عاد الهدوء إلى ساحة هرم "منكاورع" بمنطقة آثار الهرم بالجيزة، إلا من صوت وقع أقدام بعض السياح المعتادة، بعد توقف العمل في ما يسمى "بمشروع القرن"، الذي بدأه المجلس الأعلى للآثار بتمويل أجنبي بإعادة الكساء الخارجي للهرم، تزامنا مع الافتتاح الوشيك للمتحف المصري الكبير.
"عربي21 لايت"، زارت منطقة الأهرامات وتحديدا الهرم الأصغر "منكاورع"، أو كما يطلقون عليه في العامية "منقرع" للاختصار، وقد تم ردم الحفرة أمام الهرم، وتوقفت عمليات الكساء التي بدت كالحزام حول قاعدة الهرم، ولكنها لم تكتمل، وأثار المشروع الذي كشف عنه الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، مصطفى وزيري، ووصفه بأنه "هدية مصر للعالم"، ردود فعل واسعة من قبل أثريين ومعماريين ونشطاء، وتغليب الأهداف التجارية على الأثار والتاريخ، ما دفع وزارة السياحة والآثار إلى تشكيل لجنة علمية لبحث المشروع.
إظهار أخبار متعلقة
تضمن القرار الوزاري تشكيل لجنة علمية عليا برئاسة عالم الآثار ووزير الآثار الأسبق الدكتور زاهي حواس، وعضوية عدد من كبار العلماء المتخصصين في الآثار، لاسيما الأهرامات، والهندسة من المصريين والأجانب من الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية التشيك ودولة ألمانيا، لمراجعة المشروع المشترك بين المجلس الأعلى للآثار وبعثة جامعة واسيدا اليابانية، والمقدم لإجراء أعمال الترميم المعماري لهرم منكاورع بمنطقة آثار الهرم.
بات "مشروع القرن" مرهونا بصدور تقرير اللجنة، وهي المنوط بها إتخاذ قرار المضي قدما في المشروع من عدمه، على أن يتضمن التقرير أيضا الإجراءات والخطوات كافة، الواجب إتباعها للتنسيق المطلوب مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (UNESCO ) في هذا الشأن.
وكانت وزارة السياحة والآثار ممثلة في المجلس الأعلى للآثار من خلال بعثة أثرية مصرية يابانية مشتركة، قد بدأت مؤخرا برئاسة كل من الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور مصطفى وزيري ود.يوشيمورا ساكوجي في مشروع دراسة وتوثيق البلوكات الجرانيتية، التي تمثل الكساء الخارجي لهرم الملك منكاورع، الموجودة بمنطقة أهرامات الجيزة؛ وذلك تمهيدا لإعادة تركيبها.
وبرر وزيري حماسه الكبير لتنفيذ المشروع الذي ظهر به من خلال إعلان على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بأن هذا المشروع سيساهم في رؤية هرم الملك منكاورع لأول مرة كاملا بالكساء الخارجي له كما بناه المصري القديم.
كانت البولوكات الجرانيتية للكساء الخارجي للهرم حوالي 16 بلوكا لم يتبق منها حاليا سوى 7 بلوكات فقط، وهو ما سيقوم المشروع بالعمل على دراستها وترميمها وتوثيقها وإعادة تركيبها، بحسب وزيري.
إظهار أخبار متعلقة
هرم "منكاورع" 2500 قبل الميلاد، هو أصغر الأهرامات الثلاثة الرئيسية في منطقة أهرامات الجيزة التي يبلغ طول كل ضلع من أضلاعه 108.5 مترات وارتفاعه 65.5 مترا، يبلغ طوله حاليا 62 مترا، وذلك بعد سقوط كسوته الخارجية، اعتقد أنه بني ليكون بمنزلة مقبرة للفرعون المصري منقرع (ابن الملك خفرع) من الأسرة المصرية الرابعة.
مشروع مثير للجدل والتساؤلات
وبسؤال كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار الدكتور مجدي شاكر، إذا ما كان الكساء الجديد سيعيد الهرم إلى صورته السابقة، ألا يغير ذلك من صورة الأهرام المطبوعة في أذهان الناس على مستوى العالم، وربما يأتي بنتاج عكسية؟ قال: "بكل تأكيد سيغير ذلك من صورة الهرم الذهنية والثقافية والنمطية، ولكن هل يقبل العالم الشكل الجديد؟ في الواقع نحن بحاجة إلى عقود وأجيال جديدة حتى تتعود على الشكل الجديد، والهرم له صور منذ اختراع الكاميرات الحديثة، وله رسومات منذ مئات السنين بريشة رسامين كبار، من ثم نحن بحاجة إلى وقت للتعود على الصورة الجديدة للهرم".
وتساءل في حديثه لـ"عربي21 لايت": "ما هو المردود من هذا المشروع، هل هو أن أعيد الشيء إلى أصله؟ يقولون؛ إن دراسة الشغل أهم من الشغل ذاته.. لن يزيد المشروع في جذب السياحة وغالبية الزوار يذهبون إلى الهرم الأكبر خوفو ثم خفرع، ويأتي الأخير منكاورع.. وهل الأحجار أسفل قاعدة الهرم سوف تكفي لإعادة الكسوة كاملة؟".
وأضاف: "في علم الترميم، هناك شيء اسمه إعادة البناء وإعادة التركيب. إعادة البناء عندما يكون لدينا أثر تعرض إلى زلزال أو تدمير أو للغرق، إلخ. أما إعادة التركيب، فهي عندما يكون لدي أثر مثل مسلة أو تمثال مهشم وأريد إعادة تركيبه، خاصة أن نحو 80% من أجزاء الأثر موجودة، وهناك مواثيق دولية للترميم تحكم هذه العملية، وعادة ما تكون من أجل درء الخطورة والحماية".
وأعرب كبير الأثريين عن اعتقاده أن "قرار تشكيل اللجنة ربما يقضي على أي مشروع، وبنسبة كبيرة لن يتم. المجموعة التي تم تشكيلها هي التي ستحدد شكل المشروع، وأعتقد أنها قد توافق على الجزء الخاص بتنظيف المكان وتنظيم الأحجار وتسويرها. أما الجزء الخاص بتركيب الأحجار، فلن يتم الآن؛ لأنه بحاجة إلى دراسة علمية دقيقة، وقد نقع في أزمة أن الأحجار المحيطة بالهرم لا تكفي الكسوة كلها، أو أن الشكل العام لا يحظى بقبول العالم، خاصة أن الأهرام أثر عالمي وليس مصريا".
واختتم شاكر حديثه بالقول؛ إن "الأحجار التي وقعت من مسافة عالية بالتأكيد تكسرت، وعوامل التعرية أثرت بها، نحن لدينا العديد من الأسئلة بحاجة إلى إجابات علمية، ولا يمكن الاستعاضة بأحجار أخرى حتى وإن كانت في محيط الهرم، ما لم يتم استعمالها ولم تمتد يد المصري القديم إليها، ولكنه أحضرها في إطار البناء ولم يحتج إليها، ومن ثم هي ليست أثرية حتى وإن كانت قديمة".
توقعات برفض المشروع
في غضون ذلك، قال أحد مفتشي الآثار بوزارة السياحة والآثار؛ إنه " تم ردم الحفرة أمام الهرم وتوقف العمل"، موضحا: "أن العمل من البداية كان خطأ ولا يجب أن يتم الإعلان عنه قبل معرفة التفاصيل والكيفية، وهل تبطين الهرم سوف يفيد ويكون مقبولا أم ترفضه المؤسسات العالمية، التي تهتم بالآثار كاليونيسكو التي انزعجت كثيرا من هذا الموضوع؟".
إظهار أخبار متعلقة
وتوقع المفتش الذي فضل عدم ذكر اسمه من مكان الهرم الأصغر ، في حديثه لـ"عربي21 لايت"، أن العمل توقف ولن يتم نهائيا، وفي انتظار قرار اللجنة المشكلة التي يرأسها الدكتور زاهي حواس، بعد أن صدر قرار من وزير الآثار بتشكيلها بعد الضجة التي حدثت بعد الإعلان عن تبطين الهرم الأصغر بالجرانيت".
مشروع غير محسوب العواقب
بدوره، رفض المتخصص في أعمال الترميم والمدير التنفيذي السابق للوحدة الإنتاجية بوزارة الآثار، عادل حامد، استكمال المشروع، وقال: "اللجنة التي تشكلت من وزارة الآثار بسبب الضجة التي أثيرت على وسائل التواصل الاجتماعي، غياب التنسيق حول هذا العمل الذي قد يضر أكثر مما ينفع، وإذا كان هذا المشروع سيضيف جديدا لماذا لم يتقدم به السابقون، هذه مغامرة غير محسوبة المخاطر".
واستبعد في حديثه لـ"عربي21 لايت"، أن "تكون هناك وثائق تؤكد وجود تكسيات كاملة، ولدينا في مجال ترميم الآثار أول شيء نستند إليه عند الاستكمال وجود مرجعية مثل صورة أو فيديو أو بعثة، وثقت في القرن الماضي أو في أي وقت سابق أن الأضلاع الأربعة كانت مكسوة، وليس معنى أن يكون الضلع الشمالي به تكسيات يعني أن بقية الأضلاع بها التكسية نفسها".
واستدرك: "النقطة الثانية عوامل التعرية للحجر الجيري كيف ستعيد الحجر إلى مكانه حتى وإن كانت دراسة رقمية، فهي قائمة على التوقع والتخمين وعوامل التعرية غيرت من طبيعة الحجر الجيري وقد تغيرت أبعاده، النقطة الثالثة هي إنشائية بحتة هل تتحمل الأضلاع مداميك الجرانيت في الوقت الراهن، الأمر بحاجة إلى دراسة لأن تكنيك إنشاء وبناء الأهرامات نفسه غير معلوم حتى اليوم".
وتابع حامد: "أرى إن كان هناك تمويلا من البعثة اليابانية أن يكون استخدامه في آثار ثابتة ومعلومة وحديثة مثل الآثار في العصور الإسلامية والقبطية والرومانية، ولا نذهب إلى أكبر قاعدة من الآثار، وهي الأهرامات، وتعد من عجائب الدنيا، والناس اعتادوا على الشكل العام وليس بحاجة إلى تكسية، هذا المشروع غير مدروس بشكل كاف، ولا يستند إلى أسس حقيقية مطلقة، من وجهة نظري من الناحية الأثرية والتنفيذية، فإن الهرم ليس بحاجة إلى ذلك، والأولى إدخال هذه المبالغ في مبان أثرية آيلة للسقوط".
وفي وقت سابق، أصدر المجلس العربي للاتحاد العام للآثاريين العرب بيانًا تحت عنوان "أوقفوا العبث بآثار مصر"، في مشروع لا جدوى منه إلا إحراج مصر دوليّا، وإحراج علماء الآثار بمصر والخارج، وأن آثار مصر أمانة وليست محلا للتجارب والتشويه.