سلط المسلسل الرمضاني الدرامي "الحشاشين" الذي أنتجته الشركة "المتحدة" المملوكة للدولة المصرية، الضوء على مسجد الحاكم بأمر الله الذي أمر بإنشائه الخليفة العزيز بالله الفاطمي في سنة 380هـ/990م وتوفي قبل إتمامه فأتمه ابنه الحاكم بأمر الله 403هـ/1013م .
يتناول المسلسل، المثير للجدل بسبب الكثير من الأخطاء والإسقاطات غير الفنية، قصة نشأة الطائفة الإسماعيلية النزارية الشيعية، والمعروفة باسم جماعة "الحشاشين" وإمامهم الأول حسن الصباح، والتي احترفت العنف والجريمة ضد خصومها في القرن الحادي عشر.
اظهار أخبار متعلقة
الطائفة الإسماعيلية النزارية، هي نسبة إلى نزار بن المستنصر بالله الفاطمي حاكم مصر وقتها، وأقصاه شقيقه الأصغر المستعلي بالله عن الحكم، بعد وفاة والدهما، عام 487 هجريًا/ 1094 ميلاديا، وكان ولاؤها للنزار ولذلك تسمى النزارية.
وهناك علاقة تاريخية وروحية بين تلك الطائفة مع القاهرة التي بناها الخليفة الفاطمي الرابع والإمام الإسماعيلي الرابع عشر المُعز لدين الله الفاطمي عام 969 ميلادية، جامع الحاكم بأمر الله وهو رابع أقدم المساجد الجامعة الباقية بمصر، وثاني أكبر جوامع القاهرة اتساعًا بعد جامع أحمد ابن طولون.
يقع جامع الحاكم بأمر الله بنهاية شارع المعز لدين الله الفاطمي بحي الجمالية بجوار باب الفتوح، وكان وقت تشييده خارج أسوار القاهرة القديمة التي شيدها جوهر الصقلي، ثم أصبح داخل حدود المدينة بعد أن قام بدر الجمالي (480هـ/1087م) بتوسعة المدينة وتشييد الأسوار الحالية.
وصف الجامع
أخذ الفاطميون فكرة المسجد من مسجد المهدية في تونس وكان إلى جوار الأزهر الشريف مركزًا لتدريس المذهب الشيعي، ويبلغ طول المسجد 120.5 متراً وعرضه 113 متراً.
يحتوي الجامع على ثلاثة عشرة مدخلا، أبرزها المدخل الرئيسي في الواجهة الغربية، والذي يعد من أقدم المداخل البارزة في عمارة مصر الإسلامية وقد تعرض الجامع للعديد من عمليات الترميم على مر السنين بسبب الحروب والزلازل.
يفضي المدخل الرئيسي إلى صحن مكشوف مستطيل يحيط به أربعة أروقة أكبرها رواق القبلة، بينما يقطعه في الوسط مجاز مرتفع يمتد من الصحن إلى المحراب، ويكتنف الجامع في جهتيه الشمالية والجنوبية مئذنتين ضخمتين تم بناؤهما عام 393 هـ/ 1003 م
ويشتهر المسجد بالمئذنتين القديمتين ويحيط بهما قاعدتان عظيمتان هـرميتا الشكل، تتركب كل قاعدة من مكعبين يعلو أحدهما الآخر والمكعب العلوي موضوع إلى الخلف قليلاً فوق السفلي ويبلغ ارتفاع الأخـير ارتفاع أسوار الجامع وتبرز من كل من المكعبين العلويين مئذنة مثمنة الشكل وفي منتصف هـذه الواجهة البحرية وبين المئذنتين يوجد مدخل الجامع الأثري.
يشغل المسجد مساحة قدرها 16200 متر مربع، ويتبع نظام الأروقة والصحن المكشوف (النظام القديم) الصحن الداخلي للمسجد يعتبر من أكبر الصحون الداخلية المتواجدة في مصر من حيث المساحة، حيث يبلغ نحو 5330 مترا مربعا وهو مكسوّ بالرخام الأبيض، ويتوسطه فسقية رخامية فريدة.
طائفة البهرة وانتشال الجامع
يحظى الجامع الكبير باهتمام طائفة البهرة الشيعية وتقدمت في سبعينيات القرن الماضي في عهد الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات بطلب إلى الحكومة المصرية لتطوير وترميم وإعادة تهيئة الجامع بجهودهم الذاتية، وذلك يرجع إلى مكانة الحاكم بأمر الله عندهم، ولكنه مفتوح لجميع الطوائف للصلاة فيه، ومنذ ذلك الحين يقوم البهرة -الذين هاجروا إلى مصر واستقروا بها وعملوا في التجارة - برعاية الجامع.
إمام الحشاشين الحالي والخليفة الـ 48 لحسن الصباح، كريم الحسيني المعروف باسم "الآغا خان"، هو رجل أعمال بريطاني من أصل باكستاني مولود في سويسرا عام 1936، وتولي رئاسة الطائفة عن عمر الـ20 عامًا، وفي عام 2015 نشرت فوربس أن ثروة الآغا خان الرابع تقدر بنحو 800 مليون دولار، وعلاقته جيدة بالمسؤولين المصريين ويتعاون معهم في تمويل مشروعات ترميم الآثار الإسلامية.
ويقدر عددهم ما بين 10 و12 مليون شخص حول العالم، ويعيش نحو 250 ألفًا منهم في المنطقة العربية، وغالبيتهم في سوريا في مدينة السلمية، وبعض القرى والمدن المجاورة لها، وتنشط مؤسسة الحسيني المعروفة باسم شبكة "الآغا خان" للتنمية، في مناطق النزاريين في سوريا، وفي مصر شاركت في العديد من المشروعات على رأسها حديقة الأزهر وترميم المساجد الأثرية والمناطق المحيطة بها.
ارتباط روحي بين البهرة والحشاشين
يقول عالم الآثار الإسلامي، مختار الكسباني، إن "مسجد الحاكم بأمر له مكانة خاصة لدى الشيعة البهرة والحشاشين، وهو أكبر مسجد بني خارج القاهرة ثم أدمج في وقت لاحق، ومر عبر العصور بأحداث مختلفة وتحولت طبيعته أكثر من مرة إلى أن عاد إلى صورته كمسجد في السنوات الأخيرة، وله أهمية في كتابة تاريخ مصر".
واعتبر في حديثه لـ"عربي21 لايت" أن "جماعة البهرة تكفلت بإعادة المسجد إلى صورته الحالية، وهي طائفة تمتهن التجارة وتعيش في أماكن مختلفة حول العالم، وهي جماعة مستقلة عن أصحاب المذاهب الشيعية ولكنهم فرع من الإسماعيلية ولا يوجد لهم أي نشاط سياسي، وموجودون في مصر بأعداد قليلة ويرعون المسجد ويصلون في أماكن خاصة بهم وفي مكان خاص في الحاكم بأمر الله، ولهم مساجد أخرى مثل الأقمر وغيرها من آل البيت".
وفرق الكسباني بين "طائفة الحشاشين والبهرة، فطائفة الحشاشين هي شيعة إسماعيلية مثلهم ولكنها تبنت في بداياتها العنف والقتل، والعمل الدرامي الذي يعرض الآن هو جزء من تاريخ الطائفة الحقيقي الذي تميز بالإفراط في قتل الخصوم"، على حد قوله.
ما علاقة الإسماعيلية والبهرة بالحاكم بأمر الله؟
انتقد المخرج والممثل السوري، أحمد الشيخ، المقيم في سويسرا، وهو أحد أتباع الطائفة الإسماعيلية، العمل الدرامي الذي يعرض على إحدى القنوات السعودية في شهر رمضان، وقال: "شكرا على المسلسل المشبوه المدعو بالحشاشين الذي تدعمه MBC وتم تنفيذه وتمويله للأسف الشديد بأيدي مصرية، ومخرجه لأنه منحنا الفرصة أنا وإخوتي الإسماعيليين لعرض عقيدتنا لكل من يجهلون حقيقتنا أو أخفيت عنهم".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف لـ"عربي لايت": "الشيعة الإسماعيلية الإمامية يؤمنون بالله وكتبه ورسله وملائكته، ويحبون أصحاب النبي محمد عليه وعلى آله السلام، فقد كانت منابرهم في العصر الفاطمي مثلا تفوح بالحب والتقدير لأصحاب النبي لما قدموه من تضحية وشجاعة وحكمة والآن في مناهجهم التعليمية الدينية يطلقون على أصحاب النبي المقربين صفة لم يطلقها أحد عليهم في الإسلام ألا وهي (الحضرة)/حضرة عمر ، حضرة أبوبكر، حضرة عثمان.".
يؤمن المسلمون الشيعة الإسماعيلية، بحسب الشيخ بأن طاعة الإمام فرض كما طاعة الرسول (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وأن القيادة الدينية يجب أن تكون مصطفاة إلهيا ويؤمنون بأن لكل ظاهر باطن فالله أولا هو الظاهر والباطن، ويؤمنون أن النبي محمد عليه وعلى آله السلام كان صاحب سلطتين: الأولى دنيوية مرتبطة بإدارة مؤسسات المسلمين وهي التي توالى عليها الخلفاء الراشدون، والثانية سلطة دينية وهي التي أوصى بها لحضرة مولانا علي عليه السلام وذريته من بعده إلى يوم القيامة".
وعدد الشيخ أسماء العديد من الشخصيات التاريخية عبر العصور التي قدم الإسماعيلية من خلالها خدمات جليلة للإسلام والبشرية، قائلا: "من هؤلاء ابن سينا، الحسن بن الهيثم، الفارابي، الحسن بن الصباح، إخوان الصفا وخلان الوفا، المؤيد في الدين هبة الله الشيرازي، شمس الدين التبريزي، جلال الدين الرومي، محي الدين بن عربي، الحسين بن منصور الحلاج....".