وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن مسبب المرض يجب أن يتغلب على مختلف الآليات المناعية حتى يصيب الإنسان بالمرض. أولاً يدخل الجسم عن طريق تجاوز الحواجز الطبيعية مثل الجلد والمخاط والأهداب وحمض المعدة. ثم يحتاج إلى التكاثر، وهي عملية يمكن لبعض البكتيريا والطفيليات القيام بها فعليًا في أي مكان في الجسم، في حين أن الفيروسات وبعض مسببات الأمراض الأخرى لا يمكنها القيام بذلك إلا من داخل الخلية. وفي الوقت نفسه، يجب على مسبب المرض التصدي لهجمات الجهاز المناعي.
مع أن الميكروبات تحيط بنا في كل مكان، إلا أن عدد ما يدخل أجسامنا منها عادة ما يكون منخفضًا للغاية بحيث إنها لا تتمكن من تجاوز دفاعاتنا. وعندما يتمكن عدد كافٍ من مسببات الأمراض من اختراق دفاعاتنا والبدء بالتكاثر، حينها نمرض. وغالبًا ما تكون هذه مجرد لعبة أرقام. فكلما زاد عدد الغزاة الذين تقاتلهم، زاد احتمال شعورك بالمرض.
كم عدد الميكروبات التي يجب أن تدخل الجسم قبل أن نشعر بالمرض؟
هذا يختلف بحسب العامل الممرض أو ما يعرف بـ"الجرعة المعدية" للميكروب. تتطلب بعض الميكروبات عددًا صغيرًا للغاية من الكائنات الحية لبدء العدوى مثل النوروفيروس، وهو جرثومة المعدة سيئة السمعة التي تنتشر عندما يكون الناس على اتصال وثيق ويلمسون نفس الأسطح، كما هو الحال على متن السفن السياحية.
اظهار أخبار متعلقة
يمكن أن تضم جرعته المعدية 18 فيروسًا فرديًا، ما يجعل من السهل جدًا نقلها كما أنه شديد التحمل حتى خارج الجسم، لذا فإن الشخص المصاب الذي يفرز الفيروس قد يترك كمية كبيرة منه خلفه، بما يكفي لإصابة الآخرين بسهولة، حتى بعد عدة أيام.
ماذا عن مفهوم "الحمل الفيروسي"؟
إنها أفكار متشابهة، ولكن تشير الجرعة المعدية إلى عدد الكائنات الحية التي ستؤدي إلى العدوى، في حين أن المقصود بالحمل الفيروسي هو القياس النشط للعدوى، وهو عدد الكائنات الحية التي تتكاثر داخل المضيف. تم تقديم المصطلح لأول مرة لعامة الناس كجزء من فهمنا لفيروس الإيدز، وتزايد استخدامه بعد جائحة كوفيد-19.
كيف يتوصل الباحثون إلى الجرعة المعدية للميكروب؟
لا يزال هذا علمًا غير دقيق. وتتضمن الدراسة إعطاء الناس جرعة من العامل الممرض عن عمد. لسوء الحظ، هذا النهج صعب من الناحية الأخلاقية لأنه ينطوي على خطر الإصابة بمرض خطير ومضاعفات محتملة على المدى الطويل. بدلًا من ذلك، يقوم الباحثون بتعريض خنازير غينيا، أو الجرذان، أو الفئران، أو القوارض، للعامل الممرض. مع ذلك، فإنه من الصعب استقراء الجرعة الحيوانية بشكل مباشر مع نظيرتها البشرية.
وأوضحت المجلة أن طريقة العدوى مهمة لأن دخول العامل الممرض الجسم مباشرة عبر مجرى الدم يتطلب لإمراضنا عددًا أقل بكثير من الميكروبات مقارنة بالدخول عبر الفم أو الرئتين، لأن مجرى الدم يسمح للعامل الممرض بتجاوز العديد من دفاعات الجسم المضيف. لهذا السبب، يكون خطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية مثلا أعلى بكثير عندما يتعلق الأمر بنقل الدم أو الإبرة مقارنة بالعدوى الجنسية. أما الطريقة الثالثة لمحاولة معرفة الجرعة المعدية فهي استخدام الدراسات الرصدية، حيث يستنتج الباحثون الرقم من معرفة المدة التي يستغرقها الشخص المعرض حتى يمرض.
اظهار أخبار متعلقة
لماذا تكون الجرعات المعدية لبعض مسببات الأمراض أعلى أو أقل من جرعات البعض الآخر؟
نحن لسنا متأكدين، قد يكون بسبب كيفية عمل الغازي. اقترح الباحثون أن مسببات الأمراض التي تتطلب اتصالاً مباشرًا مع الخلايا المضيفة تميل إلى أن تكون أكثر فعالية، لذلك تكون جرعاتها المعدية منخفضة إلى حد ما. ولكن إذا هاجمت البكتيريا الخلايا المضيفة بشكل غير مباشر (مثل إفراز البروتينات التي تلحق الضرر بالخلايا المضيفة)، فمن الضروري حينها الحصول على جرعة أكبر من البكتيريا لإصابة المضيف، لأن الإفرازات المعدلة للمضيف تقلل من تأثيره بمرور الوقت وتغير المكان.
ما الذي نعرفه عن الجرعة المعدية للفيروس المسبب لمرض كوفيد-19؟
لقد تعلمنا الكثير خلال ما يقارب الأربع سنوات منذ ظهوره لأول مرة، ولكن الكثير منه يأتي من النماذج الحيوانية للعدوى ودراسات المراقبة البشرية. تتطلب معظم النماذج الحيوانية جرعة عالية من الفيروس – 10 آلاف إلى 1 مليون من "وحدات تشكيل اللويحة"، حيث تكون كل وحدة كافية لإصابة خلية في زراعة الأنسجة وقتلها. ومع ذلك، تشير الدراسات الرصدية على البشر إلى أن الجرعة المعدية قد تكون حوالي 100 إلى 400 وحدة من تشكيل اللويحة في المتوسط، على الرغم من أن هذه الطريقة لا تقدم سوى مبادئ توجيهية تقريبية للغاية.
تشير هذه الدراسات إلى أن أحد أسباب سهولة انتقال الفيروس هو احتواؤه على جرعة معدية منخفضة نسبيًا، على غرار فيروسات الجهاز التنفسي الأخرى مثل الفيروس المِخلوي التنفسي والفيروسات التاجية "نزلات البرد".
وعندما نقارن الجرعة المعدية بكمية الفيروس التي يطلقها شخص مصاب، فليس من المستغرب أن ينتشر الفيروس بهذه السرعة. وتظهر نسخة أولية حديثة أن المرضى المصابين يمكنهم نشر ما يصل إلى 800 نسخة من الحمض النووي الريبي الفيروسي في الدقيقة لمدة ثمانية أيام تقريبًا بعد بدء الأعراض.
وذكرت المجلة أننا لا نستطيع ترجمة نسخ الحمض النووي الريبوزي مباشرة إلى كمية جزيئات الفيروس الحية، حتى إذا كانت نصف نسخ الحمض النووي الريبوزي هذه من فيروس معدٍ حاليًا، لكن من الممكن نظريًا الحصول على جرعة كبيرة بما يكفي لبدء العدوى في دقيقة واحدة فقط بمجرد الاقتراب من الشخص المصاب.
هل ترفع اللقاحات الجرعة المعدية؟
عندما يواجه شخص ما العامل الممرض للمرة الثانية، فإن العديد من دفاعات المضيف تبدأ بالعمل. ترتبط الأجسام المضادة المتولدة من التطعيم أو العدوى السابقة بالميكروب الغازي وتتداخل مع قدرته على الارتباط بالخلية المضيفة أو عزل الميكروب ليتم ابتلاعه بواسطة خلايا تسمى العدلات.
اظهار أخبار متعلقة
وإذا تمكن الفيروس من غزو الخلية المضيفة، فإنه سيتم استهدافها بواسطة خلايا الذاكرة التائية. بسبب هذه الاستجابة السريعة، ينجو عدد أقل من الميكروبات الغازية مقارنة بأول عدوى، ما يزيد بشكل فعال الجرعة المعدية.
كيف يمكن لهذه المعرفة أن تساعدنا على تجنب الأمراض؟
يعتمد التعرض على تركيز مسببات الأمراض ووقت الاتصال، لذا إذا تمكنت من تقليل أي منهما، فيمكنك تجنب الأمراض المعدية بشكل أفضل. لهذا السبب، أوصى الخبراء بنموذج "الجبن السويسري" للحماية الطبقية، حيث يلعب التباعد الاجتماعي عن الأفراد الآخرين دورا رئيسيا. كلما كنت بعيدًا عن شخص معدٍ، قل عدد جزيئاته الفيروسية التي ستتعرض لها.
وتعمل التهوية أيضًا على تخفيف عدد الجزيئات الفيروسية في الهواء، ولهذا السبب فإن التواجد بالخارج أو استخدام مرشح الهواء في الداخل يقلل من خطر الإصابة بالعدوى.
اظهار أخبار متعلقة
ويعد التطعيم طريقة أخرى لتقليل خطر الإصابة بعدوى كوفيد-19. وعلى الرغم من أن اللقاحات غير مثالية، إلا أن التطعيم لا يزال يقلل من خطر الإصابة بالعدوى في المقام الأول عن طريق زيادة الجرعة المعدية اللازمة لبدء العدوى. كما أنه يقلل من فرص الإصابة بمرض خطير.
من خلال الحد من الاحتكاك بالآخرين وزيادة التهوية والتباعد يمكن تقليل عدد الميكروبات التي تتعرض لها. أما التطعيم فيزيد من الجرعة المعدية. وهذه هي ركائز الحماية ضد العدوى من كل مسببات الأمراض تقريبًا. ومع أن ديناميكيات انتقال العدوى معقدة، إلا أن التدخلات التي يمكننا اتخاذها لحماية أنفسنا بسيطة نسبيًا.