تعرف إلى تاريخ العملات في الخليج العربي.. روبية هندية وريال عمادي (شاهد)

استخدم العرب الكثير من العملات قبل أن تصبح على الشكل الذي هي عليه الآن، فاستخدموا عملات الممالك والإمبراطوريات المجاورة، إلى أن طبع الأمويون دينارهم باللغة العربية لأول مرة، حيث وضع الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان صورته على أول دينار عربي، وكتب عليه بالعربية: "لا إله إلا الله"، وصورته يحمل سيفا.



وبدأ الخلفاء بعد ذلك بالتحسين والتغيير على الدنانير ووزنها، وقيمتها، وأماكن صكها، وصولا إلى العصر الحديث، حين أصبحت معظم المنطقة العربية ضمن الخلافة العثمانية.

تنوعت العملات في العهد العثماني بين الذهبية، والنحاسية، والفضية، وتميزت بوضوح الكتابة، وانتشرت واسعا، وتم التداول بها لفترات طويلة من الزمن، وتميزت بالخلو من العبارات الدينية، واقتصرت على أسماء السلاطين، وتاريخ الصك، وألقاب تشيد بالخليفة.

إظهار أخبار متعلقة

وحملت "الليرة" العثمانية أسماء عدة، نسبة لمن صكها، ففي عهد السلطان عبد الحمد كان الليرة "حميدية"، وفي عهد السلطان عبدالمجيد أصبحت "مجيدية"، وفي عهد محمد الخامس رشاد بن عبد المجيد أصبحت "رشادية".

وبعد سقوط الدولة العثمانية، دخلت المنطقة العربية في مراحل مختلفة من تغير العملة، لدواعي الاحتلال، والاستقلال أيضا.

الريال العربي السعودي

بعد أن تمكن الملك عبدالعزيز من توحيد الحجاز مع نجد  عام 1925 أقر التعامل بالريال الفرنسي، والنقود العثمانية، لكنه دمغها بكلمة "الحجاز"، وأمر الملك بسك نقود نحاسية بكميات كبيرة، ودرجت البلاد على سك العملات بفئات مختلفة ونقوش مختلفة.

وفي عام 1926 أمر الملك بسك نقود جديدة من معدن الكوبر نيكل، وبعد ذلك بسنتين تقريبا، ألغي التعامل بجميع النقود المتداولة كالعثمانية والهاشمية، ولاحقا تم طرح الريال العربي من الفضة، على غرار الريال المجيدي وضرب في مكة المكرمة.



وفي عام 1928، تم وضع أول نظام نقدي رسمي في البلاد، ونشر في الجريدة الرسمية، ونص على حجم ووزن الريال العربي وقيمته مقابل الجنيه الإنجليزي، الذي اعتبر الأساس المقياسي لأسعار العملة الفضية العربية.

وتم إعادة سك الريال العربي مرات عديدة في سنوات مختلفة إلى حين تحويل مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية، ليتم في عام 1935 طرح أو نقد يحمل الاسم الجديد للبلاد.

إظهار أخبار متعلقة

ومرت السوق بفترة كبيرة من التقلبات المالية والاضطرابات في الصرف والمدفوعات حتى عام 1952، حيث استقدم الملك بعثة مالية أمريكية، برئاسة آرثر يونغ، لتقديم المشورة، وصدر لاحقا مرسوم بإنشاء مؤسسة النقد العربي السعودي، لتثبيت قيمة العملة ودعمها.

وفي العام ذاته، طرح الجنيه الذهبي السعودي، وحدد سعر صرفه بـ 40 ريالا فضيا.

إيصالات الحجاج

وفي عام 1953 صدرت أول نواة للعملة الورقية في السعودية، وعرفت آنذاك بـ"إيصالات الحجاج"، حيث مؤسسة النقد بطرح فئة العشرة ريالات، التي طبع منها خمسة ملايين إيصال، كطبعة أولى، كتب عليها عبارات متعددة باللغة العربية، والفارسية، والإنجليزية، والأردية، والتركية، والمالاوية، ما يحفظ لحاملها قيمة الإيصال من الريالات الفضية السعودية، وقد لاقت استحسان وقبول الحجاج، لخفة وزن الورقة، وسهولة حملها مقارنة بالعملة المعدنية.

وطبع من إيصالات الحجاج عدة إصدارات بعدة قيم مختلفة.




وفي عام 1961 طرح الإصدار الأول من النقد الورقي في المملكة، في عهد الملك سعود بن عبد العزيز، جاء بعده خمسة إصدارات آخرها في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، عام 2016، وفي عام 2021 طرحت فئة مائتي ريال لتخليد رؤية المملكة 2023، واعتبرت جزءا من الإصدار السادس وليست إصدارا منفصلا.

روبية هندية خليجية!

هيمنت بريطانيا على منطقة الخليج منذ عام 1820 وحتى عام 1971، وكانت الهيمنة البريطانية على شكل نفوذ اقتصادي تحول إلى هيمنة سياسية على دول الخليج العربي.

لكن الاهتمام البريطاني بمنطقة الخليج بدأ مبكرا في القرن السابع عشر، بهدف تطوير المصالح التجارية لمنافسة البرتغال، وفرنسا، وهولندا، تم توطدت علاقة بريطانيا بدول الخليج مع توسيع ممتلكاتها الاستعمارية في الهند. (المصدر) 

وبعد أن تحول الخليج إلى منطقة نفوذ بريطانية، أصبحت مشيخات الخليج تابعة إداريا لـ"الراج البريطاني" في الهند، ومن هناك أتى الإداريون الذين ساعدوا في إنشاء مؤسسات في دول خليجية لا سيما البحرين، كالشرطة، والجمارك، والبنوك، والصحة، وعندها فرضت بريطانيا "الروبية الهندية" المضروبة في بومباي وكلكتا عملة في الخليج العربي. (المصدر)

لكن في عام 1958 تغير الحال، وقررت الحكومة الهندية إصدار روبية خاصة بالخليج، وأصبح اسمها "الروبية الخليجية"، مختلفة عن تلك المتداولة في الهند، لكنها مشابهة لها من ناحية سعر الصرف.



وظلت الروبية الخليجية متداولة في دول الخليج العربية، إلى أن ظهرت أول مبادرات إصدار العملات المحلية بعد الاستقلال، وكانت الكويت أولى المبادرين (المصدر).

تجربة كويتية مبكرة

حاولت الكويت عام 1886 سك أول عملة وطنية تعبر عن سيادتها، كتب على أحد وجوهها "الكويت" وعلى الجانب الآخر، توقيع أميرها آنذاك عبدالله بن صباح الصباح، وكان السك يدويا بالمطارق ما نتج عنه قطع نقدية بأشكال مختلفة وكانت من النحاس.

طرح من "البيزة" الكويتية (1/10 روبية) بضع مئات في السوق، وتم التداول بها لعدة شهور فقط، قبل أن يتوقف التداول بسبب أن نظيرتها الهندية أقوى في التعامل بسبب وجود غطاء من الذهب لها في خزينة الهند، بينما عملة الكويت لم يكن لها أي غطاء (المصدر).


الدينار الكويتي أول العملات بعد الاستقلال

وبعد الاستقلال، رأت الكويت في عام 1960 أن الظروف أصبحت مهيئة لإنشاء عملة وطنية، فصدر مرسوم أميري لإنشاء مجلس النقد الكويتي، وجعل الدينار وحدة النقد الجديدة للبلاد، ورأس المجلس الشيخ جابر الأحمد الصباح، وضم المجلس مندوبا من بنك إنجلترا، وبدأ العمل على تحديد شكل وحجم العملة الجديدة.

وفي عام 1961 غادر وفد كويتي رسمي إلى الهند للتفاوض مع وزارة المالية الهندية، من أجل استرداد الروبيات التي سيتم سحبها من التداول في الكويت بعد طرح الدينار الكويتي، وعرضت الهند تقديم سندات بالروبية الهندية لحكومة الكويت، مقابل الروبيات المتداولة في الخليج، تدفع على ست سنوات بفائدة 4%، لكن الكويت طلبت أن تكون السندات بالجنية الإسترليني وأصبحت الفائدة 4.5%.

وفي وقت لاحق من العام ذاته، بدأت عملية الاستبدال، وكان كل دينار كويتي واحد يعادل 13.3 روبية هندية، وعمل موظفو كل من البنك البريطاني للشرق الأوسط، وبنك الكويت الوطني، والبنك التجاري الكويتي، لثمانية أسابيع كاملة، استبدلوا خلالها ملايين الروبيات بالدينار الكويتي، وتم سحب 342 مليون روبية هندية من الكويت، وانتهى التعامل بها في أيار/ مايو 1961 بعد 120 عاما على التداول بها.



عُمان تطلق ريالها "السعيدي"

في عام 1970 أصدرت عُمان مرسوم العملة، الذي يحدد مواصفات عملة البلاد الجديدة بدلا من الروبية الخليجية، وأطلق عليها "الريال السعيدي"، الذي أصبح عملة رسمية للبلاد في أيار/ مايو من العام ذاته.

وقد قسم الريال الجديد إلى  1000 "بيسة"، وكانت القيمة التعادلية الاسمية للريال السعيدي 2.13281 غراما من الذهب المنقى.



وبحسب بيانات البنك المركزي العماني، فقد تم استبدال العملة القديمة بالعملة الجديدة في غضون فترة 14 يوما، وتم تحديد سعر الصرف على أساس أن الروبية الهندية تعادل 75 بيسة، وتم تأسيس "سلطة نقد مسقط"، بهدف طباعة وإصدار وإدارة العملية داخل البلاد.

وفي عام 1972م، أصبحت سلطنة عُمان عضوا في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وتم إصدار مرسوم لطرح عملة جديدة باسم "الريال العماني" الذي يتم تداوله حتى الآن. (المصدر)

 ريال قطر ودبي

عرفت قطر قبل عام 1959 عدة عملات، فتداولت الليرة العثمانية المجيدية، والريال الفرنسي الفضي، والجنيه الإسترليني الذهبي، وبعدها استخدمت الروبية الخليجية التي أصدرتها الهند، شأنها شأن باقي دول الخليج من جوارها، واستمر ذلك حتى عام 1966.

وفي أيلول/ سبتمبر من عام 1966، قررت قطر إنشاء مجلس نقد "قطر ودبي"، وأوكلت إليه مهمة إصدار عملة جديدة للبلاد، أطلق عليها "ريال قطر ودبي" الذي ظل متداولا حتى إنشاء الإمارات العربية المتحدة، وانضمام دبي لها، وإصدار الدرهم الإماراتي، ما حذا بقطر إصدار عملة جديدة للبلاد عام 1973 باسم الريال القطري، وتصفية مجلس نقد "قطر ودبي" لصالح "مؤسسة النقد القطري". (المصدر)




الدينار البحريني

بدأ التاريخ النقدي في البحرين بتأسيس مجلس النقد البحريني في عام 1964، حيث قام بإصدار الدينار البحريني الجديد الأول في 1965 ليحل محل الروبية الخليجية.

وتداولت إمارة أبوظبي بالدينار البحريني، إلى حين انضمامها إلى الإمارات العربية المتحدة.

الدرهم الإماراتي

أسست الإمارات العربية المتحدة مجلس النقد عام 1973، وأصدرت العملية المحلية "الدرهم الإماراتي"، ليحل محل "ريال قطر ودبي"، المتداول في جميع الإمارات عدا أبوظبي، التي كانت تتداول بـ"الدينار البحريني".

وفي عام 1980 حل المصرف المركزي محل مجلس النقد. (المصدر)

اليمن شمالا وجنوبا

كانت أولى محاولات الاستقلال النقدي في اليمن، إبان المملكة المتوكلية، حيث بدأ الإمام يحيى بن محمد حميد الدين بسك النقود حتى قبل خروج العثمانيين من اليمن، وكانت أول قطعة ظهرت له عام 1913 م وسميت بالريال العمادي.

إظهار أخبار متعلقة

في التاريخ الحديث، وبعد ثورة عام 1962 تم إنشاء البنك اليمني للإنشاء والتعمير في الشطر الشمالي ليكون بداية النظام النقدي هناك، وبعد عامين صدر قرار بإنشاء لجنة النقد اليمنية، وأصدر لها مهمة إصدار العملة الوطنية في عام 1964.

الريال الشمالي

بعد شهر واحد من قيام الثورة في الشطر الشمالي من اليمن عام 1962م، تم إنشاء البنك اليمني للإنشاء والتعمير، الذي يعد البداية الأولى للنظام النقدي، والذي أسند إليه مهام البنك المركزي والبنوك التجارية والمتخصصة.



وفي عام 1964م، صدر القرار الجمهوري رقم (6) الذي قضى بإنشاء لجنة النقد اليمنية وأسند إليها مهام إصدار العملة الوطنية الورقية، وتمويل عجز الموازنة بالتعاون مع البنك اليمني للإنشاء والتعمير.

وتم إنشاء هيئة الرقابة على النقد بموجب القرار الجمهوري رقم (19) لسنة 1967م، وأسند إليها مهام الرقابة على النقد وإصدار تراخيص الاستيراد.

البنك المركزي اليمني

تم إنشاء البنك المركزي اليمني في 27 تموز/ يوليو 1971م، ومنحه القانون حق إصدار العملة وتنظيم الأعمال المصرفية والائتمانية، وإدارة احتياطي البلد من الذهب والعملات الأجنبية، بالإضافة إلى تمثيل الحكومة في أي اتفاقية تكون الجمهورية العربية اليمنية طرفا فيها.

الدينار الجنوبي

في عام 1871م، افتتح أول فرعين لوكالة (لوك توماس) البحرية، ووكالة (قهوجي دنشا) الهندية في عدن، كانتا تقومان بأعمال التمويل المصرفي من أجل تيسير نشاط الشركات الهندية والبريطانية.

ومع تزايد الأهمية التجارية لمدينة عدن، بدأت المصارف الكبرى في الهند وبريطانيا تفتح فروعا في عدن، ففي عام 1895م، افتتح البنك الأهلي الهندي فرعا له في مدينة عدن، وظلت فروع الوكالات والمصارف محتكرة النشاط المالي في مدينة عدن حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، بعدها ظهرت عدد من الوكالات والمصارف العربية والأجنبية، نتيجة التطور الاقتصادي لمدينة عدن وإنشاء مصفاة البترول، وقامت هذه البنوك بإنشاء جمعية لها في عام 1956م.



ويعد عام 1964م نقطة تحول في التاريخ النقدي للشطر الجنوبي، حيث تم فيه إنشاء مؤسسة نقد الجنوب العربي، الذي تم بموجبه استقلال منطقة عدن نقديا عن منطقة شرق أفريقيا.

مصرف اليمن

بعد أن نال الشطر الجنوبي من اليمن استقلاله من الاحتلال البريطاني عام 1967م، تم تأميم جميع المصارف التجارية التي كانت تعمل، بموجب القانون رقم (27) لسنة 1969م، ودمجت جميعها في مصرف واحد سمي بـ (البنك الأهلي اليمني).

في العام 1972م، صدر قانون النظام المصرفي رقم (36) بإنشاء مصرف اليمن كمصرف مركزي متخصص يتولى جميع وظائف واختصاصات ومهام المصرف المركزي، ومن ضمن المهام التي وردت في نص القانون، متابعة ودعم دور النظام المصرفي في التنمية.

البنك المركزي بعد الوحدة

بعد الوحدة اليمنية في عام 1990م، كان أول إجراء اتخذته حكومة الوحدة إصدار القانون رقم (21) لسنة 1991م الذي نص على توحيد المصرفين المركزيين الحكوميين في مصرف مركزي واحد يسمى (البنك المركزي اليمني) برأسمال (150) مليون ريال، واعتبر مصرف اليمن في عدن وجميع فروعه في المحافظات الجنوبية والشرقية فروعا للبنك المركزي الموحد. 



مرت العملات العربية عبر التاريخ بتحولات كبيرة، تأثرت بالظروف السياسية والاقتصادية لكل عصر. فمن استخدام عملات الدول المجاورة في العصور الأولى إلى سك النقود العربية في العصر الأموي، ثم تنوع العملات خلال الحقبة العثمانية، وصولا إلى إصدار العملات الوطنية بعد الاستقلال.

وكان لكل مرحلة دور في تشكيل الأنظمة النقدية الحالية. واليوم، تعكس العملات العربية هوية الدول وسيادتها، وتواكب التطورات الاقتصادية العالمية، مما يعزز استقرارها ومكانتها في الأسواق المالية.