مهنة الطين والنار، لتبني مصر كما كانت طوال القرون السابقة، ولكنها في المقابل تأكل أعمار وصحة من يعملون بها، ولا تمنحهم الحياة الكريمة.
اظهار ألبوم