الحديقتان العتيقتان واللتان حظيتا باهتمام ملكي منذ أكثر من 130 عاما تضمان أنواعا عديدة من الحيوانات والأشجار والجداريات والمنشآت النادرة، وتعتبران متنفسين طبيعيين لملايين المصريين سنويا برسوم رمزية منذ عام 1891، وسط مخاوف من خصخصتهما.
في تموز/ يوليو 2023 أعلنت وزارة الزراعة المسؤولة، عن تسليم إدارة حديقتي الحيوان والأورمان بالجيزة، لمدة 25 عاما، إلى تحالف مكون من 3 شركات هي شركة الإنتاج الحربي، وشركة أبناء سيناء، المملوكة لرجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني، وشركة الأهلي فاروس التابعة للبنك الأهلي المصري، بتكلفة تقدر بمليار جنيه (نحو 33 مليون دولار).
طوال السنوات الماضية تعرضت حديقة الحيوان إلى إهمال كبير ما تسبب في خروجها من التصنيف الدولي لحدائق الحيوان في العالم، بحسب وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي لعدة أسباب من بينها غياب التطوير، ونفوق العديد من الحيوانات وعدم القدرة على تعويضها بحيوانات بديلة وعدم اتباع المعايير الدولية في تربية وإيواء الحيوانات، وتهالك البنية التحتية للحديقة.
اظهار أخبار متعلقة
حديقة الحيوان بالجيزة هي أول وأقدم حديقة حيوان في أفريقيا والشرق الأوسط، ومن أقدمها على مستوى العالم أنشأها الخديوي إسماعيل وافتتحها ابنه الخديوي توفيق عام 1891، سُميت "جوهرة التاج" لحدائق حيوان في أفريقيا، وأقيمت على مساحة 80 فدانا، وبدأت بعرض أزهار ونباتات مستوردة غير موجودة في الطبيعة المصرية.
على بعد مئات الأمتار توجد حديقة الأورمان، التي أُنشئت على مساحة نحو 95 فدانا في عام 1875؛ لتحل محل حديقة الفاكهة التي كانت قد أُنشئت عام 1873 من أجل إمداد القصور الملكية بالأشتال؛ حيث احتوت على 100 ألف شتلة ليمون وبرتقال ويوسفي، فأُطلق عليها اسم "حديقة الليمون".
خطوط التطوير واحترام التراث
طالب الأستاذ بكلية الفنون الجميلة، الدكتور حمدي أبو المعاطي، بضرورة الحفاظ على الجداريات على بوابات وسور الحديقة، قائلا: "إن جميع الجداريات الموجودة على بوابات الحديقة تعتبر ثروة فنية وتاريخية للحديقة، ونفذها فنانون كبار لهم تاريخهم الفني.. ويجب عند التطوير الحفاظ عليها إما برفعها أو الحفاظ عليها إذا كان التطوير يشمل تغيير شكل البوابات وإعادة تركيبها مرة أخرى".
وأضاف أبو المعاطي، الذي كان يشغل منصب نقيب التشكيليين سابقا، لـ"عربي21 لايت": "يجب أن تكون المداخل على ضوء تلك الجداريات والحفاظ على أماكنها وعمل تصميم التطوير محافظا عليها والإبقاء عليها كقيمة مهمة تعكس نبض وتاريخ حديقة الحيوانات.. وكذلك الأماكن الداخلية مثل استراحة الملك فاروق وما بها من جداريات ورسوم".
اظهار أخبار متعلقة
كما دعا أبو المعاطي إلى الحفاظ على كل التحف الفنية الموجودة، مؤكدا أن "كل هذه التحف الفنية داخل الحديقة لها قيمة فنية كبيرة ويجب الحفاظ عليها بنفس النسق الذي أشرت إليه بالنسبة للجداريات.. فليس معنى التطوير هو إزالة تلك الأعمال الفنية.. أو الشعب المرجانية باعتبارها من الأشياء التي تعكس مدى تحضر المصريين بالحفاظ عليها وصيانتها.. وكل هذا من معالم الحديقة من زمن بعيد".
رعاية خاصة للحيوانات
بشأن نفوق بعض الحيوانات في حديقة الحيوان، يقول أستاذ الحياة البرية بمعهد صحة الحيوان بمركز البحوث الزراعية، إيهاب هلال، إن "كل فصيل من الحيوانات له متطلبات خاصة سواء معيشية أو غذائية مثل المساحة والتغذية ورعاية ومتابعة المناخ طوال العام ومتابعة الأمراض من خلال فريق بيطري متخصص للحفاظ عليها".
وأوضح هلال لـ"عربي21 لايت"، وهو نقيب البيطريين بمحافظة بورسعيد، أن "إدارة الحديقة قامت من سنتين أو ثلاث سنوات بالتعاقد على رسالة بدل تضمنت 3 زرافات بينها ذكر نفق أثناء تواجده في الحجر الطبي وكان هو الذكر الوحيد وبالتالي أصبح هناك 3 زرافات وبنفوق واحدة لم يعد هناك سوى اثنتين فقط".
وفيما يتعلق بالأشجار والأماكن التراثية في الحديقة، أعرب هلال عن اعتقاده "أن الحفاظ على النباتات والأشجار والأشياء الأثرية والنادرة كان ضمن التعاقد بين الجهات الحكومية والجهات الخاصة المتعاقدة على تطوير الحديقة من أجل رفع كفاءتها".
التطوير ومخاوف التغيير
حذرت رئيسة سلامة الغذاء بنقابة البيطريين، شيرين علي زكي، من المساس بأصول وثوابت الحديقتين، وقالت: "أخشى أن يؤدي التطوير إلى التلاعب بالشكل النمطي والتقليدي الذي وثقته ذاكرة المصريين طوال أكثر من مائة عام، ومنذ الحديث عن التطوير شعرت بنوع من الانقباض تخوفا من عدم الالتزام بالحفاظ على الأشياء التاريخية والنادرة داخل الحديقة".
اظهار أخبار متعلقة
وأضافت في حديثها لـ"عربي21 لايت": "اقترحت على الهيئة العامة للخدمات البيطرية بعض الأفكار لزيادة الإيرادات دون المساس بالأشجار والحيوانات والأماكن النادرة، ولم يتم الأخذ بها، وتفاجأنا بإجراءات التطوير وإغلاق الحديقة وحرمان ملايين المصريين من متنفس طبيعي، وغلقها لمدة عام ونصف وأرجو أن يشمل التطوير الأشياء المستحدثة ولا يطال الأشياء الأثرية والنادرة مثل الأشجار المعمرة والجباليا وحديد الأقفاص المصنوعة بشكل فني لأن لها قيمة فنية وتاريخية وعاطفية".
وأشارت زكي إلى أن "التطوير في حد ذاته ليس خطأ بل هو أمر مطلوب وإذا كان سوف يشمل الحفاظ على القيمة التاريخية وإعادة افتتاح الأماكن المغلقة مثل استراحة الملك فاروق التي كانت مكانا لاستضافة الوزراء فسيكون أمرا مفيدا وجيدا للحديقة والجمهور".