ونشر موقع "ساينس أليرت" تقريرًا، ترجمته "عربي21"، قال فيه إن هناك العديد من المحاولات لجعل الحوسبة أقرب ما يكون إلى الدماغ، لكن هناك مجهود جديد يأخذ الأمور خطوة أبعد، وذلك بدمج أنسجة دماغ إنسان حقيقية مع الإلكترونيات؛ حيث تسمى هذه التقنية "براينووير"، وهي تقنية ناجحة؛ فقد أدخل فريق بقيادة المهندس فنج غوو من جامعة إنديانا بلومينغتون التقنية بمهام مثل التعرف على الكلام ومسائل الرياضيات مثل توقع المعادلات اللاخطية، وكانت دقتها أقل بقليل من حاسوب الأجهزة الصلبة الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي، لكن البحث يعتبر خطوة مهمة أولى في نوع جديد من هندسة الحواسيب.
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح الموقع أنه برغم كون غوو وزملائه اتبعوا الإرشادات الأخلاقية في تطوير "براينووير"؛ فإن العديد من الباحثين من جامعة جونز هوبكنز لاحظوا في تعليق متصل في "نيتشر إلكترونكس" أهمية وضع الحفاظ على الاعتبارات الأخلاقية في الاعتبار أثناء توسيع هذه التكنولوجيا أكثر، وتحذر لينا سميرنوفا وبراين كافو وإريك سي جونسون، الذين لم يشاركوا في الدراسة، قائلين: "مع تزايد تعقيد هذه الأنظمة العضوية، من الضروري للمجتمع أن يفحص القضايا الأخلاقية العديدة التي تحيط بأنظمة الحوسبة البيولوجية التي تضم أنسجة عصبية بشرية".
وذكر الموقع أن دماغ الإنسان مدهش بطريقة مذهلة؛ فهو يحتوي على حوالي 86 مليار خلية عصبية، وتصل الشبكات العصبية فيه إلى الكوادريليون، وكل خلية عصبية متصلة بما يصل إلى 10,000 خلية عصبية أخرى، وهي في تواصل وتبادل دائم للإشارات، وأفضل محاولاتنا لمحاكاة نشاط الدماغ في نظام اصطناعي لم تكن إلا خدشًا للسطح.
ففي عام 2013؛ قام الكمبيوتر "كي" التابع لمعهد ريكن - والذي كان واحداً من أقوى الحواسيب الخارقة في العالم - بمحاولة لمحاكاة الدماغ، وباستخدام 82,944 معالجًا وبيتايت من ذاكرة الوصول العشوائي؛ فقد استغرق 40 دقيقة لمحاكاة ثانية واحدة من نشاط 1,73 مليار خلية عصبية متصلة بـ 10,4 تريليونات شبكة عصبية، وهو ما يمثل حوالي واحدا إلى اثنين في المئة فقط من الدماغ.
وبين الموقع أنه في السنوات الأخيرة؛ سعى العلماء والمهندسون للاقتراب من قدرات الدماغ عن طريق تصميم الأجهزة والخوارزميات التي تحاكي هيكله وطريقة عمله، وتُعرف هذه التقنية باسم الحوسبة العصبية الشبيهة بالأعصاب، وهي في تحسن مستمر لكنها تستهلك الطاقة بشكل كبير، كما أن تدريب الشبكات العصبية الصناعية يستغرق وقتًا طويلًا.
وسعى غوو وزملاؤه نحو نهج مختلف باستخدام أنسجة دماغية بشرية حقيقية نمت في المختبر، فقد تم إغراء الخلايا الجذعية الجنينية البشرية لتتطور إلى أنواع مختلفة من خلايا الدماغ التي نُظِّمَتْ إلى عُضِيَّات دماغية صغيرة ثلاثية الأبعاد تُعرف بالأوركانويدات، وهي كاملة مع الوصلات والهياكل.
وأشار الموقع إلى أن هذه ليست أدمغة حقيقية، ولكنها مجرد ترتيبات للأنسجة بدون شيء يشبه التفكير أو العاطفة أو الوعي، وهي مفيدة لدراسة كيفية تطور الدماغ وكيفية عمله، بدون الحاجة للتجسس داخل إنسان حقيقي.
وتتكون تقنية "براينووير" من أعضاء الدماغ متصلة بمصفوفة من المجسات الكهربائية عالية الكثافة، باستخدام نوع من الشبكات العصبية الصناعية يُعرف بالحوسبة الخزانية؛ حيث ينقل التحفيز الكهربائي المعلومات إلى العضو - الخزان الذي يتم فيه معالجة تلك المعلومات - قبل أن يُخرج "براينووير" حساباته على شكل نشاط عصبي يستخدم الأجهزة العتاد الحاسوبي العادي لطبقات الإدخال والإخراج، وكان لا بد من تدريب هذه الطبقات لتعمل مع العضو؛ حيث تقوم طبقة الإخراج بقراءة البيانات العصبية وإجراء التصنيفات أو التوقعات بناءً على الإدخال لاختبار النظام.
اظهار أخبار متعلقة
وقدم الباحثون لـ"براينووير" 240 مقطعًا صوتيًا من ثمانية متكلمين ذكور يصدرون أصوات الحروف الحشوية اليابانية، وطلبوا منه التعرف على صوت فرد معين؛ حيث بدأوا بعضو نقي، وبعد التدريب لمدة يومين فقط، استطاع "براينووير" التعرف على المتحدث بدقة تبلغ 78 في المئة، كما طلبوا من "براينووير" التنبؤ بخريطة هينون، وهو نظام ديناميكي يظهر سلوكًا فوضويًا، وتركوه غير مراقب ليتعلم على مدى أربعة أيام - كل يوم يمثل حقبة تدريبية - ووجدوا أنه كان قادرًا على التنبؤ بالخريطة بدقة أفضل من شبكة عصبية صناعية بدون وحدة ذاكرة قصيرة الأمد طويلة، وكان "براينووير" أقل دقة قليلاً من الشبكات العصبية الصناعية مع وحدة ذاكرة قصيرة الأمد طويلة، لكن تلك الشبكات خضعت كل منها لـ 50 حقبة تدريبية، وحقق "براينووير" نتائج مقاربة في أقل من 10 في المئة من وقت التدريب "بسبب القابلية العالية للتشكل والتكيف للأعضاء".
واختتم الموقع التقرير بالقول إن "براينووير يتمتع بالمرونة للتغيير وإعادة التنظيم استجابةً للتحفيز الكهربائي، مما يبرز قدرته على الحوسبة الخزانية التكيفية"، ويرى الباحثون سميرنوفا وكافو وجونسون أنه "لا تزال هناك قيود كبيرة، بما في ذلك موضوع إبقاء الأعضاء على قيد الحياة وفي صحة جيدة، ومستويات استهلاك الطاقة للمعدات الطرفية، ولكن مع مراعاة الاعتبارات الأخلاقية؛ فلدى "براينووير" آثار ليس فقط على الحوسبة، ولكن أيضًا على فهم أسرار الدماغ البشري"، مضيفين: "قد تمضي عقود قبل أن يمكن إنشاء أنظمة حوسبة بيولوجية عامة، ولكن من المرجح أن يولد هذا البحث رؤى أساسية حول آليات التعلم والتطور العصبي والآثار المعرفية للأمراض العصبية التنكسية، وقد يساعد أيضًا في تطوير نماذج ما قبل السريرية للاضطرابات المعرفية لاختبار علاجات جديدة".