اليوم العالمي للمرأة | تعرف إلى "الترحيلة".. مهنة مصرية مستمرة منذ عهود الاستعمار 😓

1645458885158
عربي21 لايت
  • محمد السهيلي
  • الإثنين، 07-03-2022
  • 10:14 م

في وقت يحتفي فيه العالم بيوم المرأة العالمي 8 آذار/ مارس من كل عام، هناك مصريات دفعتهم الحاجة وضيق الحال إلى العمل في "الترحيلة"، ليكشفن عن واقع صعب تمر به المرأة الريفية يعود بها لقرون الاستعمار الأجنبي، رغم أنهن يعشن في العقد الثاني من القرن العشرين.



ما هي الترحيلة؟

و"الترحيلة" ظلت مصدر رزق فقراء الريف والصعيد المصري طوال قرون، بينما غذاها الاستعمار الإنجليزي الذي حكم البلاد نحو 74 عاما، حيث استخدم عمال التراحيل في الزراعة وجني القطن المصري لتصديره إلى أوروبا.

وكان يتم تجميع الرجال والنساء من القرى والعزب والنجوع الفقيرة للعمل في الوسايا أو أراضي البهوات والباشوات وأصحاب الإقطاعيات والأملاك من المصريين والأجانب ذوي الحماية الإنجليزية والفرنسية في مصر.

 لفظ "الغرابوة" كونهم غرباء عن الأرض التي يعملون بها كان هو الاسم الشائع بين الناس الذين كانوا ينظرون لعمال ونساء الترحيلة نظرة متدنية كونهم أكثر طبقات المجتمع المصري فقرا.

اظهار أخبار متعلقة



 بل إن مواسم العمل في "الترحيلة"، كانت تمثل لهم أملا ينتظرونه كي يحصلوا منه على ما يقيم أودهم ويكسي أبناءهم ويزوج الكبار منهم، إلا أن حلم تعليمهم كان صعب المنال والتحقيق، فيما كان الخولي أو رئيس الأنفار أو الكاتب أو صاحب الدفتر يرأسون الترحيلة ويتحكمون في عمالها.

عمال الترحيلة من الرجال والنساء والفتيات المراهقات كانوا يعملون في مقاومة آفات وحشائش ودودة القطن وجمع المحصول الذي يوليه الاستعمار اهتماما بشكل خاص، وذلك مقابل أجر زهيد أو بعض الطعام والشراب كحبوب القمح والذرة والشعير أو البلح.

على مر العهود

تراجعت "الترحيلة" في عهد جمال عبدالناصر بشكل ما، بعد تخفيض ملكيات أراضي كبار الملاك وخضوعهم لقرارات التأميم الاشتراكية في ستينيات القرن الماضي، وتوزيع تلك المساحات على الكثير من الفلاحين، إلا أن عمل الترحيلة في زراعة القطن ظل موسما هاما لكثير من فقراء الفلاحين.

واتخذت الترحيلة شكلا آخر في نهاية عهد ناصر وخلال عهد أنور السادات، وهو العمل في أراضي الاستصلاح الزراعي الجديدة مثل "الوادي الجديد" بالصحراء الغربية، وفي مشروع "الصالحية الجديدة"، وغيرها، والتي اختفت منها النساء بصورة ما وغلب عليها الرجال.

اظهار أخبار متعلقة



 كان المنادي يجوب القرى في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات معلنا أن "الأجرة عدة قروش، والأكل على حساب المزرعة والسيارة اللوري ستنطلق غدا، ومن يرغب يأتي ليسجل اسمه، ويحمل فأسه وصرة هدومه فجرا"، وهو ما كان يمثل حلما كبيرا وفرحة وفرجا للكثيرين.

 الروائي الكبير يوسف إدريس عبر بقصة "الحرام" عن معاناة نساء الترحيلة، كما قدم منها المخرج هنري بركات فيلما قامت ببطولته الفنانة فاتن حمامة، عام 1965، ليتم ترشيح "الحرام" لنيل جائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي بنفس العام ، ويجري تصنيفه خامسا ضمن أفضل 100 فيلم مصري.



 وفيه أبدع إدريس، وتألق بركات، وبرعت حمامة، في تشخيص حالة النساء اللاتي قتلهن العوز والفقر والحاجة فتحملن ما لا يطيقه بشر، كما وصف نظرة المجتمع المتدنية لهن، حتى القريب منهم في مستوى الفقر.

اظهار أخبار متعلقة



 بمرور الأيام في عهد حسني مبارك عادت الترحيلة مجددا عبر أراضي شاسعة امتلكها كبار رجال النظام والمقربين منه، وعادت المرأة بقوة إلى العمل في الأراضي لجمع الفواكه والمحاصيل التي أدخلها نظام مبارك مثل الكنتالوب والفراولة والبنجر وغيرها.

 لكن في المقابل، اختفى دور المرأة في الترحيلة في حصد محاصيل القمح مع ظهور الميكنة الزراعية، وتراجع المساحات المنزرعة من القطن.

لكن، ومؤخرا، ومع تزايد نسب الفقر وعجز الرجال عن تحقيق الوفرة والحياة الكريمة لنساء الريف في القرى الفقيرة عادت الترحيلة النسائية بشكل خاص للظهور مجددا لجمع المحاصيل كالباذنجان والباميا والبصل والثوم والفراولة والموالح، وغيرها.

اظهار أخبار متعلقة



 ولا تستغرب حين تسير في أحدث الطرق التي أنشأها النظام مؤخرا مثل "الإقليمي الدائري" الذي يمر بالعديد من محافظات الدلتا، أن ترى سيارة نصف نقل مكشوفة رغم شدة البرد تحمل عشرات النساء والفتيات، وقوفا لساعات حتى يصلن لمكان العمل في المزارع.



 شرف الكفاح

"عربي21 لايت"، قامت بتصوير "الترحيلة" النسائية، وتحدثت مع بعض العاملات فيها عما يعرفنه عن "الترحيلة" في الأزمان السابقة، وعن حياتهن، وقصص كفاحهن، وأزماتهن، وما يحتجن إليه في يوم المرأة العالمي.

ومن إحدى مزارع الفراولة بشرق دلتا مصر، تعمل نحو 60 من نساء "الترحيلة" في جمع المحصول بجانب نحو 10 رجال يقومون بأعمال النقل للمحصول الذي أصابته الأجواء السيئة التي مرت بها مصر خلال 2022، ما يهدد المحصول ويهدد العاملات بقلة عدد أيام العمل وانخفاض دخلهن.

قالت بعض العاملات لـ"عربي21 لايت"، إن عملهن موسمي، وفي فصل الشتاء يتمثل في زراعة البصل وجمع الفراولة والبرتقال، وفي فصل الصيف يقوم على زراعة الذرة الشامية وشتل الأرز وحصاده وجمع الباذنجان.



 وأكدن أنهن يقمن بجميع أنواع الفلاحة، وأنه أصبح لديهن خبرة كبيرة في الزراعة تفوق الكثير من الرجال، موضحين أنه عمل شاق ومتعب أجبرتهن عليه الحاجة وضيق ذات اليد وصعوبة الحياة وعدم قدرة الأزواج على الإنفاق كون عملهم موسميا وغير ثابت ولا يكفي المؤونة.

 ولفتن إلى أن ما يحصلن عليه رغم المشقة والتعب قليل ولا يكفي لحياة مريحة، مبينين أن العمل ليس بشكل يومي ويبدأ من الساعة الـ7 صباحا وحتى الواحدة ظهرا، ثم يعدن بعدها إلى رعاية الأسرة والأولاد.

وعن "الترحيلة" في العقود السابقة أكدن أنهن عملوا سابقا فيها عبر جمع الدودة من القطن وجني المحصول، وأن الأجرة كانت قبل 30 و40 عاما نحو 2 جنيه و10 قروش باليوم، والآن أجرتهم اليومية نحو 60 جنيها وهو ما لا يكفيهم في ظل الغلاء الواقع عليهم.

اظهار أخبار متعلقة



 وبينت بعض العاملات أنهن يستيقظن يوميا من الساعة الـ4 فجرا، ليقمن بأعمال البيت ومساعدة الأبناء حتى الذهاب للمدرسة والكليات، ثم يذهبن عبر سيارات النقل المكشوفة إلى المزارع، وأنهن في عمل مستمر طوال اليوم بدون مقابل يريحهن.

جامعية في الترحيلة

وأكدت إحدى عاملات "الترحيلة" أنها حاصلة على بكالوريوس تجارة من جامعة الزقازيق عام 1990، وأنها لم تتمكن من الوصول للعمل بشهادتها الجامعية بسبب الواسطة، بل إنها لم تجد سوى "الترحيلة" لكي تساعد زوجها على تربية أبنائها.

 وأوضحت أن لديها 3 بنات الأولى تخرجت في كلية التربية قسم فرنسي، والثانية حصلت على كلية الحقوق، والثالثة تدرس بكلية علوم الإعاقة، قائلة لـ"عربي21 لايت": "من عملنا في الغيطان علمنا 3 بنات، وزوجنا واحدة منهن وبقيت اثنتان".




رئيس عمال المزرعة أكد لـ"عربي21 لايت"، أن "الاستعانة بنساء الترحيلة يتزايد نظرا لأجرهن الضعيف وإنتاجهن الكثير وطاعتهن أكثر من الرجال الذين يحصلون على أجر أعلى".

 أما من يدير المزرعة، فقال لـ"عربي21 لايت": "لم يعد موجود غير النساء للعمل بالترحيلة، وكل يوم يتم جلب أكثر من 60 إلى 70 بنت ومتزوجة لجني المحصول، ونحو 70 إلى 80 بالمئة منهن لم يجدن من يعولهن ودفعهن غلاء الأسعار للخروج للعمل".




شارك
التعليقات