بالفيديو | طريق "بركة الحاج" شمال القاهرة.. محطة تاريخية في رحلة الحج منذ القدم

  • محمد سندباد
  • السبت، 15-06-2024
  • 03:49 م

الرحلة إلى بيت الله الحرام قبل عقود وقرون لم تكن بالأمر الهين أو السهل، وكانت تعقد لها الرايات في أماكن وأوقات معينة للاجتماع عندها من بينها قرية "بركة الحاج".

تعد "بركة الحاج" أو "بركة جب عميرة" شمال مدينة القاهرة من أشهر الطرق والدروب ذات الوظيفة الدينية في الدولة الإسلامية، حيث كانت ممرا رئيسيا للحجاج والمعتمرين.

تمتد المنطقة من عين شمس والمطرية حتى مدينة السلام، وتشمل مناطق مثل المرج وعزبة النخل والأندلس وكفور الشرفا والباشا وأبو صير ومنطقة مؤسسة الزكاة.

الموقع والتاريخ

يقع هذا الطريق التجاري القديم الذي يربط مصر ببلاد الشام والحجاز، بدءا من القاهرة مرورا ببركة الحاج وبلبيس بمحافظة الشرقية، وصولًا إلى السويس ومن ثم ميناء العقبة.

وكانت "بركة الحاج" مركزًا لتجمع الحجاج من مصر والأندلس والمغرب وأفريقيا، حيث يجتمعون هناك في الذهاب والإياب، ويُعرض فيها العديد من البضائع.

أصل التسمية

جاء اسم "بركة" إشارة إلى أن أرض المنطقة منخفضة، وكانت تمتلئ بالمياه في زمن فيضان النيل، مما جعلها بحيرة موسمية تجذب الطيور المهاجرة وتتحول إلى متنزه كبير للملوك والأمراء.

سيدي إبراهيم المتبولي

أحد أبرز مظاهر المكان هو مسجد سيدي إبراهيم المتبولي، نسبة إلى قرية "متبول" بقطاع غزة - فلسطين، وُلد في عام 776هـ. وجاء إلى مصر في سن الـ23 عقب غزو التتار للشام في 789هـ.




استقر في قرية "بركة الحاج"، حيث أصلح 50 فدانًا من الأراضي الزراعية المعروفة باسم "غيط المتبولي"، وزرع النخيل وربى المواشي لتأمين نفقات المريدين. كما حفر ساقية باسم نبي الله شعيب على بعد 200 متر شرق مسجده.

مسجد المتبولي

يقع مسجد الشيخ إبراهيم المتبولي، أحد الأولياء، فوق زاوية المتبولي، حيث كان يتجمع الحجاج ويُعتبر ملتقى لهم، وخاصة الحجاج التائهين أو المفقودين، ليكون مكانًا لهم حتى يتجمعوا بقوافلهم أو أهلهم.

اظهار أخبار متعلقة



كان المسجد متسعًا ويحيط به خلاوي وغرف صغيرة للوافدين والحجاج، مع بئر للوضوء وضريح في حجرة مربعة تعلوها قبة.




خضع المسجد لتجديدات وتوسعات، حيث تمت إضافة مئذنة كبيرة وترميم المقام الخشبي، ليصبح مركزًا دينيًا ومقرًا لجمعية تنمية المجتمع في بركة الحاج.

التغيرات الحديثة

تغيرت الحياة حول مسجد المتبولي بمظاهر المدنية الحديثة. تهدمت بيوت الطوب اللبن واستُبدلت بمساكن من الحديد المسلح، وتم توسيع الشوارع.

تحول مكان "برك الجمال" إلى فرن للخبز، ورُدمت بركة المياه لتفسح المجال لعمارات جديدة. تم حماية الساقية بسور وإقامة زاوية للصلاة. اليوم، يبلغ تعداد سكان القرية 60 ألف نسمة، ويزرعون الخضراوات والفواكه والنخيل.

الأهمية التاريخية

تمتعت "بركة الحاج" بأهمية كبيرة باعتبارها أول وآخر محطة للحجاج والتجار المتجهين إلى الحجاز والشام، وكانت متنزهًا للصيد والرياضة حتى نهاية العصر العثماني.

  يذكر علي باشا مبارك في خططه التوفيقية أن "بركة الحاج" كانت تقع في الشمال الشرقي للقاهرة وتضم جامعًا بمنارة، وكان أهل القرية يعتمدون على مياه بئر يُعتقد أن نبي الله شعيب حفرها.

مسار الحج في ذكريات أهالي بركة الحاج

يقول العمدة شوبكي حميدة، من أهالي بركة الحاج: "في الأساس هي بركة مياه كانت علة الفرع السابع في النيل ولها موقع متميز، وكانت في منطقة عين شمس وفي الفتح الإسلامي كانت الجيوش تصل إلى مصدر للمياه، وكانت تسمى البركة المقدسة عند قدماء المصريين".



مضيفا لـ"عربي لايت": "ومع تطور ومرور الوقت كانت تسمى منطقة المرج من كثرة الحدائق الغناء حول البركة وكانت بركة مصايف ومصايد لمصر المحروسة. ينطلق منها الحج منذ قديم الزمن والذي انتظم تماما منذ عهد شجرة الدر (العصر المملوكي) واختارت موقع بركة الحاج كأفضل وأقرب مسار، وكان يتجمع عنده الحجاج".

وتابع العمدة حميدة: "وكانت هناك منطقة منزل الحاج وتسمى بركة الجمال وبركة الحجيج ومع الوقت أصبحت بركة، وكانوا يتجمعون من مصر ومن شمال أفريقيا وأجزاء من الشام، وكان هذا التجمع النهائي بعد خروج المحمل من وسط مصر المحروسة ثم تصل بركة الحاج حتى يصل أمير الحج ويسلم الصرة وهي النقود والهبات والتي سوف تسلم لأميرة ومكة والكسوة الشريفة وتوزيعها على فقراء مكة".

كانت منطقة خير وفير بحسب العمدة حميدة، "كان الحجاج يحملون بالخير والوفير بما فيها الكبش البركاوي وكان لا يستطيع المشي من ثقله وحجمه الكبير وكان مسار الحج ينقسم إلى عدة مراحل آخرها عقبة إيلة وهي أصعب منطقة للحجاج بسبب ضيقها ومخاطرها وكثرة اللصوص".

دعوات لإحياء مسار الحج القديم

بدوره، يقول مؤلف كتاب درة التاج في تاريخ بركة الحاج، صابر القاضي، إن "هناك دعوات لإحياء مسار الحج من بركة الحاج إلى مكة المكرمة الذي يمتد إلى عدة مراحل واستمر لقرون عديدة، ولكن الأمر يحتاج إلى تدخل المسؤولين المعنيين بالأمر، ودعونا إلى إعادة مظاهر مسار الحج سواء من خلال رموز القافلة من المحمل أو الجمل أو غيرها من مظاهر إحياء المسار".




وبشأن ذكرياته مع حكاوي الأجداد، يضيف لـ"عربي لايت": "كنت أسمع من أساتذتي وآبائي أن هذه القرية كانت في يوم من الأيام درة محطات الحجاج إلى بيت الله الحرام، ولم أجد كتابا يوفي المكان حقه، ومن هنا حرصت على جمع وتوثيق كل ما يتعلق ببركة الحاج واستشهدت بالكتب القديمة التي ذكرت بركة الحاج من بينها ولعلها عدة مسميات منها أرض الجب والجب وجب عميرة وهو أكثرها ورودا في كتب التاريخ وجب شعيب وبرك الحج وبركة الحجيج وهي بركة بكسر الباء وليس بفتح الباء، وحرصت على وجود أسانيد".

اظهار أخبار متعلقة



وأوضح مؤلف الكتاب: "كل عام كان يعين الحاكم أميرا للحج وكان الحجاج عندما يحجون فرادى يتعرضون للأذى وقطاع الطرق، ولكن حرصت الخلافات الإسلامية المتتالية على جمع الحجاج وخروجهم في قوافل كبيرة وتعيين أمير عليها وحراس لحمايتهم، وفرقة تحمل المشاعل، وكان أمير الحج ينزل هنا وينصب رايته ويتجمع الحجاج من بلاد الأندلس وكل دول شمال وغرب أفريقيا ويخرجون مع موكب الحج المصري، ولكن للأسف معظم الآثار طمست وآخرها مسجد المتبولي الذي تم تجديده قبل عقود وكان هناك جب نبي الله شعيب ولكنه ردم".

مراحل استخدام الطريق

المرحلة الأولى: من الفتح الإسلامي لمصر حتى منتصف القرن الخامس الهجري، باستخدام الطريق البري عبر بركة الحاج.

 المرحلة الثانية: من سنة 440 هـ إلى 666 هـ، حيث استخدم الحجاج السفن النيلية إلى قوص ثم القوافل إلى عيذاب وعبور البحر الأحمر إلى جدة.

المرحلة الثالثة: من سنة 667 هـ إلى 1301 هـ، حيث عاد الحجاج لاستخدام الطريق البري الساحلي بعد تحرير الظاهر بيبرس لمدينة أيلة.

 المرحلة الرابعة: من سنة 1301 هـ حتى التاريخ المعاصر، مع توقف استخدام الطريق البري والاعتماد على الطريق البحري من السويس.

 إحياء الطريق القديم

بدأت في عام 1993 جهود لإحياء مسار طريق الحج القديم، حيث قامت بعثات أثرية باكتشاف الدرب من بركة الحاج إلى مدينة العقبة الأردنية، مما أعاد إحياء ذاكرة هذا الطريق التاريخي.
شارك
التعليقات