نشر موقع "بيغ ثينك" تقريرًا سلط فيه الضوء على العلاقة بين الديمقراطية والصحة الجيدة؛ حيث كشف عن أن هناك دلائل تشير إلى أن النظم الديمقراطية قد تكون مفيدة للصحة العامة والأمان الصحي.
ونقل الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21 لايت"، ما كتبه أمارتيا سين في كتابه "التنمية كحرية"؛ حيث قال إنه في الديمقراطيات المتعددة الأحزاب العاملة "يكون لدى الحكام الحافز للاستماع إلى ما يريده الناس إذا كان عليهم مواجهة انتقاداتهم والسعي للحصول على دعمهم في الانتخابات".
ووفق الموقع؛ فإن سين أوضح هذه النقطة في سياق الأزمات الغذائية؛ وأشار إلى أن المجاعات لا تحدث عادة في الأنظمة الديمقراطية، ولكن حجته عامة، والفكرة القائلة بأن المؤسسات الديمقراطية القوية قادرة على تحسين النتائج الاجتماعية تحظى بشعبية كبيرة في دوائر التنمية الدولية.
العلاقة عبر البلاد بين الديمقراطية والصحة
واستعرض الموقع رسمًا بيانيًّا يوضح العلاقة المتبادلة بين البلدان بين مقياس إجمالي للصحة، ومتوسط العمر المتوقع، ومقياس إجمالي للديمقراطية، وهو مؤشر الديمقراطية الليبرالية.
وأفاد الموقع بأنه يتم إنتاج مؤشر الديمقراطية الليبرالية من قبل مشروع أصناف الديمقراطية في جامعة غوتنبرغ. ويستند المؤشر إلى تقييم نوعي وكمي للانتخابات وحقوق الاقتراع، وحرية التعبير وتكوين الجمعيات، والمساواة أمام القانون، والقيود القضائية والتشريعية على السلطة التنفيذية. ويتم قياسه على نطاق مستمر؛ حيث تحصل الأنظمة الأكثر ديمقراطية على درجات أعلى.
وأشار الموقع إلى أن هناك ارتباطا عاما: ففي سنة 2022، تمتعت البلدان التي يبلغ مؤشر الديمقراطية الليبرالية فيها 0.7 على الأقل بمتوسط عمر متوقع لا يقل عن 70 سنة، وعلى العكس من ذلك؛ فإن جميع البلدان التي كان متوسط العمر المتوقع فيها أقل من 60 سنة كان مؤشر الديمقراطية الليبرالية فيها لا يتجاوز الـ0.51.
وذكر الموقع أن هذا الارتباط ينطبق على مقاييس أخرى للصحة والديمقراطية؛ وقد وجدت العديد من الدراسات أنه ينطبق أيضًا بعد التحكم في عوامل أخرى مثل الدخل القومي أو رأس المال البشري. وفي دراسة حديثة نُشرت في مجلة لانسيت؛ نظرت مجموعة من الباحثين في بيانات تغطي 170 دولة خلال الفترة من 1970 إلى 2015، وخلصوا إلى أن الديمقراطيات كانت أفضل من الأنظمة الاستبدادية في الحد من الوفيات - ولا سيما في أسباب الوفيات التي لم تكن مستهدفة بشكل كبير من قبل المساعدات الخارجية والتي تتطلب بنية تحتية لتقديم الرعاية الصحية.
الأثر السببي للتحول الديمقراطي على النتائج الصحية
وقال الموقع إن التجارب المضبوطة تعتبر طريقة شائعة لتحديد العلاقة السببية؛ فإذا تمكنا من اختيار بعض البلدان بشكل عشوائي وجعلها أكثر ديمقراطية؛ فيمكننا بعد ذلك أن نأخذ مجموعتين، ونستخدم إحداهما كمجموعة ضابطة، وننتظر 30 سنة لتقييم تأثير الديمقراطية على الصحة. في حين أن مثل هذه التجربة غير واردة بشكل واضح، إلا أنه في بعض الأحيان توجد "تجارب طبيعية" تمكننا من التعرف على العلاقات السببية التي تتبع منطقًا مشابهًا.
وسلط الموقع الضوء على إحدى هذه التجارب الطبيعية وهي إدخال التصويت الإلكتروني في الانتخابات المعقدة في البرازيل. ففي ظل الاقتراع الورقي؛ غالبًا ما يرتكب الناخبون الأقل تعليمًا والأفقر أخطاء، وبالتالي فإنه يتم إبطال أصواتهم. وفي سنة 1998، تم إدخال التصويت الإلكتروني، ولكن فقط للبلديات التي تضم ما لا يقل عن 40500 ناخب مسجل.
ومن خلال مقارنة البلديات التي كانت أقل بقليل من هذا القطع التعسفي وأعلى منه، وجد توماس فوجيوارا أن التصويت الإلكتروني أدى إلى انخفاض كبير في نسبة الأصوات الباطلة، وهذا أدى فعليًا إلى منح حق التصويت لملايين الناخبين، ومعظمهم كانوا أقل تعليمًا وفقراء. وأدت هذه المشاركة السياسية المعززة للفقراء، بدورها، إلى زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية العامة، مع نتائج إيجابية مثل انخفاض عدد الولادات المنخفضة الوزن وزيادة الزيارات السابقة للولادة من قبل المتخصصين في الرعاية الصحية للنساء الحوامل.
وكشف الموقع عن أن هناك دراسات أخرى وجدت أيضًا أدلة ثابتة في سياقات أخرى؛ حيث درس ماسايوكي كوداماتسو موجة التسعينيات من التحول الديمقراطي في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، ونظر في البيانات على المستوى الفردي لـ27 ألف أم أنجبت قبل سنة التحول الديمقراطي وبعدها. ووجد أنه عندما أنتجت انتخابات متعددة الأحزاب زعيمًا جديدًا، فقد انخفض معدل وفيات الرضع. ومع ذلك؛ لم يكن هناك مثل هذا الانخفاض في معدل وفيات الرضع في البلدان التي أجرى فيها الدكتاتور انتخابات متعددة الأحزاب وبقي في السلطة، أو حيث حدث تغيير القيادة بطريقة غير ديمقراطية.
الديمقراطية وتقديم الخدمات العامة
وذكر الموقع أن البحث المذكور أعلاه الذي أجراه توماس فوجيوارا يشير إلى أن تقديم الخدمات العامة كان القناة الرئيسية التي أثرت من خلالها الديمقراطية على النتائج الصحية في البرازيل. إذن، ما الذي نعرفه عن العلاقة بين الديمقراطية وتقديم الخدمات العامة بشكل عام؟
وأوضح الموقع أن العديد من الدراسات وجدت أن هناك صلة بين الانتخابات الديمقراطية والإنفاق على المنافع العامة، ولكن يبدو أن تأثير الديمقراطية على تقديم الخدمات العامة يتجاوز زيادة الإنفاق. على سبيل المثال؛ وجد روبن بيرغيس والمؤلفون المشاركون أن المنافسة الانتخابية يمكن أن تساعد في الحد من المحسوبية في الإنفاق، الأمر الذي يمكن أن يحسن النتائج الاجتماعية عن طريق الحد من التحيز في تقديم الخدمات العامة.
وهذا أمر مهم لأن الديمقراطية غالبا ما تترافق مع تحسين الحكم، بما في ذلك المزيد من السيطرة على الفساد، وتحسين الفعالية الإدارية وقدرة الدولة.
وأفاد الموقع بأن العلاقة بين الديمقراطية وفعالية الحكومة تظهر في المخطط المبعثر، باستخدام بيانات من مؤشر فعالية الحكومة، الذي يصدره البنك الدولي كجزء من مشروع مؤشرات الحكم العالمية. وهنا؛ تعكس فعالية الحكومة "تصورات حول جودة الخدمات العامة، وجودة الخدمة المدنية ودرجة استقلالها عن الضغوط السياسية، وجودة صياغة السياسات وتنفيذها، ومصداقية التزام الحكومة بهذه السياسات".
وأشار الموقع إلى أنه بالنظر إلى الأدلة ككل؛ فإن الاستنتاج هو أن هناك علاقة قوية بين البلدان وبين النتائج الصحية للسكان وقوة المؤسسات الديمقراطية، وهناك أدلة على أن هذه الارتباطات تصمد أيضًا إذا كنت تتحكم في متغيرات أخرى، ولكن هناك بعض الدراسات التي تشير إلى أن الارتباطات الشرطية أقل قوة، وبالذهاب إلى ما هو أبعد من الارتباطات، فإن هناك أدلة جيدة تشير إلى أن الارتباطات المرصودة بين البلدان هي على الأرجح سببية، ما يشير إلى أن التحول الديمقراطي يؤدي إلى صحة أفضل، ومن المرجح أن تكون الآلية السببية مدفوعة بمزيج من زيادة الإنفاق على الخدمات العامة وتحسين تقديم الخدمات العامة.