كما استمرت قصائد "شاعر الرسول" حسان بن ثابت في صدر الإسلام هي المادة الثرية لكثير ممن امتهنوا ذلك الفن طوال قرون، حتى شهد ازدهارا في مصر خلال عهد أحمد بن طولون (332ه) والدولة الطولونية، والدولة الفاطمية التي ابتدعت الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وما تلا ذلك من تطور واستمرار لفن الإنشاد الصوفي.
"من إمام المنشدين حتى أم كلثوم"
ويُعتبر الشيخ إمام محمد بن عبد الله بن الحسين البصري، والذي عاش في القرن الثالث الهجري وما بين أعوام (809- 888 ميلادية)، "إمام المنشدين"، وأول منشد ديني في مصر، ومن أشهر أناشيده: "تاج العروس"، "البردة"، و"الهمزية".
وفي العصر الحديث وبالقرن الـ19 ظهر منشدون، مثل: الشيخ المسلوب، والشيخ محمد عثمان، لتظهر أصوات الشيخ سلامة حجازي، والشيخ سيد درويش، والشيخ زكريا أحمد، والتي جرى تسجيل الكثير منها على إسطوانات بدايات القرن العشرين، وكانت المادة الأهم للإذاعات الأهلية في مصر، في ذلك التوقيت.
اظهار أخبار متعلقة
ومع انطلاق الإذاعة المصرية رسميا في ثلاثينيات القرن الماضي ظهرت أجيال من المنشدين والمطربين أثروا الفن العربي بما قدموه من فنون تعبر عن المناسبات الدينية، بداية من قدوم رمضان وشعيرة الحج وعيدي الفطر والأضحى وحتى مناسبة المولد النبوي.
وكان في كل قرية مصرية منشدها، وجوقته، الذين يحيون مناسبات المولد النبوي، وموالد الأولياء الصالحين، ويقيمون السهرات الرمضانية في قصور الأغنياء وكان يطلق عليهم أهل الدلتا الصييتة، أو المداحين كما يطلقون عليهم في صعيد مصر.
وبدأ البث الإذاعي في مصر عبر إذاعات أهلية، في عشرينيات القرن الماضي، ليبدأ بث الإذاعة الحكومية المصرية رسميا 31 أيار/ مايو 1934، بآيات من القرآن الكريم بصوت الشيخ محمد رفعت، صاحب لقب "قيثارة السماء"، لينال الإنشاد الديني والابتهالات والتواشيح جانبا مهما في مواد الإذاعة المصرية والعربية الوحيدة في ذلك الحين.
اظهار أخبار متعلقة
كشفت الإذاعة المصرية عن مواهب مازالت أعمالها تثري الميكروفون وبينها ما قدمته سيدة الغناء العربي أم كلثوم في بداياتها الفنية من تواشيح وأناشيد، وأغان مثل "ولد الهدى، والثلاثية المقدسة ورباعيات الخيام"، إلى جانب الشيخة كريمة العدلية، و"منشد الرسول" محمد الكحلاوي (المتوفى عام 1982).
وفي خمسينيات القرن الماضي، برزت أسماء المنشدات "هنيات شعبان"، و"وفاء المرسي"، و"سمية عبد العليم"، و"هناء خميس"، وخضرة محمد خضر، ولاحقا جاء صوت الفنانة سعاد محمد، والمطربة ياسمين الخيام، والمنشدة عايدة الأيوبي، ليحقق نجاحا كبيرا عبر السينما والتليفزيون والإذاعة، إلى جانب أسماء شعبية مثل الشيخة نبيلة عطوة، والشيخة نورا مصطفى.
"مؤسس علم الإنشاد"
وذلك إلى جانب الشيخ علي محمود المتوفى عام 1946، والذي يصفه البعض بأنه مؤسس علم الإنشاد الديني الحالي، ومعلم الأجيال المتتابعة من المبتهلين والمنشدين، الذين أبدعوا ومازال تراثهم محفورا في وجدان عشاق هذا الفن، مثل الشيخ طه الفشني، وبطانته، والشيخ محمد الفيومي المبتهل الكفيف، والشيخ كامل يوسف البهتيمي، بحسب تقرير لموقع "رصيف 22".
ويظل ما تركه الشيخ نصر الدين طوبار (توفي عام 1986)، والشيخ سيد النقشبندي (استعان بكبار الملحنين في مصر)، والشيخ الكفيف محمد عمران (توفي 1994)، والشيخ محمد الهلباوي (توفي 2013)، من تراث يثري الإذاعات والفضائيات المصرية والعربية وحتى مواقع الإنترنت.
وإلى جانب منشدي ومبتهلي الإذاعة المصرية برع الشيخ أحمد التونى أو شيخ المنشدين، صاحب لقب "ساقي الأرواح"، المتوفى عام 2014، في الانتقال بالإنشاد الصوفي الذي انطلق به من صعيد مصر إلى العالمية، مستخدما الموسيقى الشعبية الصعيدية مثل الربابة والناي والرق والطبلة، وذلك إلى جانب الشيخ عليوة والشيخ أحمد برين، والشيخ أمين الدشناوي، والشيخ ياسين التهامي عشق كل مصري صعيدي.
بقي الكثير من فن هؤلاء المنشدين حتى اليوم، لكنه مع ظهور الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي نشأت أجيال جديدة من شباب المنشدين الذين يغلب عليهم الفتيات والأطفال، فيما استلهم بعضهم التراث القديم وعرضه بطريقة جديدة، فيما قدم البعض الآخر أناشيد جديدة لموضوعات تتناسب مع الزمن الحالي، وتلاقي جميعها قبولا وانتشارا وتفاعلا واسعا.
وكما قدمت "عربي لايت"، تقارير عديدة سابقة عن أهم أغاني التراث الديني والعربي عن شهر رمضان وشعيرة الصيام، وعن عيد الفطر، وفريضة الحج وعيد الأضحى، والمناسبات الإسلامية بينها المولد النبوي الشريف، ترصد بعضا من أجمل ما يقدمه الجيل الجديد من المنشدين بمناسبة شهر رمضان.