من المنطقي أن يكون ما يطلق عليه "الحمّام" أو "التواليت" أو "دورة المياه" هو الغرفة الأصغر مساحة في المنزل اعتمادا على وظيفته، والمدة التي تقضيها فيه، إلا أن حجم التطور الذي دخل عليه لا يتناسب مع حجمه الحالي.
اظهار أخبار متعلقة
ومن البراري إلى المراحيض المعلقة في الهواء، مرورا بالمراحيض الجماعية، وصولا إلى الحمام الخاص الذي تجلس عليه هذه الأيام، مرت المراحيض بكثير من التأثيرات الاجتماعية، والدينية، والسياسية، نعم السياسية! لا تستغرب.
كيف بدأت القصة؟
عرفت الألفية الرابعة قبل الميلاد الأنابيب الفخارية والصرف الصحي والمراحيض في بلاد ما بين النهرين، حيث عرفت مدينة أوروك أقدم مرحاض معروف منذ حوالي 3200 قبل الميلاد، بحسب الكاتب بيرس ميتشيل في كتابه "الصرف الصحي". (المصدر)
التاريخ القديم
في الألفية الثالثة قبل الميلاد، وجد في سكارا براي في اسكتلندا غرف صغيرة لها مصرف مشترك، كما عرفت حضارة وادي السند أحد أقدم أنظمة الصرف الصحي في العالم. (المصدر)
وفي القرن الثامن عشر قبل الميلاد، بدأت المراحيض في الظهور في مينوان كريت ومصر الفرعونية وبلاد فارس القديمة.
وعثر علماء آثار في جنوب فيتنام على مرحاض يعود تاريخه إلى 1500 قبل الميلاد، قدم أدلة مهمة عن المجتمع في ذلك الوقت، ونظامه الغذائي!. (المصدر)
اظهار أخبار متعلقة
واستخدم الرومان واليونانيون ما كان يطلق عليه "أواني الحجرة"، وهي أوان فخارية كانوا يحملونها معهم إلى جلسات الطعام والشراب ويقضون فيها حاجتهم.
العصور الوسطى
وإذا كنت تقضي هذه الأيام وقتا طويلا داخل دورة المياه، وربما تقرأ مجلة، أو تلعب بالهاتف حتى بعد انتهاء المهمة، فإن الذهاب إلى دورة المياه في العصور الوسطى لم يكن نزهة.
كانت مراحيض العصور الوسطى عبارة عن فتحات لا أكثر، على رأس برج مرتفع، ينتهي في الأسفل إلى نهر أو حافة بحر، أو إلى خندق يتولى تنظيفه بائسون لا يجدون قوت يومهم.
بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، وظهور أوروبا الإقطاعية، بنى الأثرياء والنبلاء القصور والقلاع لأنفسهم، وكانت الحصون والقلاع والقصور أمرا مكلفا ويستغرق وقتا، وكانت دورات المياه أولوية.
وكاد الملك إدوارد الأول أن يفلس الخزينة الملكية لبناء تحصيناته في ويلز، واعتبر المراحيض أولوية رئيسية في التصميم.
وكان هنالك تصميمان مختلفان في العصور الوسطى للمراحيض، الأول يبدأ من برج عال، ينتهي إلى مجرى مائي، أو خندق يتم تفريغه لاحقا في حفر امتصاصية بعيدة عن القصر، والثاني فتحات بارزة كالنوافذ فيها فتحات خاصة في الهواء الطلق، وتقوم الجاذبية بباقي المهمة.
في قلعة "كييس" في إسكتلندا على سبيل المثال، كانت المراحيض على قمة منحدر ينتهي إلى المحيط، ما يوفر مهمة التخلص من الفضلات لاحقا.
وفي حين كان البعض لا يملك رفاهية بناء القصور والحصون على الأنهار أو أطراف البحار، يجب عندها أن يكون هنالك من يتخلص من الفضلات التي تنتهي في خنادق خاصة، وكان بعض المزارعين يأخذونها سمادا لأراضيهم.
وأكبر عيوب مراحيض القرون الوسطى كانت الرائحة الكريهة، إذ لم يكن هناك أي طريقة للتخلص منها سوى النوافذ والحدائق والنباتات العطرية. (المصدر)
وفي القرن السابع الميلادي، عرف المسلمون في المدينة المنورة المرحاض الخاص الذي كان يسمى "الكنيف" وكانوا قبل ذلك يذهبون إلى الخلاء والبرية.
وجاء في حديث طويل لعائشة زوجة الرسول عليه السلام أن النساء كن يخرجن إلى الخلاء ليلا فقط قبل أن يتخذ أهل المدينة "الكنيف" قريبا من البيوت.
أما الحمّام فكان في الإسلام مكان الاستحمام حصرا، ونهى النبي عليه السلام أن يستخدم مكان الاستحمام لقضاء الحاجة. (المصدر)
الحمامات العامة في الإسلام
وعرف العرب والمسلمون الحمامات العامة مع الفتوحات، فأنشأ عمرو بن العاص أول حمام بالفسطاط بمصر، وفي العصر الفاطمي بنى الخليفة العزيز بالله الحمامات بمصر لتزدهر في العصر العثماني.
وفي الأندلس كان في قرطبة وحدها 900 حمام قريبة من المساجد.
كما انتشرت الحمامات في بلاد الشام حيث كان في دمشق 100 حمام و40 دار وضوء يجري فيها الماء، وكان في حلب 170 حماما، وغيرها في فلسطين ولبنان.
وفي اليمن عرف أهل صنعاء القديمة الحمامات وأكثرها شيد في العهد العثماني، ومن ذلك أخذت اسمها "الحمامات التركية".
وفي بلاد المغرب العربي انتشرت الحمامات التي كان طابعها أندلسيا.
وروى ابن خلدون في مقدمته عن بغداد أنها كان فيها 65 ألف حمام في عهد الخليفة المأمون.
وكانت الحمامات نوعا من أنواع الحضارة والترف، حيث روى ابن خلدون أن الحمامات إنما توجد في الأمصار المستحضرة المستبحرة العمران لما يدعو إليه الترف والغنى من التنعم ولذلك لا تكون في المدن المتوسطة.
كما أشار إلى تأثيرها النفسي على الإنسان فجاء في مقدمته: "وكذلك نجد المتنعمين بالحمامات إذا تنفسوا في هوائها واتصلت حرارة الهواء في أرواحهم فتسخنت لذلك حدث لهم فرح وربما انبعث الكثير منهم بالغناء الناشئ عن السرور". (المصدر)
عصر النهضة
ظلت المراحيض العامة بين القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر قيد الاستخدام من قبل الطبقات الدنيا الإنجليزية، وغالبًا ما كانت تقع في الجسور فوق الأنهار.
تم العثور على الحجرات الخاصة، التي تتكون من صفوف من المقاعد فوق خزانة أرضية أو حفرة امتصاصية، وكانت شائعة في الريف، وأحيانًا في المنازل الخاصة الحضرية كانت توضع في حظائر خارجية، وأحيانًا في أقبية.
اظهار أخبار متعلقة
عادةً ما كانت الأواني المحمولة مفضلة من قبل الطبقات المتوسطة والعليا في عصر النهضة. وغالبًا ما يتم إفراغها في الشارع العام.
تم تقديم أول مرحاض حديث في بريطانيا في عام 1596 من قبل السير جون هارينجتون، الابن بالمعمودية للملكة إليزابيث الأولى، وتم تركيبه في قلعة الملكة، لكنه أثبت أنه لا يحظى بشعبية لدى أفراد العائلة المالكة في ذلك الوقت، الذين فضلوا الأواني المعتادة. لم يتم اعتماد تقنية المرحاض الذي نعرفه اليوم على نطاق واسع حتى منتصف القرن التاسع عشر. (المصدر)
(نموذج لأول مرحاض عمل عليه هارينغتون)
الخصوصية والإمبريالية "الصحية"
من جانب آخر، يرى الفيلسوف السلوفيني، سلافوي جيجيك أن الفهم المتطور للصحة العامة والخوف من الأمراض والعدوى كانا أهم عامل في توفير الحمام وتصميمه، مشيرًا إلى أن الحكومات لم تبدأ بتحمل مسؤولية الصرف الصحي وتمويل بناء شبكات الصرف الصحي إلا نتيجة لتفشي الكوليرا والتيفوئيد المدمر في القرن التاسع عشر.
ومنذ ذلك الحين؛ أثرت نظريات النظافة على مظهر وصيانة الحمام وتجهيزاته، يقول جيجيك: "فقط ضع في اعتبارك التحول من الحمام المؤثث بشكل فاره في العصر الفيكتوري إلى الحمام الاقتصادي، الأبيض اللامع، والحمام الإكلينيكي تقريبًا في أوائل القرن العشرين؛ كل ذلك من أجل الكشف عن الأوساخ والقضاء عليها بشكل أفضل - والتعبير عن الالتزام الثقافي للقيام بذلك".
وتبين الكاتبة باربرا بنر في مقال لها أن صعود الخصوصية أدى إلى خصخصة الحمامات الغربية على نطاق واسع، وبالنظر إلى أن الخاص كان يتساوى بشكل متزايد مع الحصري، فليس من المستغرب أن تظهر الحمامات الخاصة والفاخرة جدًا لأول مرة في المنازل الأرستقراطية أو البرجوازية الأوروبية.
اظهار أخبار متعلقة
فحتى عشرينيات القرن الماضي، وأحيانًا بعد ذلك بفترة طويلة، كان الفقراء في المناطق الحضرية والريفية يُتركون في الغالب لتدبر أمورهم بأنفسهم كما كان من قبل بالمراحيض العامة والحمامات العامة والاستحمام في أحواض السباحة، لكن مخاوف الخصوصية واللياقة بدأت أيضًا في تشكيل هذه المؤسسات، تم تقليص المراحيض الجماعية وتم تقسيم الحمامات بشكل أكثر صرامة لضمان فصل الرجال عن النساء، مع وجود حواجز ومقصورات، الرجال عن الرجال والنساء عن النساء الأخريات.
ولا تزال المراحيض المشتركة القديمة مرئية في جدار هادريان، على سبيل المثال، أو حتى المراحيض ذات المقاعد المتعددة في حديقة قصر ويليام موريس كيلمسكوت في كوتسوولدز، وهي تبدو غريبة تمامًا على الزوار الذين يكتشفونها لأول مرة الآن. ولكن هناك أجزاء كثيرة من العالم، مثل جنوب شرق آسيا والهند وأفريقيا، حيث لا يزال الاستحمام والمراحيض في الهواء الطلق أو الجماعي هو القاعدة.
(مرحاض ثلاثي من قصر موريس)
وأكدت الكاتبة أن بحثها جعلها - أكثر من أي وقت مضى - مقتنعة بأن الحمامات، بعيدًا عن كونها قطعًا تقنية مباشرة، هي عوامل تحديد ثقافي وتاريخي، فالعوامل الاجتماعية مثل الجنس والطبقة والعرق والدين تشكل تصميمها وترتيبها وتؤثر على استخدامها.
فحتى اليوم؛ مع وجود عدد قليل من المرافق الأخرى التي يتم فيها الفصل بين الجنسين في الغرب، ما زلنا نتوقع أن يتم تزويدنا ببابين، أحدهما للسيدات والآخر للرجال. بالإضافة إلى ذلك؛ ففي الجنوب الأمريكي حتى الستينيات وفي جنوب أفريقيا حتى التسعينيات، كان يتم تقديم بابين للمستخدمين أحدهما للملونين والآخر لذوي البشرة البيضاء، أو أبيض وغير أبيض، بالإضافة إلى أو بدلاً من التقسيم بواسطة الجنس، وهذا الفصل في الحمامات الذي يتغير حسب النظام السياسي الحاكم يؤكد أنه لا يوجد شيء طبيعي في ذلك، فمن خلال منع الاختلاط أو الأنشطة الاجتماعية المختلطة، تعكس هذه المساحات المنفصلة وتشكل ليس فقط التقسيم الثنائي بين الرجال والنساء ولكن أيضًا العلاقات الصحيحة بين الأشخاص من نفس الجنس.
وتكشف الكاتبة عن أنه لطالما كانت إنجلترا وأمريكا أكثر الصناع تأثيراً في ثقافة الحمام الحديثة؛ حيث كان المخترعون والمصنعون الإنجليز أول من بدأوا في صنع سلع عالية الجودة على نطاق واسع، وخفضوا التكاليف وجعلوها في متناول شريحة أوسع من السكان منذ خمسينيات القرن التاسع عشر.
ومنذ القرن التاسع عشر فصاعدًا، لن يقتصر الأمر على المنتجات والتقنيات الإنجليزية التي تم تبنيها فحسب، بل أيضًا نموذج الصرف الصحي الإنجليزي بأكمله، والذي تمت محاكاته وتصديره إلى المدن في جميع أنحاء أوروبا - وبالطبع إلى المستعمرات البريطانية.
اظهار أخبار متعلقة
ويعود تاريخ البنية التحتية المائية - بحسب الكاتبة - في العديد من الدول إلى الحقبة الاستعمارية، وقد تم تشييدها بالإشارة إلى الأمة "الأم". وفي عام 1927، وصف باركر توماس مون تدخلات البنية التحتية بأنها "الإمبريالية الصحية" التي أعادت تشكيل المدن الاستعمارية من بومباي إلى مانيلا، ليظل المرحاض الدافق نفسه مؤشرًا قويًّا للحضارة الذي يُستخدم كمقياس للتقدم في البلدان النامية.
وعلى الرغم من تفكيك الإمبراطوريات بعد الحرب العالمية الثانية، استمر تصدير الحمام الغربي كجزء من عملية "الأمركة". فبعد الحرب؛ لاحظت روز جورج تأثير القوات الأمريكية المتمركزة في اليابان، والتي توقعت استخدام نفس المرافق الموجودة في المنزل؛ حيث تم نقل الصرف الصحي والنظافة على الطريقة الأمريكية إلى الخارج من قبل الشركات متعددة الجنسيات.
وتنوه الكاتبة إلى أنه بالرغم من ذلك فلا يتم تبني الحمام الغربي والتركيبات والممارسات المرتبطة به بسرعة، ففي الصين مثلًا قاوم القرويون الحمام الداخلي لأنهم لا يريدون جلب الأوساخ إلى منازلهم. وقد أدى الطلب على الحمامات الغربية إلى إعادة تشكيل منازل الطبقة المتوسطة من أنقرة إلى جاكارتا ومن موسكو إلى كراتشي، ولكن تم تعديل هذه الحمامات عمومًا لتناسب العادات والتقاليد المحلية. (المصدر)