رمضان في اليمن | الصائمون يفتقدون القاضي محمد العمراني للعام الثاني

  • أشرف الفلاحي
  • الأربعاء، 12-04-2023
  • 04:55 م

يحن اليمنيون مع حلول شهر رمضان للعام الثاني، إلى ظهور القاضي محمد بن إسماعيل العمراني، والذي توفي في 2021، وهو أحد أكبر وأشهر علماء اليمن في العصر الحديث.

واشتهر العمراني، الذي افتقده اليمنيون في هذا الشهر بإطلالته في برامج بقنوات فضائية محلية، وهو أحد أبرز الشخصيات اليمنية التي شكلت حضورا جامعا، ولقب بمفتي الديار اليمنية على الرغم من عدم توليه المنصب رسميا.

اظهار أخبار متعلقة



ويوصف القاضي العمراني الذي عرف ببساطته وطرائفه ونوادره، وصلته الوثيقة بالناس بأنه "شوكاني العصر الحديث"، نظرا لعلمه الغزير، واجتهاداته الفقهية، وقد كان مرجعا لمختلف شرائح المجتمع في مناقشة قضاياهم وتلقي الفتاوى منه.

أب روحي

وفي السياق، يقول المفكر وأستاذ الفكر السياسي بجامعة تعز، فؤاد البناء، إن الشيخ العمراني، هو الأب الروحي للتدين الشعبي في بلادنا خلال العقود الأخيرة.

وأضاف البناء في حديث خاص لـ"عربي21" أن العمراني ظل الناس يسمعونه ويستفتونه عبر الإذاعة ثم عبر التلفزيون، وعبر تلاميذه الذين درسوا في حلقاته العلمية.

وبجانب ذلك، يؤكد الأكاديمي اليمني على أن القاضي العمراني كان أهم آصرة في التلاقي بين الباحثين عن الحقيقة من الزيدية والشافعية، بحكم خلفيته الزيدية وتعظيمه للسنة النبوية والصحابة الكرام.

وأشار إلى أن الشيخ العمراني لم يعط حقه من التقدير الشخصي أو من الحفاوة بإنتاجه العلمي والدعوي، بينما خرج في جنازته عشرات الآلاف من المواطنين، وهناك من يكتب عنه ويدرسه في رسائل علمية.

من أبرز علماء اليمن

أما الكاتب محمد مصطفى العمراني، أحد تلاميذ القاضي العمراني ومؤلف كتاب "القاضي العمراني رمز التجديد والوسطية في العصر الحديث" فيقول: "إنه يعد من أبرز علماء اليمن في  العصر الحديث، وقد تميز بكونه امتدادا لمدرسة الاجتهاد اليمني التي ضمت نخبة متميزة من العلماء أمثال شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني وابن الأمير الصنعاني وابن الوزير والمقبلي والجلال وغيرهم".

وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "ظل العلامة العمراني على مدى عقود من أبرز الوجوه التي تطل على الجمهور اليمني خلال شهر رمضان المبارك، وكان الناس يستفيدون من فتاويه ونصائحه ويستمتعون بحديثه المليء بالطرف والنوادر والفكاهات، نظرا لما يتمتع به من روح مرحة يجذب المشاهد ويؤثر فيه ببساطته وصدقه وروعة أسلوبه".

وحسب الكاتب اليمني فإن الناس افتقدوا إطلالة القاضي العمراني في القنوات اليمنية، وما تزال قناة "بلقيس" تبث له لقاءات قصيرة مسجلة.

اظهار أخبار متعلقة



 وتابع بأن الراحل العمراني أدرك أهمية الإعلام والدور الكبير الذي يقوم به في إيصال المعلومة وتصحيح المفاهيم وتشكيل الأذهان وتغذية الوجدان وتثقيف الناس وتوعيتهم.

وقال: "ولذا فقد حرص على إيصال رسالته عبر الوسائل الإعلامية لتصل إلى أكبر قدر من الناس فحققت له هذه الوسائل الإعلامية الانتشار والجماهيرية في عموم المجتمع اليمني".

وأوضح أن العمراني عمل على نشر العلم الشرعي ومحاربة البدع والخرافات وتصحيح المفاهيم المغلوطة والتعريف بجهود علماء اليمن المجتهدين ونشر كتبهم والتعريف باختياراتهم في المسائل الفقهية وذلك عبر مختلف وسائل الإعلام من الإذاعة إلى الصحيفة إلى التلفاز، فنشر فتاواه في الفضائيات وكان يجيب على الفتاوى التي تصله من الإذاعة ومن الصحف، كما كتب مقالاته في الصحف والمجلات وهي التي جمعت بعد ذلك في كتاب "مقالات القاضي العمراني" .

وأشار: "حين عُرض عليه أن يخصص له برنامج للفتاوى في التلفاز وافق، فكان له برنامج أسبوعي يقدمه المذيع الراحل يحيى الدرة بعنوان "فتاوى"، وآخر بعنوان "مع أولي العلم".



وكشف الكاتب العمراني بأنه تم جمع الدروس والمحاضرات التي ألقاها القاضي الراحل في جامعة الإيمان وغيرها فبلغت 10 آلاف ساعة بث قامت قناة "رشد" الفضائية ببث عشرات الساعات منها، كما تقوم أيضا قناة القاضي العمراني في اليوتيوب ببث أغلب هذه الدروس والمحاضرات المتوفرة أيضا في موقعه الرسمي على الإنترنت.

مرجعية الكل

من جانبه، قال الدبلوماسي اليمني، عبد الوهاب العمراني، وهو نجل العلامة الراحل إنه في شهر رمضان اعتاد متابعو ومحبو فضيلة القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني على مشاهدة حلقاته الرمضانية وفتاويه سواء في قناة السعيدة أو بلقيس أو قنوات يمنية أخرى.

وأضاف الدبلوماسي العمراني لـ"عربي21" أن فتاويه امتدت على مدى أكثر من نصف قرن، وكان هناك برنامج فتاوى في إذاعة صنعاء استمر لأكثر من ثلاثين عاما ولم يعد يذاع منذ نحو عقدين من الزمن.

وتابع: "كما كان لفضيلته فتاوى في الصحف والمجلات، وفتاوى عبر صندوق خاص في مسجده بصنعاء، يضع فيه السائل استفساره وطلب فتوى فيجده في اليوم التالي في الصندوق المقابل جاهزا دون أن يرى صاحب السؤال.. والبعض يسأل شفاها ويتلقى الإجابة بنفس اللحظة".

اظهار أخبار متعلقة



وأكد نجل العلامة الراحل أن كل ذلك، خدمات لوجه الله لا يتقاضى أجرا من السائل أو الحكومة.

وحسب المتحدث ذاته فإن والده الراحل، كان يمثل مرجعية لكل اليمنيين دون استثناء برغم أنه من مناطق تحسب بأنها زيدية من شمال البلاد، إلا أن شعبيته عمت كل اليمن في تهامة وحضرموت، لأنه سني على نهج الإمام الشوكاني لهذا كان يسميه اليمنيون "شوكاني عصره" أو "الشوكاني الثاني".

وأوضح أن رحيل العلامة العمراني، ترك فراغا في الفتوى، وجاء شهر رمضان للمرة الثانية، بدون العمراني.

وقال الدبلوماسي اليمني إن العمراني ترك أثرا وتراثا بعضها مؤلفات له مثل مجموعة فتاوي العمراني المسمى "نيل الأماني في فتاوى القاضي العمراني" وكتب كثيرة أغلبها في الفتوى أو تحقيق كتب وأخرى تخصصية في علم الحديث أو القضاء مثل كتاب "تاريخ القضاء في الإسلام"، وهو مجموعة محاضرات لطلبته في الدراسات العليا بالمعهد العالي للقضاء الذي يلتحق به طلاب ما بعد الجامعة.

وأردف قائلا: لقد كان الراحل ممن أسسوا معهد القضاة في اليمن، كما كان له دروس ومحاضرات في جامعة صنعاء وجامعة الإيمان.

ولفت إلى أن القاضي العمراني، رحل وهو في أوج عطائه، رغم تجاوزه المئة عام من العمر، لكنه قال إن رحيله، "تزامن مع ظروف صعبة عانى منها كل اليمن".

وقال إن التشييع المهيب الذي حظي به العلامة العمراني بعد وفاته، يؤكد المكانة التي كان يتمتع بها عند اليمنيين، حيث شيعه عشرات الآلاف، بعد بضع ساعات من وفاته، حيث انسدت الشوارع وميدان السبعين "أكبر ساحة في صنعاء"، حيث ووري الثرى هناك.
شارك
التعليقات