يحظى طبق المخلل أو "الطرشي" كما في اللهجة المصرية بأهمية كبيرة خلال شهر رمضان المبارك، وتروج صناعة وبيع المخللات بجميع أنواعها في المحلات والأسواق، وعلى الطرقات ويتفرغ البعض لبيع المخلل طوال الشهر الكريم.
"الطرشي" كلمة فارسية تعني الثمار المملحة، التي توضع في إناء مغلق حتى تتحول إلى حالة حمضية وبالعربية تسمى "المخلل" أي الثمار الموضوعة في الخل والملح حتى تخللها، وبالتركية "تورشو"، وباليونانية القديمة "تورسي".
وعرف الإنسان المخلل منذ آلاف السنين، ولكن لا يوجد تاريخ محدد، وسجلت الآثار الفرعونية القديمة تناول المصريين المخلل في وجباتهم، وظل منتشرا في عموم البلاد واشتهر في العصر البطلمي حيث كانت الملكة كليوباترا تهتم بأكل المخلل واعتبروه حينها أحد عناصر القوة.
أشهر المقبلات في رمضان
المخلل بشكل عام يستخدم كفاتح للشهية وأحد أشهر المقبلات بشكل عام على الموائد ويحتوي على كميات عالية من الملح، ولذلك لا ينصح بتناوله بكثرة، وتحظى صناعة المخلل بشهرة واسعة في البلدان العربية خاصة الشام والعراق ومصر والمغرب العربي.
اظهار أخبار متعلقة
لا يقتصر المخلل على أنواع بعينها من الثمار أو الخضروات ولكن تشتهر بعض الخضروات دون غيرها بالدخول في صناعة المخلل بسبب سهولته ورخص ثمنه وتوفره طوال العام. وهناك أنواع كثيرة من المخلل بحسب نوع الثمار وطريقة الصناعة.
يعد المخلل أحد أشهر عادات شهر رمضان الكريم وأحد مظاهر الاحتفال بالشهر حيث تنتشر تجارته وصناعته بشكل كبير طوال الشهر، ويباع إما في أكياس أو برطمانات زجاجية أو بلاستيكية، ويعد أشهرها زيتون المائدة الأخضر والأسود.
تحتل مصر المرتبة الأولى عالميا في إنتاج زيتون المائدة – زيتون المخلل المملح، وبمتوسط إنتاجية يبلغ 4.3 طن للفدان وبأسعار معقولة، حيث تنتشر زراعته في شمال سيناء وشمال مصر على الساحل الشمالي وواحة سيوة والفيوم.
صناعة المخلل القديمة
يقول المهندس محمد عبد الرحمن أحد المتخصصين في صناعة وبيع المخلل في الجيزة، إنه "لا يمكن تصور شكل مائدة رمضان بدون طبق المخلل الشهير، وله حضور قوي في هذا الشهر ويحظى بحب الكثيرين خاصة مع وجود الكثير من الحلوى في هذا الشهر والعصائر التي تحتاج إلى بعض المخللات الحارقة لمواجهة ميوعة السكريات".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف لـ"عربي21 لايت": "هناك أنواع كثيرة من الطرشي أو المخلل ويباع في أكياس وفي أوان زجاجية وبلاستيكية بحسب نوع المخلل، وهناك النوع الحار الذي تضاف له دقة الفلفل (الشطة) وهناك النوع العادي، والبعض يحرص على تناول مياه الطرشي التي تكون مزيجا من الخل والمياه والملح وبعض البهارات وبواقي الخضروات".
ولفت إلى أن "صناعة المخلل بسيطة ولكنها خطيرة في نفس الوقت بسبب انتشار الغش في صناعته باستخدام مواد حارقة أو غير مسموح بها من أجل الإسراع في تخليل الخضروات، ولذلك أنصح بشراء المخلل من المحلات والتجار المعروفين حرصا على سلامة الناس".
المخلل في كتب المؤرخين
اهتم العديد من الكتاب والمؤرخين والرحالة برصد المخلل والطرشي في البلدان التي يمرون بها في المشرق العربي، وتناول كتاب "معجم رمضان" للكاتب فؤاد مرسي، ظاهرة بيع الطرشي في شهر رمضان وذكر أن هذا الشهر هو موسم تروج فيه بيع المخللات وينتشر في كل الأحياء تقريبا.
يطلق على صانع المخلل "المخللاتي" أو "الطرشجي" كما جاء في أحد فصول كتاب "قاموس التقاليد والعادات الشعبية" للكاتب الشهير أحمد أمين، مشيرا إلى أن بيع المخلل يكاد يكون منتشرا في كل حي من أحياء القاهرة من خلال محل أو معمل خاص حيث تتم صناعته في براميل كبيرة للتخزين والتخليل لعدة أيام.
أشهر أنواع الطرشي، يقول مختار عطية، وهو صاحب محل بقالة في القاهرة، اللفت وهو أرخص سعرا ثم الخيار والجزر والفلفل بأنواعه المختلفة والباذنجان، وهو أيضا طعام الفقراء والبسطاء الذين يتوجهون إلى أعمالهم مبكرا، ثم يأتي مخلل الزيتون والليمون والبصل والحمص وهي الأعلى سعرا".
بخصوص الأسعار، أوضح عطية أن "الأسعار زادت مثل باقي المنتجات الأخرى وفي العموم زادت نحو 50% على الأقل بسبب ارتفاع أسعار الخضروات والمواد المستخدمة في صناعة المخلل، وهناك طرشي مخصوص، ومشكل ومميز ولا يتجاوز متوسط سعر الكيلو 30 جنيها ولكنه يصل إلى 80 جنيها ونحو 150 جنيها للخيار القشة المستورد".
كيف نتناول المخلل وما هي محاذيره؟
دعا خبير التغذية، الدكتور مجدي نزيه، إلى الحرص في تناول المخلل في شهر رمضان، وقال: "الأفضل تناول المخلل بكميات قليلة جدا، والأفضل تناولها على الفطور وليس على السحور لأنها تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، وهناك فترة صيام لساعات طويلة ولا يجوز تناول جرعة ملح (صوديوم) مرتفعة، لذلك أنسب وقت هو الفطور وليس السحور".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21 لايت" أن "معنى كلمة مخلل هو دخول كميات عالية من الصوديوم إلى الجسم والكلى والشرايين لا تتحمل الكميات المرتفعة من الصوديوم وتؤثر عليها بشكل سلبي، ولها دور في رفع ضغط الدم، والكلى هي المسؤولة عن تخليص الجسم من الصوديوم، والدراسات العلمية تقول إن الإنسان يحتاج إلى 6 غرامات من الملح في اليوم، لكن مع تناول الطرشي فإتها تصل الجرعة إلى 20 غراما، والكميات الزائدة هي عبء على أعضاء الجسم".
ونصح استشاري التثقيف والإعلام الغذائي "بشرب المياه بكميات كبيرة جدا لتعويض النقص في الفاقد من المياه سواء في رمضان أو طوال أيام السنة، وخروج الصوديوم من الجسم صعب لذلك يجب تناول المخلل بمقادير بسيطة. ولكن بخصوص مرضى الكلى والضغط فإنه ينبغي عدم تناول أي كميات من المخلل حفاظا على صحتهم، أو هؤلاء الذين يعانون من مشاكل في الكبد والقلب ومن الاستسقاء".