حيث يتجمع الأهل والأقارب والأصدقاء بعد صلاة الجمعة الأخيرة من شعبان، الشهرُ الثامن من السنة القمرية أو التقويم الهجري، أو بعد صلاة المغرب، لتناول بعض أنواع الأطعمة التي قد لا يتناولونها في رمضان، فيما يعدونه عادة قديمة مازال يتوارثها البعض.
الأسر التي تصر على استمرار تلك العادة، تدعو بناتها المتزوجات، وتطلب قدوم أبنائها من القاهرة ومن المدن لهذا الاحتفال البسيط؛ تمهيدا لاستمرار بعضهم لقضاء رمضان في الريف أو على الأقل إفطار اليوم الأول فيه، وسط فرحة واستقبال جماعي للشهر الكريم.
"موسم رزق واسع"
الفسيخ، والسردين، والرنجة، والملوحة، والأنشوجة، والخضروات من خس وجرجير وبصل، إلى جانب الفطير المشلتت، مع الجبن الحادق، الذي يتم توزيعه على الأهل والجيران، هي الأطعمة المعتمدة لدى منظمي غدوة الحبايب.
شعبان الذي يعتقد المسلمون بأنه شهر الرسول الذي يتشعب فيه الخير، يسبقه ويتخلله إعلانات واسعة عبر مواقع التواصل المصرية من محال عمل الفطائر، والعسل النحل، وبائعي الجبن المملح أو الحادق، وأيضا محال بيع الأسماك المملحة، وكذلك المطاعم التي تستقبل بعض من يحيون غدوة الحبايب.
ووفقا للحسابات الفلكية، فمن المتوقع حلول شهر رمضان 1446 هجرية يوم السبت غرة آذار/ مارس المقبل، وذلك بعد تحري رؤية الهلال مساء الجمعة 28 شباط/ فبراير الجاري، ما يعني أن غدوة الحبايب قد تسبق أول إفطار في رمضان بيوم واحد.
"في ريف الدلتا"
يقول الحاج حجازي، (مدير سابق بشركة المياه الحكومية): "لنا نحن أهل الريف في رجب، وشعبان، ورمضان، عادات ورثناها عن الأجداد وعشناها ونحن أطفال، وصار علينا مواصلة الاحتفال بها وتوريثها للأجيال القادمة، خاصة مع انفراط عقد الأسرة الكبيرة، وقلة التجمعات الأسرية وانحسارها على الأفراح والمآتم".

ويوضح لـ"عربي21 لايت"، أنه "الأخ الأكبر لعائلة مكونة من 5 بنات، يحرص على تقديم مواسم لأخواته ولبناته، تلك المواسم عبارة عن لحوم وخبز فلاحي وأرز، مع حلول شهر رجب وبمناسبة موسم الإسراء والمعراج، ومنتصف شعبان، ومع قدوم رمضان، وعيدي الفطر والأضحى، وغيرها من المواسم الدينية".
إظهار أخبار متعلقة
ويضيف: "من بين عاداتنا الريفية غدوة الحبايب، في الجمعة الأخيرة من شعبان، ومن بداية الشهر أقوم بعمل الاتصالات بأخواتي وأزواجهن وحتى بناتهن المتزوجات، وأيضا بناتي وأزواجهن للتجمع بعد صلاة الجمعة الأخيرة، في بيت العائلة الذي يستعد للمناسبة بالتنظيف والطعام".
ويبين أنه "يتم عمل الفطير المشلتت والخبز الفلاحي ومعه العسل الأسود والأبيض والجبن الحادق، وبعض صواني الطعام الأخرى، كما يكون للفسيخ والرنجة والسردين والأسماك المملحة مكان دائم في موائد غدوة الحبايب".

"لهذا تراجعت"
ويلفت الحاج حمدي، (فلاح) إلى أنه لم يعد يقوم بتلك العادة الشعبية المرتبطة بالمناسبة الدينية، مشيرا إلى أن الأسباب كثيرة، مبينا لـ"عربي21 لايت"، أن منها "ارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه، وعدم قدرة الأخ الكبير أو الأب على جمع لا يقل عن 20 أو 30 فردا في وجبة واحدة، خاصة مع قدوم رمضان واحتمال تكرار هذا التجمع الذي يتكلف مبالغ أكبر".
ويضيف: "نكتفي بإرسال المواسم لبناتنا، وتكون عبارة عن 2 كليو لحوم طازجة وخبز فلاحي وأرز أو دقيق أو مكرونة وخلافه"، ملمحا إلى جانب آخر كان سببا في تراجع عادة غدوة الحبايب، وهو وفق رؤيته: "زيادة الخلافات الأسرية وتقطع الروابط، وانفصال الأسرة الصغيرة عن الأسرة الكبيرة، والاكتفاء بحضور الأفراح والمآتم والأعياد فقط".
"صفحة جديدة قبل رمضان"
الحاج حجازي، أكد ما قاله الحاج حمدي، لكنه يوضح أنه "بالفعل مع ضغوط الحياة والغلاء وكثرة الخلافات الأسرية قل التجمع على غدوة الحبايب، ولكني أعدها فرصة للتصالح بين كل متخاصم ومتخاصمة، ونبذ الخلاف والشقاق وتصفية النفوس قبل رمضان".
ويلفت إلى أنها "فرصة للجميع للتخلص من خلافاتهم واللقاء قبل رمضان، والعتاب أو حتى الحساب على أخطاء عام كامل قبل شهر رمضان".
ويؤكد أن "غدوة الحبايب قبل 20 و30 عاما كانت أكثر انتشارا، حتى إن والدتي كانت تعد لي غدوة الحبايب أحملها معي لأصدقاء الدراسة في المدرسة الثانوية في المدينة عاصمة مركز قريتنا، وأيضا خلال فترة خدمتي العسكرية، كنت أحملها لزملائي وضباط الصف، وحتى بعض الضباط كنا نتجمع عليها، ولكن حاليا لا يحدث هذا".
ماذا عن الصعيد؟
في صعيد مصر الممتد من مدينة الجيزة غرب القاهرة وحتى أسوان شمال السودان، تختفي عادة أهل الدلتا في "غدوة الحبايب"، حيث يؤكد محمود الأسواني أن "تلك العادة غير منتشرة بشكل عام بين مدن الصعيد، ولكنها من الممكن أن تكون لدى بعض الأسر والعائلات".
ويوضح لـ"عربي21 لايت"، أن "قرى الصعيد وبشكل خاص في مراكز محافظة أسوان، تتمثل التجمعات ليس في غدوة الحبايب، ولكن تكون في إفطار أول أيام رمضان الذي يشمل الأسرة الكبيرة بكل فروعها، وقد تضم بعض الجيران".
"غدوة حبايب العريس والصوفية"
وفي سيناء، يؤكد أشرف أيوب، أن "غدوة الحبايب بهذا المفهوم وذلك التوقيت غير موجودة بين عادت أهل سيناء، فلا يستبقون رمضان بأي ولائم، وتجمع الأسر والتزاور يكون إما ليلة رؤية رمضان أو بإفطار أول أيام الشهر".
ويبين لـ"عربي21 لايت"، أن "مفهوم غدوة الحبايب يكون حاضرا في مناسبات العرس لدى أهالي سيناء، حيث يتجمع الأهل والأصدقاء عند العريس على هذا الاسم غدوة الحبايب، لأكل اللحوم"، مشيرا إلى أن "الصوفية من أهل سيناء لهم تجمعات دائمة على أطعمة تحت مسمى غدوة الحبايب، ولكنها ليست في الجمعة الأخيرة من شعبان".