بهذه الكلمات؛ عبّر الأردني عمر توفيق أبو حمدان (51 عاما) عن أهم دوافعه للبدء بمشروع صناعة الألعاب الخشبية، "في زمن أفسد فيه التطور التكنولوجي العلاقات بين الناس، وعطّل قدرات الكثيرين عن الإنتاج والإبداع والتفكير" كما يقول لـ"عربي21 لايت".
اظهار أخبار متعلقة
في حي الأشرفية، أحد أقدم أحياء عمان الشرقية، حيث ما زال يقطن أبو حمدان منذ ولادته، وفي عام 1993 تحديدا؛ بدأت نواة الفكرة تتشكل، حين طلب منه شقيقه مدرس التربية المهنية "عصام" أن يعاونه في صناعة لوحات ومجسمات تعليمية من الكرتون، وألعاب قائمة على منهج "مونتيسوري" (التعلم عن طريق اللعب) وإعادة التدوير لإنتاج هدايا بسيطة.
وبقي على هذا الحال حتى عام 2015، حيث انتشرت لعبة الجاكارو (أصولها تركية) في الأردن، وهي تعتمد على الذكاء في استخدام ورق اللعب للفوز وإجهاض مخططات الخصوم، وكثر الطلب عليها من أبو حمدان الذي كان حينها يملك مكتبة صغيرة ما زالت قائمة حتى اليوم، فقام بصناعتها من الخشب بيديه.
اظهار أخبار متعلقة
وبعد ذلك؛ التفت أبو حمدان إلى إعادة إنتاج عدد من الألعاب القديمة "التي كانت تمثل للأجيال السابقة لعباً قائمة على التحدي والتنافس الشريف، لإثبات من هو الأقوى والأجدر بالفوز، دون أن تؤدي النتيجة إلى خصومة" وفق تعبيره.
ومن هذه الألعاب - مثلا - لعبة السبع جُوَرْ (حفر) "فبعد أن ضاقت مساحات الأراضي الفارغة لإحداث الحفر فيها، قام بصناعتها عن طريق عمل حُفر في لوح خشبي، ليصبح بإمكان الأطفال ممارسة هذه اللعبة في أماكن مختلفة عن السابق".
ويضيف أبو حمدان: "ومن تلك الألعاب أيضا لعبة السبع أحجار، حيث أعدتُ إنتاجها بالخشب، ودمجت بينها وبين السبع جوَر في لعبة واحدة".
وتتابعت صناعة المحترف الأردني للألعاب، وإعادة إنتاجها بألواح الخشب، وكان أبرزها "كيرم" الهندية الأصل، و"المنقل" التركية الأصل، و"إكس أو"، و"معركة السلسلة"، و"الطاحونة" (تسمى أيضا القطار، وأم التسعة)، و"هرم هانو"، ثم انتقل إلى صناعة ألعاب التوازن باليدين والرجلين.
اظهار أخبار متعلقة
ويوضح أبو حمدان الذي يحب أن يطلق عليه جمهوره لقب "صانع التحديات" أن جميع الألعاب التي صنعها لا تهدف إلى التسلية وحسب، "فهي أيضا للتعليم، وتنشيط الذاكرة، وقوة التركيز، وتدريب اللاعب على إيجاد المخارج والخطط البديلة في حال واجه مشكلة في حياته".
ويضيف أن ألعابه تساهم في "كسر الروتين اليومي، وإيقاظ روح التحدي والسعي للانتصار، وضبط ردات الفعل بحكمة وعقلانية، وإعلاء قيم التعاون والتشاركية والإقدام والاعتماد على النفس، وتوثيق الصلات بين الآباء والأبناء، وكسر الحاجز الذي أحدثته بينهم التكنولوجيا الحديثة والأجهزة الذكية".
وفي هذا السياق؛ يبين أبو حمدان أن أكثر الألعاب الإلكترونية تؤثر سلبا على طريقة التفكير السليم، وتضر الذاكرة على المدى الطويل، وتؤدي إلى التفكك الأسري، وتصيب الطفل بالانطواء والخمول والعزلة، وتضعف بصره، وتعوّده على الحفظ دون الفهم، فهو يتعلم أن عليه البقاء في زاوية معينة كي لا يصيبه العدو مثلا، وإذا غضب من الخصم قام بحظره.
اظهار أخبار متعلقة
ويتابع: "أما الألعاب الخشبية التي أصنعها؛ فهي ترسّخ الفهم والفكر والإبداع والتركيز، وسرعة البديهة، والتفاعل مع الأصدقاء وأفراد الأسرة، وإرضاء الخصم إذا تعرض لهزيمة، ودعوته إلى المحاولة ثانية لعله يظفر بالفوز".
ويعرض أبو حمدان ألعابه من خلال المشاركة في بازارات تقام في المدارس والجامعات والجمعيات ومراكز التسوق، ويسمح للأطفال بتجربة ألعابه قبل أن يقرروا شراءها، ويقول إنه يستقبل الطفل بسؤاله "هل تتحداني؟"، ويبدأ معه بالمستوى الأول في ألعابه التي يحرص على أن يجعل لها عدة مستويات.
ويبين أنه يشعر بالمتعة حينما يرى الأبناء والآباء يجرّبون ألعابه، حيث يشهد بنفسه كسر الحواجز بين الطفل واللعبة من جهة، وبين الآباء والأمهات والأبناء من جهة أخرى، "ورغم أن بعض الألعاب قد تتعرض لكسر أو تلف بسبب ذلك، إلا أن شعوره بهذه المتعة لا تقدر بثمن".
وعن إنتاجاته القادمة؛ يقول أبو حمدان إنه في صدد تصنيع 50 لعبة، 30 منها من اختراعه وإبداعه، أكثرها تندرج تحت بند الرياضيات وتنشيط الذاكرة.
اظهار أخبار متعلقة
ويواجه "صانع التحديات" العديد من العوائق، منها المالية والتسويقية، وضعف القدرة الشرائية رغم عدم ارتفاع أسعار الألعاب التي يبيعها، وقلة اهتمام المدارس بالرياضة العقلية، وعدم سعيها للتطوير والتفاعل مع اللعب التعليمية، في مقابل انتشارها على نطاق واسع بأمريكا وبريطانيا وغيرها من دول الغرب.
وتبقى سعادة الأطفال التي تغمرهم أثناء ممارسة ألعاب "أبو حمدان" الدافع الوحيد لينتج المزيد منها، رغم الغصة التي تحيك بصدره؛ لعدم التفات الجهات الرسمية لأهمية الرسالة التي يؤديها، وعدم تبنيه ودعمه بما ينفع الجيل الجديد، وفق ما يقول.