وقال الموقع في التقرير الذي ترجمته "عربي21 لايت"، إن هذه الميكروبات الموجودة في أمعائك قد تغيّر طريقة تفكيرك وشعورك؛ حيث بإمكانها تغيير وظائف المخ من خلال تأثيرها على العصب المبهم، ويعتقد العلماء أن التغييرات في المناعة التي تؤثر على وظائف الدماغ، قد تكون ناجمة عن ميكروبات الأمعاء لدينا.
اظهار أخبار متعلقة
وأشار الموقع إلى أنه في منتصف ثمانينيات القرن التاسع عشر، كان طبيب الأطفال ثيودور إيشيريش (ألماني/نمساوي) من بين الأوائل الذين طرحوا فكرة مثيرة للجدل، مفادها أن البكتيريا يمكنها أن تعيش في أمعائنا دون أن تسبب لنا أي مشاكل صحية، ثم سرعان ما انتشر هذا المفهوم في النقاشات الطبية والشعبية، حيث اكتسبت "الميكروبيوم" أهمية كبيرة كطريقة لفهم وحتى معالجة عدد من المخاوف الصحية.
وأضاف الموقع أنه تم لاحقًا ربط الاختلافات في الميكروبيوم بكل شيء بدءًا من المدة التي نعيشها وحتى خطر الإصابة بمرض السكري، ولكن ربما يكون الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو عندما تم إثبات أن هذه الكائنات الدقيقة الموجودة في الجهاز الهضمي لدينا قد تغيّر حتى أفكارنا، وفيما يلي ثلاث طرق توضح كيف يمكن أن يحدث ذلك:
العصب المبهم
يبين الموقع أنه يعرف أيضًا بالعصب الحائر، وهو عصب يبدأ في الدماغ وينتهي في الجهاز الهضمي، ويُعتقد أن القناة الهضمية والدماغ مرتبطان ارتباطًا وثيقًا من خلال محور القناة الهضمية، وعندما يتعلق الأمر بكيفية وصول الإشارات من القناة الهضمية إلى الدماغ، يركز العديد من الباحثين على العصب المبهم باعتباره أطول الأعصاب القحفية لدينا، إذ يمتد ذهابًا وإيابًا من الدماغ إلى الأمعاء الغليظة، مرورًا بأجزاء أخرى في الجسم.
ووفقًا للموقع؛ تشير الأبحاث اليوم إلى أن ما يحدث في القناة الهضمية يؤثر على دماغنا من خلال التأثير على العصب المبهم، ويبدو أن السر يكمن في أن الميكروبيوم قد يؤثر بشكل مباشر على الإشارات التي ينقلها العصب المبهم إلى الدماغ، وقد أظهرت الأعمال العلمية الحديثة بالفعل أن ميكروبات الأمعاء وما تفرزه، قادرة على التأثير على معدل إشارات العصب المبهم وبالتالي على الرسائل التي يرسلها إلى الدماغ، والتي بدورها تؤثر على وظائف المخ وعلى الحالة الذهنية، لكن كيف يحدث ذلك؟ لأن النهايات العصبية للعصب المبهم في الأمعاء حساسة لعدد من التفاعلات التي تنتجها الميكروبات والتي تمر إلى النواقل العصبية مثل "السيروتونين" و"النورأدرينالين"، وهي نهايات حساسة أيضًا للإشارات المناعية مثل الالتهابات.
اظهار أخبار متعلقة
ولفت الموقع إلى أنه في الدراسات التي أجريت على الحيوانات؛ اتضح أن إرسال الإشارات من القناة الهضمية إلى الدماغ عن طريق العصب المبهم هو المفتاح للتأثيرات المضادة للاكتئاب لعقاقير مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية، أو تلك التي تعمل على تحسين الحالة المزاجية لبعض الميكروبات الصحية (البروبيوتيك)، وكانت كل هذه الإشارات تعتمد على وظيفة العصب المبهم. وفي الآونة الأخيرة، تبيّن أن العصب المبهم لدى البشر يبدو أنه يؤثر على الحالة العاطفية، مما يدل على وجود صلة مباشرة بين الحالة الذهنية والعصب المبهم.
جهاز المناعة
ويشير الموقع إلى أن جهاز المناعة يعتبر أحد الروابط الأكثر أهمية بين القناة الهضمية وصحتنا العقلية، إذ أنه ليس مجرد جهاز دفاع بسيط ضد الجراثيم، بل إن مناعتنا مكلفة بتنفيذ إشارات معقدة في جميع أنحاء الجسم، لكن معظم جهاز المناعة لدينا يقع في القناة الهضمية، لذلك يستجيب بسرعة كبيرة للمعلومات الواردة من الميكروبيوم. وقد اكتشف الباحثون أن ميكروبيوم الأمعاء والجهاز المناعي في اتصال مستمر فيما بينهما، ويؤثران على بعضهما البعض في كل لحظة. وعندما نفهم أن حالة نظام المناعة لدينا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بحالة دماغنا العامة وصحتنا العقلية؛ يتضح دور الميكروبيوم.
على سبيل المثال، ترتبط المستويات العالية من الالتهاب بزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب، وقد تدفع الأشخاص إلى اتخاذ قرارات أكثر اندفاعًا؛ حيث يعتقد الباحثون أن الميكروبيوم يؤثر على المناعة بعدة طرق، بدءًا من الاتصالات المباشرة بين البكتيريا والخلايا المناعية إلى تأثيرها على قوة بطانة الأمعاء (التي تؤثر بعد ذلك على حالة جهاز المناعة في الأمعاء)، كما أن الإشارات الواردة من الميكروبيوم قد تصل إلى مجرى الدم الذي ينقلها إلى الدماغ فتؤثر فيه.
اظهار أخبار متعلقة
مستقبلات الميكروبيوم مثل الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة
ويوضح الموقع أنه من المعلوم أننا نستهلك يوميًا مركبات غذائية مختلفة، بعضها يمكن أن يتحلل بسهولة، مثل تحويل الكربوهيدرات الموجودة في الخبز إلى جلوكوز، وبعضها يحتاج إلى إنزيمات ضرورية لتفكيكها، وهنا يساعد الميكروبيوم الخاص بنا في استخلاص القيمة الغذائية من هذه الجزيئات غير القابلة للهضم.
ومن الأمثلة على ذلك؛ الألياف حيث لا تستطيع أحشائنا امتصاص أو تكسير الألياف الموجودة في الأطعمة، ولكن عندما تتلامس مع بكتيريا معينة في الأمعاء، فإنها تفككها وتنتج جزيئات تسمى الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة، والتي نصبح قادرين على الاستفادة منها، ويظهر البحث أنها يمكن أن تؤثر على صحتنا من خلال تأثيرها على الدماغ وعلى الحالة العقلية.
اظهار أخبار متعلقة
وبحسب منشورات بحثية في عام 2020، أظهر باحثون أن وجود مستويات أعلى من الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة في القناة الهضمية يرتبط بانخفاض مستويات الكورتيزول عندما يتعرض الأشخاص الأصحاء للتوتر النفسي.
الجمع بين الطرق الثلاثة
واختتم الموقع بالقول إنه من الواضح أن ما يحدث في الدماغ هو في الواقع انعكاس لما يحدث في كل جزء من الجسم. وعلى الرغم من المسافة البنوية بين الجهاز الهضمي والدماغ، فقد أصبح واضحًا الآن أن ما يحدث في القناة الهضمية يؤثر على عدد من المسارات في دماغنا، وأن التأثير يأتي بصورة مباشرة من الميكروبيوم الموجود في أمعائنا، وهذا ما يفسر الإشارات المعقدة التي تؤثر على الحالات النفسية والعقلية، وكذلك يجعلنا نعيد النظر لإعطاء أولوية أكبر لصحة الأمعاء والميكروبيوم من أجل صحتنا الإدراكية والعقلية.