حمامات القاهرة التاريخية كانت أكثر من مجرد أماكن للاستحمام والنظافة؛ فقد كانت مراكز اجتماعية وسياسية هامة حيث تُنسج المكائد وتُحاك المؤامرات وتُنفذ الاغتيالات.
ومن بين أشهر هذه الحمامات يأتي "حمام السلطان الأشرف إينال" 861 هـ -1456 م، الذي يعد واحداً من أهم المعالم التاريخية والمعمارية في القاهرة.
قصة حمام السلطان الأشرف إينال:
يُعدّ حمام السلطان الأشرف إينال أحد أشهر الحمامات في القاهرة التاريخية. ويقع الحمام في منطقة الحسين بالقاهرة، وهو جزء من التراث المعماري الإسلامي الذي يعود إلى فترة حكم المماليك.
السلطان الأشرف إينال، كان أحد سلاطين المماليك البرجية، حكم مصر من 1453م إلى 1461م، مثل كثير من السلاطين، اهتم ببناء المنشآت العامة ومن بينها الحمامات.

وقد ذكر المؤرخون أن السلطان إينال كان يعرف بالسلطان الأجرود وذلك لضعف لحيته، وإينال باللغة الجركسية هي "شعاع القمر".
استخدامات الحمام
كان يُستخدم لأغراض النظافة الشخصية، لكن دوره كان يتجاوز ذلك. في فترة المماليك، كانت الحمامات تعتبر أماكن للتواصل الاجتماعي والسياسي، حيث يجتمع الناس لتبادل الأخبار والمعلومات، وأحيانًا لتنفيذ مخططات سياسية.
دور الحمامات في المؤامرات والاغتيالات
لم تكن حمامات القاهرة مجرد أماكن للنظافة الشخصية، بل تحولت إلى مسرح للمؤامرات والاغتيالات السياسية والدسائس والمكائد، وذلك لعدة أسباب:
كانت الحمامات مكانًا للتجمع والتواصل بين مختلف فئات المجتمع، بما في ذلك الأمراء والوزراء والعلماء، مما جعلها بيئة مناسبة لتنفيذ المؤامرات السياسية.

وفرت الحمامات مساحة من الخصوصية بعيدًا عن أعين الرقباء، مما سمح بإجراء المناقشات السرية والتخطيط للمؤامرات.
اعتقد البعض أنّ الحمامات تُعدّ مكانًا آمنًا لتنفيذ الاغتيالات.
أمثلة على المؤامرات والاغتيالات في الحمامات
اغتيال السلطان بركة خان: قُتل السلطان المملوكي بركة خان عام 1277 على يد أحد مماليكه في حمام السلطان برقوق.
المؤامرة ضد السلطان قايتباي.
اغتيال السلطان قانصوه الغوري.
ما سبب انتشار الحمامات في العصور الإسلامية ودورها؟
عن سبب انتشار الحمامات بصفة عامة في الحضارة الإسلامية، يقول مدير شؤون مناطق آثار جنوب القاهرة بوزارة الآثار، الدكتور مصطفى فوزي، إن "الحمام في الأساس منشأة من منشآت الرعاية الاجتماعية في العصور الإسلامية القديمة، ودين الإسلام يحث على النظافة والاستحمام من خلال الوضوء 5 مرات والاستحمام في أيام الجمع وبعض المناسبات".

وأوضح في تصريحات خاصة لـ"عربي لايت": "حمام إينال هو ثاني حمام في العصر المملوكي بعد حمام بشتاك وهو موجود في شارع سوق السلاح، ومعظم عناصره المعمارية موجودة وهي الحجرات الثلاث، ولا يقوم بدوره الآن كمان كان. إلى جانب الاستحمام كانت مركزا للدسائس والمؤامرات والخطط الحربية لأنها كانت بعيدة عن أعين الجواسيس والحراس ولها خصوصية يجعل من الصعب التواجد فيها، وملكة مصر شجرة الدر تم اغتيالها في الحمام".
وكشف المسؤول بالآثار أن "هناك نوعين من الحمامات، عامة وأخرى خاصة ولكل نوع استخداماته الخاصة"، مشيرا إلى أن "هناك حمامات في القاهرة الفاطمية غير مدرجة ونحن في طريقنا لتسجيلها، وقال ابن بطوطة إن مصر من أكثر بلدان العالم التي بها حمامات".
اقرأ أيضا:
اكتشاف فرع جاف لنهر النيل يُعيد كتابة تاريخ بناء الأهراماتالمعالم والأهمية التاريخية والمعمارية
يقول أحد المشرفين بالحمام التاريخي ويدعى السيد متولي، إن "أهم ما يميز تلك الفترة هو الممرات المنكسرة للحمامات فواجهة الحمام تطل على شارع المعز ويؤدي مدخله الرئيسي إلى ممر منكسر حتى لا يستطيع المارة في الشارع مشاهدة من بالداخل، أما قاعة الاستقبال فهي مربعة ذات سقف من عروق خشبية بها ثمان وعشرون نافذة".

مضيفا لـ"عربي لايت": "كانت الحمامات العامة مراكز لتجمع الناس من مختلف الطبقات الاجتماعية، حيث يتبادلون الأخبار ويشكلون الروابط الاجتماعية، في عصر المماليك، كانت الحمامات تُستخدم أيضا كأماكن لعقد الاجتماعات السرية والمكائد السياسية".
يقع المدخل الرئيسي للحمام ملاصقاً للمدرسة الكاملية بشارع المعز وهو مدخل بسيط يعلوه كتابات تأسيسية نصها "أمر بإنشاء هذا الحمام السلطان الملك الأشرف إينال عز نصره".

يتميز حمام السلطان الأشرف إينال بتصميم معماري فريد يعكس الطراز المملوكي. يضم قاعات متعددة، منها قاعات للاستحمام بالمياه الساخنة والباردة، بالإضافة إلى غرف تبديل الملابس.
يشمل الحمام زخارف هندسية ونباتية تعكس المهارة الفنية للحرفيين في تلك الفترة. الأسقف المزخرفة والقباب المعمارية هي من أبرز معالمه.