في صيف ريف مصر الحارق، تنتشر الريفيات في حقول البامية منذ الصباح الباكر قبل القيظ، وفي وقت العصاري قبل زوال النهار، حيث يقمن بجد وهمة ونشاط والعرق يغطي وجوههن، بعملية جمع "قرون البامية".
تلك الثمار التي يحملنها في أوعيتهن البلاستيكية إلى منازلهن في القرى ويظللن في ترقب وانتظار مرور التجار الذين يجمعونها من أيديهن إلى أسواق القاهرة والمدن وعواصم المحافظات لبيعها للمستهلك المصري الذي يعشق طبخ البامية بأشكال وأنواع مختلفة، أو إلى مصانع التعبئة والتجميد والتجفيف، تمهيدا لتصديرها إلى أوروبا والدول العربية.
وفي الجزارات والمحلات المصرية المنتشرة في بعض الدول والعواصم الأوروبية وخاصة تلك التي ينتشر فيها المصريون بشكل لافت مثل مدن روما وميلانو في إيطاليا، تجد البامية المجففة وتلك المجمدة، التي يبحث عنها المهاجرون المصريون ليطفئوا نار الشوق إلى أطعمة وخضروات أرض الوطن.
اظهار أخبار متعلقة
والبامية واحدة من النباتات المصرية من فصيلة الخبيزة الغنية بالبروتين، والكربوهيدرات والنياسين، التي يتم زراعتها في مساحات صغيرة، من 5 إلى 10 قراريط، مع حلول منتصف آذار/ مارس، فيما يبدأ الحصاد مع منتصف أيار/ مايو وحتى تشرين الأول/ أكتوبر، وذلك في دلتا مصر، كما يجري استخدام ما تبقى من أعوادها الجافة بعد انتهاء الموسم في صناعة الخبز الريفي في الأفران البلدية.
وتمثل زراعة البامية، مصدرا هاما للدخل لدى الريفيات اللاتي يقوم بعضهن باستئجار عدة قراريط لزراعة البامية وجمعها وبيعها، وتحقيق بعض الأرباح التي يحققن بها بعض الأحلام الصغيرة لهن ولأبنائهن، وذلك بعدما دفعت بعضهن الأوضاع الاقتصادية الصعبة للنزول والعمل في الحقول كأجيرات في المصانع أيضا، ومشاركة الزوج أو الأب في تكلفة الإنفاق.
"عربي21 لايت"، جابت بعض المناطق الزراعية في شمال دلتا مصر، لتجد حقول البامية خالية تماما من جامعي قرونها الشائكة، وذلك لأن تلك الجولة تزامنت مع فترة ري تلك الحقول، حيث يصعب جمع البامية بينما أرضها طينية، وفق ما أكده أبو رضا، مزارع، (50 عاما).
"رزق الصيف"
بمجرد الحديث معه حول أهمية محصول البامية، للمزارعين ولأهل الريف، تذكر ساخرا أغنية "البامية شوكتني ولا أروحشي الغيط"، وهي إحدى الإبداعات الشعبية من قلب الريف المصري، والتي لاقت تفاعلا كبيرا من المصريين، حيث تغنيها فلاحة بسيطة ونجلها من محافظة الشرقية شمال شرق القاهرة.
وقال: "البامية، مصدر دخل في فصل الصيف، ففي الشتاء يرسل لنا الله الخضروات مثل الكرنب، والخس، والجرجير، والبقدونس، والسبانخ، والبسلة، والفول الأخضر، وغيرها من المحاصيل التي تدر بعض الدخل، لكن في الصيف لا يوجد سوى البامية، والملوخية".
وأكد أن "هناك أسرا كاملة يكون عملها خلال شهور الصيف ولمدة 5 أشهر هو زراعة وجمع البامية وتصريفها للتجار، في مقابل جيد يساعد في تحقيق بعض الخطط المنزلية، تماما كما كان موسم جني القطن قبل عقود هو مصدر الدخل الأهم للفلاح، وكان من خلاله يجهز بناته ويزوج أبناءه، ويبني بيته بالطوب اللبن".
"باب رزق واسع"
هانم، وشقيقتها، الوحيدتان اللتان وجدتهما "عربي21 لايت" في أحد الحقول، حيث تأخر ري الحقل لنهاية الربطة -فترة قدوم المياه في الترعة من 5 إلى 7 أيام-، حتى يقوما بجمع ما تبقى من محصول البامية، وتضعان فوق رأسيهما برنيطتين لوقاية رأسيهما ووجهيهما من الشمس الحارقة، إضافة إلى القفازات لحماية أيديهن من شوك البامية.
وقالتا إن "البامية رغم ما نتحمله من تعب وجهد في الشمس لمدة 5 شهور إلا أن ما نحصل عليه من دخل نتيجة هذا التعب له مردود طيب، ويمكننا من خلاله شراء كل ما يحتاجه أبناؤنا، وما نحتاجه نحن أيضا من ملابس، ولبس العيد إن تزامنت مع العيد".
وأكدتا أن "زراعة البامية، تفتح باب رزق واسعا للكثيرين، ومن لا يمتلك أرضا لزراعة البامية يقوم بتأجير بضعة قراريط أو زراعتها بالنصف –نصف المحصول لصاحب الأرض والنصف الآخر للمزارع الذي يقوم بجمع البامية وتصريفها-".
وألمحتا إلى أن "المشتري الذي يدور القرى والعزب والكفور بسيارة نصف نقل أو عبر تروسيكل، أو حتى دراجة بخارية، يحصل على محصولهن اليومي بسعر الكيلو 20 جنيها (نحو 40 سنتا)، ويبيعه بنحو 25 جنيها (نحو 52 سنتا) لكبار التجار أو لأصحاب شركات ومصانع التعبئة والتجفيف والتجميد".
وأوضحتا أن "البامية نوعان: حمراء وخضراء، والأولى هي الأجود والأفضل طعما، ويقومان بجمعها مدة يوم ثم يتم ترك المحصول لينضج ثمارا أخرى ويتم جمعها في اليوم الثالث في الصباح وفي فترة العصر".
اظهار أخبار متعلقة
لذا تحرص الأختان على عمل تقاوي خاصة بهما للعام التالي، ولا تطلبان تقاوي أخرى، مؤكدتين أنهما لا "يثقان إلا في تقاويهما"، فيما ألمحتا إلى أن "هذا العمل الشاق لا يقتصر فقط على النساء، بل إن بعض الرجال والشباب يشاركون إلى جانب زراعة وري البامية في عملية الجمع وذلك بالإضافة إلى عملهم في المصانع والشركات أو مجال المعمار".
وحول أسباب عودة المرأة المصرية للعمل في الحقول منذ 5 إلى 10 سنوات بشكل مكثف كما كانت الأمهات والجدات تعملن في جمع القطن والزراعة وغيرها من أعمال الزراعة الصعبة قبل عقود، أرجعتا السبب إلى "الغلاء وارتفاع الأسعار والرواتب التي لا تكفي حاجة الأسر، من طعام وشراب وعلاج وملبس وتعليم".
وختمتا حديثهما بالقول: "الوضع صعب، ولذا النساء في الغيط ولو لأجل 100 جنيه (أقل من 2 دولار)، والرجال في المصانع، والبامية لها دور كبير في حل بعض الأزمات".
"من الريف إلى أوروبا"
وتعد البامية بالثوم، والبامية باللحم الضاني، والبامية باللحم المفروم، من أشهر أطباق البامية في القاهرة، والوجه البحري، فيما تعد الويكا الخضراء، أحد أهم أطباق المصريين في صعيد مصر، وهي الأطباق التي انتقلت إلى أوروبا مع زيادة تجمعات المصريين هناك.
أم مصطفى، مصرية تقيم وأسرتها في إيطاليا، تحرص على اصطحاب قرون البامية في حقائبها إلى مدينة بريشيا، حيث تقيم على حدود مدينة ميلان الصناعية في الشمال الإيطالي.
وقالت لـ"عربي21 لايت"، "أحيانا يتم مصادرة أكياس البامية في المطار، ولكن البديل جاهز لدينا حيث يتم بيع البامية المجمدة في جزارات مدينة بريشيا وكومو وميلانو وغيرها، ولكنها لا تكون بنفس طعم البامية الطازجة، ولكنها تعوضنا فراق سنوات عن قرون البامية المطبوخة مع اللحم في مصر".
اظهار أخبار متعلقة
ورغم ما للبامية المصرية من سمعة طيبة طوال عقود في الأسواق الخليجية والأوروبية والأمريكية، إلا أنه في الفترة الأخيرة ومع لجوء بعض الفلاحين إلى ري الأراضي من مياه الصرف الصحي، واستخدام بعضهم المبيدات بدون رقابة، ساءت سمعة البامية المصرية، وتوالت التحذيرات من تداول بعض أنواعها في الخارج.
وفي آب/ أغسطس الماضي، حذرت الهيئة العامة للغذاء والدواء السعودية من منتج بامية زيرو مجمدة للعلامة التجارية "سنابل"، والذي يتم إنتاجه في مصر، وذلك لوجود إصابات حشرية.