علينا أن نبني أسوارا من الحب حول من نهتم لأجلهم، لا أن نعلي أسوار الخوف بينها وبينهم.
يخلط كثير من الآباء والأمهات بين التربية والرعاية، بعض يظن أنهما شيء واحد، وبعض آخر يخلط بينهما بحسن نية وقلة دراية، لكن هذا لا يشفع عندما يكبر الآباء أو الأبناء كما حدث مع بطل فيلمنا "تروي".
"أسوار" أو "Fences"، فيلم درامي مأخوذ عن مسرحية "أسوار" من تأليف أوغست ويلسون، ومن بطولة فيولا ديفيس ودينزل واشنطن الذي أخرجه وشارك في إنتاجه أيضا.
اظهار أخبار متعلقة
ترشح الفيلم لأربع جوائز أوسكار لكنه حاز على واحدة منها لأفضل ممثلة مساعدة كانت من نصيب فيولا ديفيس.
في مطلع الفيلم، يقف "تروي" في مؤخرة سيارة جمع القمامة التي تجوب أحياء المدينة وهو أمر لا يعجبه، لكنه في منزله قائد يوجه زوجته، ويزجر أبناءه.
يحمي "تروي" مملكته من الغرباء والمتسللين، ويبني لأجل ذلك "سورا" حول منزله بإرداته، وآخر بينه وبين عائلته دون أن يدري.
سور لا يمنعهم من التمرد عليه بين حين وآخر، ولا يفلح في إبقائهم تحت كنفه، ولا ينجح في خلق نسخ منه لحياة غير التي عاشها، فكما ينسب لأفلاطون تارة، ولأرسطو تارة أخرى "لا تربوا أبنائكم كما رباكم آباؤكم، فقد خلقوا لزمان غير زمانكم".
اظهار أخبار متعلقة
يطمح "تروي" لقيادة سيارة جمع القمامة أيضا، مثله مثل الرجل الأبيض في الخمسينات، فللقيادة جمالها ورونقها حتى لو كانت سيارة قمامة.
وإن كان حوارات سيارة القمامة قصيرة نسبيا، فإن حوارات الحديقة الخلفية للمنزل، والذكريات على درجات المنزل القديم، هي التي جعلت من الفيلم أحد أجمل أعمال "دينزل واشنطن".
"تروي" الرجل الذي أحب "روز" وتزوجها، يحمي باب منزله الأمامي بنفسه، ويوكل مهمة حماية الحديقة الخلفية لديك يصيح إذا اقترب الرجال من زوجته.
يلاحظ المشاهد في حوارات تروي مع شخصيات الفيلم الأخرى أنه يواجه صعوبات في استيعاب دوران عجلة الزمن، وأن ما قبل الحرب ليس كما بعدها.
يتحدث عن كل شيء، عن ماضيه الرياضي، والحرب، والعنصرية، والخمر، ومن أين يجب أن يشتري احتياجاته، والموت الذي يرى أنه جزء من الحياة.
اظهار أخبار متعلقة
يؤمن أن الشراء من متجر أغلى بـ 10 سنتات فيه بائعة تصبر عليه ليسدد ما عليه أمرا أخلاقيا، ويرفض أن يتسوق بأسعار أرخص من مكان آخر حين يتوفر المال فيكون خائنا لتلك السيدة التي لا يربطه بها شيء.
لكنه لا يرى القفز من فوق أسواره إلى حضن امرأة أخرى غير زوجته خيانة، بل هروبا من التعب إلى الراحة، ومن الالتزام إلى البحبوحة، ومن البكاء إلى الضحك.
يخلط الرجل بين التربية والرعاية، يظن أن مجرد رعايته لأبنائه هو غاية وجوده، فهو يطعم ويكسو، ويوفر مكانا للنوم، لكنه لا يحصد نتيجة ذلك في أخلاقهم ومشاعرهم تجاهه، ذلك أنه رعاهم ليس إلا.
في الباحة الخلفية، حيث يقضي تروي وقته يعد في السور الذي سيحمي حدود بيته، يدخل مع ابنه "كوري" في جدال حول السماح له باللعب في الفريق الرياضي للمدرسة الأمر الذي يرفضه الوالد الذي كان رياضيا سابقا لم يحصل على فرصته بسبب عنصرية "الرجل الأبيض"، ليسأله ابنه "لم لا تحبني؟".
لم يجزع "تروي" من السؤال، ولم ينفي التهمة أصلا، بل على العكس يرى أنه غير ملزم بأن يحب ابنه، وأنه لا يوجد "قانون" يجبره على أن يحب ابنه، وإنه يفعل ما يفعل لأنه واجبه كأب يعتني بأسرته.
أنت تعيش في بيتي، تملأ بطنك بطعامي،
تنام على سريري
ليس لأنني معجب بك، لأن من واجبي أن أعتني بك.
أنا مدين لك بمسؤولية.
لا يجب أن أحبك.
السيد راند لا يعطيني المال يوم الدفع لأنه يحبني.
يعطيني إياه لأنه مدين لي.
لا تقلق بشأن ما إذا كان شخص ما يحبك أم لا.
بل عليك أن تتأكد أن الناس يمنحونك ما تستحق.
وبين كل حوار وآخر، يعود "تروي" لإكمال سوره.
لكن فجأة ودون مقدمات يقفز تروي عن سوره ويعترف لزوجته "روز" أنه يخونها، وسيصبح أبا لطفلة من امرأة يشعر معها بأنه شخص مختلف.
يحاول أن يشرح لزوجته بالمنطق الذي يفهمه، منطق ملعب البيسبول، ولاعب القاعدة الأولى الذي ظل واقفا مكانه 18 عاما، قبل أن تأتي امرأة جديدة تشعره بأنه يمكنه التقدم للقاعدة رقم 2.
ترد روز أيضا بالمنطق الذي تفهم، ترد بأنها امرأة بسيطة، زرعت كل بذورها في رجل وتمسكت به 18 عاما منتظرة أن تزهر بذورها لكنه ليس ذنبها أن التربة كانت فاسدة!
سريعا أيضا ودون مقدمات، يخطف الموت عشيقة "تروي" التي تركت له طفلة رضيعة، فيلقي "تروي" التحية على ملك الموت، ويعده بإكمال السور سريعا، ويطلب منه أنه يبقى خارجه.
يطلب منه أن يرجع فقط عندما يكون اسمه على القائمة، وأن يدخل من الباب ولا يتسلل من وراء السور.
ينتهي تروي من بناء سوره حول منزله، لكنه لم يفلح في أن يبقى أحدا داخله، لا أبناءه، ولا صديقه القديم، ولا حتى زوجته التي حملت الطفلة الجديدة بين يديها قائلة له إن الطفلة الآن لديها أم، لكنه أصبح رجلا بلا امرأة.