"شتل الأرز".. موسم إنعاش جيوب طلاب الريف المصري (شاهد)

شتل الأرز - عربي21
يحلم أحد الطلاب بجمع مبلغ مالي من شتل الأرز للهجرة إلى إيطاليا- عربي21
  • القاهرة- عربي21
  • الخميس، 11-07-2024
  • 05:30 م
كانت مواسم "جمع القطن"، و"حصاد القمح"، من أهم مواسم العمل التي تدر بعض الجنيهات على طلاب المدارس في الريف المصري، قبل عقود.

لكنه ومع تراجع نسب زراعة القطن في مصر، وتقدم الآلات الزراعية لزراعة والحصاد لم تعد هناك حاجة ماسة لأيدي عاملة من طلاب المدارس الابتدائية والإعدادية والدبلومات الفنية في مواسم "جني القطن"، و"حصاد القمح".

والآن، لم يبق لطلاب المدارس في الريف المصري سوى موسم "شتل الأرز"، الذي يحل في شهر حزيران/ يونيو في دلتا مصر، ويتزامن مع انتهاء العام الدراسي وموسم الامتحانات، والذي يتبعه بحث الطلاب عن عمل موسمي ينعش جيوبهم.



ورغم ما يواجهه طلاب المدارس في الريف المصري من معاناة مع عملية "شتل الأرز" حيث يظل عدة ساعات في أرض طينية تغوص فيها أقدامه، مع درجة حرارة شديدة، إلا أنها قد تكون مصدر رزق سريع لمدة قصيرة حيث يمتد لعدة أسابيع، فقط.

"في عشق الدومينو.. لكن تنتظره البلهارسيا"

يقول أبوديشة (18 عاما): "أعشق شرب الدخان ومشاهدة مباريات كرة القدم ولعب الضومنة (الدومينو) على مقاهي قريتنا، وشتيل الأرز فرصة للحصول على مبلغ لا يقل عن 10 آلاف جنيه خلال نحو 5 أو 6 أسابيع".

اظهار أخبار متعلقة


ويوضح لـ"عربي21 لايت": "نحن فريق من 7 أفراد معظمهم في المدارس، نتفق على الفدان مقابل 4 آلاف جنيه، لتقليع الأرز المنزرع قبل شهر ونصف من أرض المشتل وهي قطعة أرض صغيرة لتربية الأرز تمهيدا لتوزيعه في باقي الأرض بعد تمهيدها وريها، ثم نقوم بعملية الشتيل بنثر الشتلة بطريقة منظمة في جميع أرجاء الأرض".

ويبين أن "العمل يكون إما بعد صلاة الفجر، أو بعد العصر، بسبب درجات الحرارة العالية"، ملمحا إلى تعرضهم إلى خطر "الإصابة في أقدامهم من قطع زجاج أو أحجار في الأرض، أو حتى الإصابة بأمراض بسبب المياه والحر"، مؤكدا أنهم لا يمكنهم ارتداء أحذية أو قفازات، متوقعا "الإصابة بمرض البلهارسيا"، مع طول تعرضهم للطين والماء.

"جمع رسوم الدراسة.. وهذه المكافأة"
رضا، (22) يقول: "أدرس في معهد خاص، وأدفع نحو 15 ألف جنيه كرسوم دراسية، ويظل العمل الصيفي هو الفرصة الوحيدة أمامي للحصول على ضعف هذا المبلغ لتلبية متطلبات الدراسة وشراء الملابس".

اظهار أخبار متعلقة


ويشير في حديثه لـ"عربي21 لايت"، إلى أن "فريقه سريع وينهي شتل الفدان الواحد خلال 4 ساعات"، وأنه يمنح نفسه "بعض المكافأة بعد تعب الموسم برحلة مع أصدقائه أو أسرته ليوم واحد إلى شاطئ العين السخنة على البحر الأحمر أو الإسكندرية حيث البحر المتوسط".

"احتراف الشتيل.. وحلم إيطاليا"
ويقول مصطفى، (16 عاما): "أنهيت المرحلة الإعدادية وأدخل الصف الأول بالمدارس الثانوية الصناعية، وبينما أنا في المرحلة الإبتدائية كنت أقوم وزملائي بتكوين فريق لشتل الأرز في مساحات صغيرة، وكان يرفضنا بعض الأهالي فكنا نضطر لأخذ أجر أقل حتى يقبلونا حتى تعلمنا وصار فريقنا المسمى بـ(حمام) يُطلب بالاسم".




ويضيف لـ"عربي21 لايت": "من شتل الأرز، أحلم بجمع مبلغ يمكنني به السفر إلى ليبيا للهجرة إلى إيطاليا عبر البحر، كما فعل أخي، الأكبر، الذي حاول مرارا ولكنه لم يوفق، وجاء الدور علي الآن لكي أجرب في السفر لأوروبا، رغم رفض عائلتي ولكنني يوما ما سأفعل ذلك مع بعض أعضاء فريقي".

"ليس سهلا"
ويقول على (12 عاما): "حاولت أن انضم لإحدى الفرق التي تعمل في شتل الأرز، ولكنهم رفضوا، وقالوا ليس لديك خبرة، وستعطل الفريق عن العمل، وبالفعل جربت مرة وكان الأمر صعبا حيث يكون الشتيل بطريقة معينة حتى لا تخلو قطعة أرض من الأرز ولا يزيد في مكان آخر، بجانب أن صاحب الأرض رفض استمراري".

"موسم لهؤلاء"
الأمر، لم يتوقف فقط على عمل طلاب المدراس، بل امتد إلى أصحاب المهن الحرة وحتى بعض الموظفين والعاملين في المصانع والشركات وقت راحتهم، فالمساحات المنزرعة من الأرز واسعة في شمال الدلتا، والفلاح لم يعد لديه من يقوم بمساعدته من أسرته ويعتمد على الأنفار أو الشغيلة مقابل المال.

طيب، وحمدي، وحسين، ومحمد، تاجر أنابيب، وحارس أمن، وعامل في إحدى شركات القطاع الخاص، وعامل في المعمار، أكدوا أن "شتل الأرز موسم عمل سنوي لهم، وإن لم يكن يوميا خلال الموسم إلا أنه فرصة لجني بعض الأموال، ولتعويض ضعف الأجور والرواتب والغلاء، فخلال عدة ساعات نحصل على نحو 4 آلاف جنيه مقابل شتل الفدان".

"لهذا يفضلون النساء"
أصحاب المساحات الواسعة من الأراضي المنزرعة من الأرز، والذين لا يلجأون إلى زراعة الأرض بالستارة أو الالات الحديثة، لا يلجأون إلى طلاب المدراس لكنهم يفضلون فرق الشتيل من النساء، بل ويطلبونهن كل موسم، نظرا لرخص أجرهن.

اظهار أخبار متعلقة


تقول نعمة، (45 عاما): "كل موسم شتل الأرز، تأتي سيارات إلى قريتنا تحمل عشرات النساء منذ آذان الفجر، لشتل الأرز في أراضي واسعة في عمل شبه يومي لمدة شهر ونصف، يكون فرصة كبيرة لنا للحصول على المال (من 300 إلى 400 جنيه)، فمنا من تقوم بتجهيز بناتها للزواج وكل عام تقوم بشراء أدوات المطبخ أو المفروشات أو جهاز كهربائي".




وتضيف لـ"عربي21 لايت": "ومنا من تقوم بتوضيب بيتها أو إعادة فرشه أو شراء أساس له، أو جمع مبلغ لبناء عدة حجرات أو وضع سقف، أو تمحير جزء أو تشطيب كهرباء أو سباكة".

وتظل زراعة الأرز إلى جانب زراعة الذرة والسمسم الملوخية والبامية، من أهم الزراعات الصيفية في دلتا مصر، والتي تواجه العديد من الأزمات، مع ضعف وصول المياه إلى نهايات الترع والمساقي، وفق حديث بعض المزارعين.

اظهار أخبار متعلقة


وفي المقابل، يعد الأرز من أهم السلع المرتبطة بالأمن الغذائي لأكثر من 106 ملايين مصري، وأكثرها استهلاكا كطبق شعبي يومي بعد الخبز لدى الطبقات الشعبية والفقيرة التي تمثل النسبة الأعظم من المصريين.

وحسب منظمة الإنتاج الزراعي "تريد ميكس"، فإن مصر تتصدر الدول العربية المنتجة للأرز في موسم (2023/2024)، بنحو 3.78 ملايين طن.
شارك
التعليقات