بدأ يلاحظ بشكل لافت في مختلف المدن المصرية اختفاء مراسم "ليلة الحنة"، وهي إحدى أهم عادات المصريين التاريخية في الأفراح واستبدال الأحدث بها، وهو "التاتو".
وليلة الحنة، هي الليلة الأخيرة للعروسة في بيت عائلتها، حيث تنتقل بعدها لمسكن الزوجية، لذا كانت أهم الليالي قبل سنوات، حيث كانت تتجمع قريبات العروسة وصديقاتها وجيرانها لإقامة الاحتفال الأخير، وتوديع العروسة.
وكان يتم تزيين أيادي وأرجل العروسة وتخضيبها بالحناء التي اشتراها لها العريس من البندر، أو المدينة، أو يتم جلبها من بلاد الحجاز، بينما تتبارى الفتيات في خطف معجون الحناء وتخضيب أياديهن بها.
"ذكريات ليلة الحنة"
وتحكي الحاجة فايقة، (70 عاما) لـ"عربي21 لايت، قائلة: "تأتي الحفافة لبيت العروسة ليلة الحناء لتوضيبها لعريسها باستخدام أدوات بدائية مثل الفتلة والسكر، وهو العمل الذي تقوم به الآن محلات الكوافير التي تطورت ليصبح اسم الحفافة "ميكب أرتيست".
اظهار أخبار متعلقة
وأضافت لـ"عربي21 لايت": "كان العريس يشتري نبات الحناء الأصفر من محلات العطارة من بين شوار العروسة (جهازها)، لتقوم الفتيات في ليلة الحناء بعجنها في صينية من الألومنيوم، وتوضع في وسطها بعض الشموع تحملها الفتيات ويرقصن على الطبل البلدي".
وواصلت الحاجة فايقة وصفها لمراسم ليلة الحناء قبل عقود، مؤكدة أنها عادات توارثوها عن أجدادهم قائلة: "طلعنا لقيناهم بيعملوا كدة".
وأوضحت أن "الفتيات كن يجلسن حول العروسة، وتقوم الحفافة بوضع الحناء بعد أن تختمر في كف يدها وفوق أصابعها وفي باطن قدمها وكعبها وفوق أصابع القدم، ثم صبغ شعرها أو بعض خصلاته".
وتتابع: "وما يتبقى من حناء تتخاطفه البنات لتزيين أيديهن وكعوبهن أيضا، التي تظل لأكثر من شهر مخضبة باللون الأصفر أو الأحمر".
وأكدت أن ليلة الحناء قديما كانت للنساء في بيت العروسة، اللاتي يتجمعن من القرية والقرى المجاورة، وفي ليلة يسودها الطبل والرقص والأغاني التراثية والشعبية الخاصة بالأفراح، مذكرة بأغاني الفنانة ليلى نظمي، وعايدة الشاعر، وفاطمة عيد.
وعن مراسم ليلة الحناء في بيت العريس، قالت إنها "كانت ليلة يحضرها الرجال من العائلتين، ويتم فيها توزيع الشربات المثلج من الفراولة والمانجو في أكواب من الألومنيوم، يطوف بها الأطفال ليسقوا حتى المارة في الشارع".
وأشارت إلى أن "العريس، كان له نصيب من الحناء، حيث يتم تحنية كفيه وقدميه مثل العروسة تماما، هو وأصحابه، بعد أن يقوم الحلاق بتزيينه".
وهذه المشاهد سجلتها السينما والدراما المصرية طويلا، وكان أشهرها في فيلم "ليلة الحنة" إنتاج عام 1951، من بطولة شادية، وكمال الشناوي، وسراج منير، وماري منيب، إخراج أنور وجدي.
"زمن التاتو"
نيرمين، أحدث عروسة في محيط قريتها والقرى المجاورة، والتي انتقلت حديثا إليها متزوجة من محمد، العريس المقيم في مدينة ميلانو الإيطالية، منذ 10 سنوات، تقول لـ"عربي21 لايت": "لم يخطر في بالي أن أتحنى، كما فعلت أمي وخالاتي وعماتي وجداتي".
وأوضحت "رغم أني سمعت منهن كثيرا عن ليلة الحناء زمان، إلا أنني وبنات جيلي نفضل الطرق الحديثة في التزيين، وهو ما تقوم به محلات (الميكب أرتيست)، بجانب رسم بعض الرسوم البسيطة على الكفين وظهر اليدين (التاتو)".
وأكدت أن "الفرحة في لمة الأحباب ما زالت قائمة، حيث قمت باصطحاب بعض زميلاتي وأختي، وأقاربي وكانوا بجواري عند التزيين لليلة الحناء ولليلة الدخلة، ومشاركتي بعض رسوم التاتو".
وقالت إن "العريس يتكفل بعمل ليلة حنة عند العروسة، ويتم فيها وضع الشوادر والأنوار والكراسي ومسرح صغير لجلوس العروسة أمام بيتها، ويتم تشغيل (دي جي)، ليرقص الجميع فرحا بي وخاصة الفتيات وأنا بينهن".
"مراسم جديدة"
محمد، العريس الذي لم يسمع كثيرا عن عادات ليلة الحناء سابقا، يقول لـ"عربي21 لايت": "لست مهتما باستعادة عادات الزمن الفائت، وتركت أمر الترتيبات لوالدي"، مبينا أنه "لم يفكر للحظة في التزيين بالحناء، وأنه يكتفي بالكوافير الرجالي وبعض القصات التي يحبها دون رسوم أو تاتو".
وأوضح أن ليلة الحناء تبدأ باكرا مع ذبح جمل أو بقرة، وإعداد الطعام لأهالي القرية والجيران والفقراء، وفي الليل يتجمع الأهل والجيران، حول الدي جي والأنوار والكراسي المرصوصة؛ لشرب جميع المشروبات بداية من الشاي والقهوة إلى جانب التسالي والمكسرات".
وأوضح أنه "بعد بعض الوقت يتوجه الجميع إلى بيت العروسة؛ لمشاركتهم الاحتفال بليلة الحناء، والتقاط الصور مع العروسة وأهلها".
"كانت فرحة بلد"
أحد أصحاب محلات تأجير فساتين الأفراح، أكد في حديثه لـ"عربي لايت"، اندثار عادة الحناء، وتغول تقاليع التاتو، بل وتراجع الاحتفال بليلة الحناء ذاتها، واصفا الأمر بأن له أبعادا اقتصادية.
وقال: "زمان كان الاحتفال بليلة الحناء في بيت العريس والعروسة على السواء، ولكن الآن يجري الاحتفال في مكان واحد فقط، وغالبا لدى العروسة توفيرا للنفقات".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف: "ليلة الحناء سابقا كانت فرحة بلد كاملة، والآن تقتصر على الأهل والأقارب والجيران، وكانت توضع الحناء بصينية ويتحنى أصحاب العريس وصديقات العروسة، وكانت دليلا على الفرحة، لكن اليوم يقوم بها قلة بالريف دون المدينة".
"اختلف الزمان"
وتقول صاحبة محل لتأجير فساتين الأفراح، وخبيرة تجميل، لـ"عربي21 لايت"، إن "ليلة الحناء تندثر، ولم يعد هناك إمكانيات، وتعتبر تكلفة زائدة على العريس، ويحاول الجميع توفير النفقات ويكتفون بليلة واحدة للزفاف".
اظهار أخبار متعلقة
وأكدت أن "القليل جدا من يطلب تحنية العروسة، والبديل هو رسمة التاتو المؤقت التي يتم غسلها لاحقا، وكذلك لا يطلب العريس الحناء، وقليل منهم من يطلب تاتو"، مؤكدة أن "الزمان اختلف، وليس هناك أي مراسم مثل زمان".
"نبات تاريخي"
والحناء شجرة تعيش بالمناطق الاستوائية، وتزرع في صعيد مصر، وشمال أفريقيا وآسيا وأستراليا، كما تعتبر بلاد فارس الموطن الأصلي لها، وانتقلت منها لباقي دول العالم.
واستخدمها المصريون القدماء في التحنيط وصبغ بعض الأقمشة، وتزيين النساء بوضعها فوق أيديهن وأرجلهن وصبغ شعرهن بها، وهو الأمر المنتشر في السودان والمغرب العربي ودول الخليج العربية وباكستان والهند، وغيرها.