يعدّ الأثر التاريخي الذي يحمل الرقم 34 أحد أبرز الآثار دولة المماليك البحرية الإسلامية بمصر، أنشأه الأمير بشتاك الناصري، ما بين عامي 735هـ/ 1334م و740هـ/ 1339م، أحد أمراء الناصر محمد بن قلاوون.
يقول مجدي شاكر، وهو كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار، إن "القصر يقع بين القصرين في شارع المعز لدين الله الفاطمي بمنطقة النحاسين بحي وسط القاهرة بجوار سبيل الأمير عبد الرحمن كتخدا وأمام المدرسة الكاملية، وقد بني القصر على جزء من موقع القصر الفاطمي الشرقي، وهو من أروع القصور المتبقية في القاهرة منذ ذلك العصر".
وأضاف شاكر في حديثه لـ"عربي21 لايت": "تزوج بشتاك من إحدى بنات السلطان وعاصر الفترة الثالثة من حكم بن قلاوون منذ عام 709 هجرية وحتى عام 741 هجرية، ترقى بشتاك في المناصب حتى وصل إلى رتبة أمير، وكانت نهايته على يد الأمير قوصون منافسه الكبير الذى دبر له مكيدة للتخلص منه وذلك في أثناء حكم السلطان الملك الأشرف علاء الدين كجك بن الناصر محمد بن قلاوون".
وشغل بشتاك أيضا وظيفة "جمدار" أي المسؤول عن تنسيق ملابس السلطان، فنجد (رنك) شعار البقجة على مدخل القصر.
وصف القصر
شيد الأمير بشتاك أثناء حياته العديد من المنشآت المعمارية، أهمها قصره الشهير في القاهرة ويتكون تخطيط قاعة القصر من عدة غرف تتميز بأسقفها الفاخرة، وفي وسطها حوض رخامي.
وبخصوص خصائص القصر يقول كبير الأثريين: إن "القصر لا يزال يحتفظ ببعض خصائصه المعمارية التي تدل على ما كان عليه من جمال وفن، وللقصر ثلاث واجهات، الأولى وهي الأساسية وتقع بالجهة الشمالية الغربية، وتطل على شارع المعز، وتتكون من ثلاثة طوابق بها مشربيات ليست علي استقامة واحدة بل على جزأين، أحداهما غائر، والآخر بارز، وبها رسومات هندسية في غاية الجمال".
وتابع: "يتضمن الطابق الأرضي قاعة وإسطبلات ومخازن غلال وغرف الخدم، والطابق الثاني منه يضم قاعة احتفالات وغرف النوم، فيما كان يخصص الطابق الثالث للحريم أو الحرملك وتطل على القاعة الرئيسية في الطابق الثاني عن طريق ما يعرف بالأغاني، وهي تتكون من شرفة ذات عقود مدببة مزخرفة تحوي بداخلها مشربيات من الخشب الخرط تتخللها شبابيك صغيرة".
اظهار أخبار متعلقة
تعكس تلك الأغاني حياة الترف لدى أصحاب هذا القصر، وكانت نساء القصر يجلسن خلف المشربيات لمشاهدة جلسات الطرب التي كانت تقام في الدرقاعة في الطابق الأسفل وكان يحضرها الرجال.
والقاعة الرئيسية للقصر يتقدمها سطح مكشوف، على يساره حجرة تؤدي إلى القاعة الرئيسية، ويتعامد عليها أربعة إيوانات مسقوفة بالخشب ويحوي زخرفة قطع خشبية، وفي الوسط توجد فسقية من الرخام الملون لترطيب الجو برذاذ مائها المتطاير أثناء جلوس الأمير وزواره.
أما الواجهة الثانية فتقع بالناحية الشمالية الشرقية، وبها عدد من النوافذ المغطاة بأجنحة معدنية، وتضم أيضا بوابة تؤدي للقصر.
أما الواجهة الثالثة بالجهة الجنوبية الغربية من القصر تطل على حارة جانبية، ويتميز المدخل الحالي الجديد بسلم خشبي مزخرف يؤدي إلى باب خشبي عليه كتابات عن مؤسس القصر وتاريخ إنشائه.
بدأ مشروع ترميم قصر الأمير بشتاك ضمن مشروع تطوير القاهرة التاريخية في عام 2003 وتم خلاله عمل ترميم شامل للمنطقة التاريخية وتم الانتهاء منها عام 2007 بتكلفة حوالي 6 مليون جنية ( مليون دولار وقتها).
تحول القصر إلى مركزاً للإبداع الفني
يلاحظ أن المواد المستخدمة في إنشاء هذا القصر روعي فيها ملاءمتها لمناخ القاهرة الحار، فكانت الأحجار هي مادة البناء الرئيسية حتى توفر عزلاً حرارياً، كذلك استخدم الرخام في الأرضيات وفي تكسية الجدران الداخلية، وزوِّدت القاعة بفسقية تتوسط الدرقاعة، كما استخدمت المشربيات التي وفرت الخصوصية وساعدت على كسر حدة ضوء الشمس وتلطيف الهواء الداخل للمبنى.
بيت الغناء العربي بقصر الأمير بشتاك
قصر بشتاك معروف باسم "بيت الغناء العربي"، بحسب محمد السيد، وهو أحد المشرفين في تنظيم الحفلات، بعد تطبيق فكرة استغلال البيوت الأثرية التي تزخر بها القاهرة التاريخية بعد ترميمها، وإعادة تأهيلها، لتكمل منظومة اتحاد المعنى بالمبنى، بحيث تتحول منطقة القاهرة التاريخية إلى بؤرة للإشعاع الفني والثقافي.
وبناءً على قرار وزير الثقافة رقم 510 لسنة 2009 بتخصيص قصر الأمير بشتاك بشارع المعز لدين الله، ليكون مركزا لبيت الغناء العربي كأحد مراكز الإبداع الفني التابعة لصندوق التنمية الثقافية للحفاظ على هوية الغناء العربي وحمايتها من محاولات التسطيح.
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف السيد لـ"عربي21 لايت": "انطلاقا من قلب القاهرة التاريخية، تحولت مجموعة من البيوت إلى مراكز إبداع فني وأصبحت ذات تأثير واسع في الحياة الثقافية المصرية، حيث تنوعت أنشطتها في مجالات الفنون المتعددة".
واستدرك السيد: "ركزت الفكرة على محورين متوازيين، أولهما رفع الوعي الفني والثقافي لدى أبناء المناطق الشعبية التي توجد بها هذه الأماكن الأثرية، ثانيهما، إتاحة الفرصة للمبدعين من شباب المصريين لتقديم أعمالهم وابتكاراتهم إلى الساحتين الفنية والثقافية".