حياة موازية داخل رؤوسنا | ما هي أحلام اليقظة غير المجسدة؟ 😨

نشرت صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية تقريرًا تحدثت فيه عن اضطراب الخيال القهري، وهو مرض يجهله الكثيرون ويتم التقليل من شأنه، وهو عبارة عن أحلام يقظة تجعل الشخص ينفصل عن الواقع ويعيش في عالم الخيال.



وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21 لايت"، إن فتاة إيطالية تدعى آنا أضاعت سنواتِِ عديدة من عمرها في أحلام اليقظة ولم تتمكن من الحصول على الشهادة التي كانت تطمح إليها. وبينما سعى أصدقاؤها جاهدين لبناء مستقبلهم، بقيت هي حبيسة أحلام اليقظة ولم تعرف كيف تحرر نفسها من هذا الفخ.

اظهار أخبار متعلقة

وذكرت الصحيفة أن أمرًا مماثلًا تقريبًا حدث مع مواطن إيطالي آخر يدعى لوكا، الذي أصيب بالاكتئاب في فترة الإغلاق بسبب الوباء. وفي مواجهة هذا الاكتئاب، وجد لوكا ملاذًا في عالم خيالي صغير دفع به إلى الانفصال تمامًا عن الواقع، وحتى عن جسده الذي أهمله ولم يعد يلبي احتياجاته الأساسية. ولم ينجُ هذا الشاب إلّا بفضل رفيقه في السكن الذي شعر بالقلق لحالته فأجبره على تناول الطعام والبدء في الخضوع لجلسات علاج نفسي.

ما هو سوء التكيّف مع أحلام اليقظة؟

أوضحت الصحيفة أن القاسم المشترك بين من يعانون من هذه المشكلة هو اضطراب الخيال القهري الذي يقودهم إلى تكوين تخيلات معقدة مع شخصيات أو حتى تخيّل مؤامرات، تمامًا كما تُحْبَك في سيناريوهات الأفلام، إلى حد يجعلهم يتوقفون عن التفاعل مع الحياة الواقعية والعيش في حياة موازية.

مرض غير معروف

هذه الحالة ليست مجرد مسألة تخيل طبيعي للصور في الذهن، بل هي مسألة مرضية تم تجاهلها والتقليل من شأنها حتى وقت قريب في بعض الدول. وتعود أصول هذه الحالة إلى أزمنة طويلة حسب ما أثبتته بعض الدراسات قبل 20 سنة. 

تقول فاليريا فرانكو، التي عانت من هذه المشكلة في مرحلة سابقة من حياتها، وأصبحت الآن رئيسة لجمعية "سوء التكيّف مع أحلام اليقظة" في إيطاليا: "بعد سن العشرين، أصبح التخيل إدمانًا عندي، لا أنا استطعت التوقف عنه، ولا  تمكنت من تحديد المشكلة، لذلك قمت بنشر الأعراض التي أعاني منها على الإنترنت، فاكتشفت أنني لست الوحيدة".

اظهار أخبار متعلقة

الأعراض الرئيسية

يقضي المصابون بهذا الاضطراب فترات طويلة من اليوم في التخيل، وهذا الإدمان يجعل ممارسة الحياة الاجتماعية والعملية بشكل طبيعي أمرا صعبًا، هذا إلى جانب مشاكل النوم بسبب الأوهام التي لا تغادر مخيلاتهم وهم يعيشون فيما يشبه حالة من التنويم المغناطيسي. وهذه هي الأعراض الرئيسية لهذا الاضطراب الذي لا يزال غير مفهوم جيدًا لدى علماء النفس والأخصائيين.

صعوبة التشخيص

أكدت الصحيفة أن تشخيص هذا المرض يتم في كثير من الأحيان بشكل خاطئ، لأن هذه الحالة المرضية مشابهة كثيرًا ومتداخلة مع اضطرابات عقلية أو نفسية أخرى مثل القلق والاكتئاب. وغالبًا ما يفسّر الأخصائيون تلك الهلوسات على أنها راجعة للفصام الذي له في الواقع أعراض أخرى غير مصنفة ضمن أعراض سوء التكيّف مع أحلام اليقظة.

الرغبة في النجاح لدى الطفل، هل لها تأثير؟

إن بيئات الصراع ليست المسؤولة دائمًا عن توليد هذا الاضطراب، فبعض "الحالمين القهريين" - كما يوصفون - يحاولون تعويض نقص أو حرمان عاطفي، أو يطمحون إلى تحقيق النجاح المثالي الذي غُرس فيهم كأطفال ولكنه لم يتحقق بعد في الحياة الواقعية. 

اظهار أخبار متعلقة

توضّح فاليريا فرانكو أن كل واحد يفضل نوعًا مختلفًا من التخيلات: فهناك من يخلق قصة حب مستوحاة من فيلم أو كتاب أو حتى شخص قابله في الحياة الواقعية؛ وحتى قصص حول الزواج وتكوين عائلة. هكذا يجعلهم شعورهم بالملل من حياة عادية وغير مرضية يلجؤون إلى عالم موازِِ من الخيال يشعرون فيه أن لديهم قوى سحرية.

الوصول إلى بُعد موازٍ

هناك أيضًا قاسم مشترك لدى هؤلاء المرضى وهو وعيهم بعيش حياة خيالية منعزلة في نفس بيئتهم (أي دون الانفصال عنها جسديًا)، وهذا ما يعرف بمحاولة الوصول إلى "البعد الموازي" أو الواقع البديل. 

اظهار أخبار متعلقة

الفئات العمرية الأكثر تضررًا

أشارت الصحيفة إلى أن معظم الوافدين إلى جمعية المصابين بهذا المرض لطلب المساعدة تتراوح أعمارهم بشكل أساسي بين 20 و30 سنة، أي أنهم في عمر الحياة المهنية، وفي الغالب يتحدثون عن شعورهم بعدم الرضا والحيرة. وهناك أيضًا أشخاص تتراوح أعمارهم بين 40 و50 سنة يعانون من هذه الحالة وواقعون في شَرَك التخيلات القهرية؛ غير أن الأشخاص من هذه الفئة العمرية تمكنوا من إدارتها وإضعافها نوعًا ما، بفضل الالتزامات الأسرية والتزامات العمل التي لا يمكنهم الهروب منه.

مجموعة دعم على فيسبوك

وفقًا لفاليريا فرانكو، وخلال فترة الحظر جرّاء الوباء، شهدت مجموعتهم على فيسبوك التي أنشئت خصيصًا لدعم هؤلاء المرضى ازدهارًا كبيرًا، حيث ساهمت القيود الصحية والتدابير الاجتماعية في تفاقم المشكلة. يدير هذه المجموعة فريق من علماء النفس الشباب، ينظمون ورش عمل لتوعية الشباب، ولكن أيضًا مواعيد مقابلات مثل "غرفة الاثنين"، وهي نوع من جلسات الاعتراف تتيح للمريض أن يروي تجربته من أجل المزيد من الإدراك بهذا المرض وإحداث التغيير.

اظهار أخبار متعلقة

تدريب اليقظة

لجأ بعض علماء النفس والباحثين المختصين في الإدمان السلوكي إلى نهج علاجي جديد، وهو ما يعرف بتدريب اليقظة الذي يشبه ممارسة التأمل، وهو شكل من أشكال التركيز يجعلك أكثر وعياً بالواقع وبالعالم الواقعي، وبالتالي التقليل من الانغماس في تلك التخيلات. مع ذلك، تؤكد فاليريا فرانكو أن المريض بحاجة إلى الكثير من الإرادة للشفاء والتحرر من خياله واستعادة السيطرة على حياته الواقعية.