لماذا يستمتع الناس بالألعاب المخيفة؟.. نحن نخبرك الأسباب

يجد الكثير من الناس حول العالم، لا سيما رواد مراكز الترفيه "الملاهي"، متعة في تجربة الألعاب المثيرة، والتي يراها آخرون مخيفة أو ربما غير آمنة، لكنها لا تزال إلى الآن تجذب الكثيرين.

وتعد "الأفعوانية" أحد أبرز الألعاب التي يرتادها الباحثون عن مغامرة سريعة، وغير مكلفة، وكفيلة بجعلهم يصرخون من أجل إيقاف اللعبة دون جدوى.



وتعود أصول الأفعوانية إلى منتصف القرن التاسع عشر، حيث تم استئجار السكك الحديدية التي تنقل الفحم من أعلى الجبال إلى المدينة في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، في عطلة نهاية الأسبوع، من أجل ركوب عربات الفحم النازلة من أعلى لأسفل بغرض التسلية.

لكن السؤال هو: لماذا يفعل الإنسان هذا بنفسه؟ ولماذا يغامر بألعاب قد يراها البعض خطرة، وما المنطق في أن يخيف الإنسان نفسه بملء إرادته؟

حنين إلى الماضي!

في أحد التفسيرات، يقول الباحث في جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا (QUT) في أستراليا، مالكولم بيرت، إن السبب هو أن بعض الناس لديهم "هوس" للدخول في تجارب مشوقة للشعور بـ"الخوف المتحكم به".

سافر بيرت من أجل إنجاز مشروع بحثي لدرجة الماجستير إلى عدة بلدان، وزار أكبر عدد ممكن من المتنزهات الترفيهية، وأجرى مقابلات مع مديري المتنزهات، وعلماء النفس، وعشاق ركوب "الأفعوانية"، حول سبب حب الإنسان لهذا النوع من "الخوف".

اظهار أخبار متعلقة

ويرى الباحث، وفقا لفريضته الخاصة، أن الإنسان لم يتطور من منظور بيولوجي بشكل كبير كما تغير العالم من حوله بشكل هائل.

وربط بين الألعاب الخطرة وبين تحول العالم إلى "مجتمع استهلاكي كسول" لم يعد للإنسان فيه رغبة بمواجهة الأخطار المباشرة كل يوم، وعليه فإنه يحتاج إلى العودة إلى "بدائيته"، والبقاء على اتصال مع غريزة البقاء، ويرى في ألعاب التشويق الخطيرة طريقة للحفاظ على اندفاع الأدرينالين، لكن بشكل آمن بنفس الوقت.

ولفت إلى أن ألعاب التشويق الخطيرة تعتبر أمرا في متناول اليد للباحثين عن المغامرة، فليس كل إنسان قادرا على تسلق جبل إيفرست، ولا كل إنسان يملك وقتا ومالا كافيا للحصول على مغامرة حقيقة، أما التوجه إلى مدينة الملاهي وركوب الألعاب الخطرة، فأسهل وأقل كلفة للحصول على "المتعة".

بحث عن النشوة!

ويرتبط الاستمتاع بالألعاب المخيفة وأبرزها الأفعوانية بالبحث عن الأحاسيس القوية، التي تحاكي القفز بالمظلات، وتسلق الصخور، ويرى باحثون أن "السرعة" ليست الدافع الوحيد لركوب الأفعوانية.

وأبرز العلامات الجسدية الناتجة عن ركوب الأفعوانية، زيادة ضربات القلب، والتنفس السريع، وزيادة الطاقة الناتجة عن إطلاق الجلوكوز في الجسم، وهي كلها تعرف بـ"استجابة القتال".

ولتعزيز إفراز الأدرينالين، يمارس البشر الرياضات التي تحوي المخاطرة والمغامرة، إذ إن الشعور بالمتعة، واليقظة، والنشوة، إحدى أبرز نتائج ممارسة هذه الرياضات، حيث أبلغ ممارسو "القفز بالحبال" من مرتفعات عالية بأنهم يشعرون بسعادة شديدة، وذلك ناتج عن ارتفاع مستويات الإندروفين في الجسم، ويعني ذلك أنهم شعروا بأعراض "استجابة القتال"، لكن في بيئة آمنة.



لكن هنالك مفارقة أيضا في الشعور بالمتعة، الذي يصاحبه أحيانا زيادة في إفراز الكورتيزول في الجسم، وهو ما يعني ازديادا في الإجهاد والتوتر، فكيف يمكن أن يشعر الإنسان بالمتعة والتوتر في آن واحد؟

يقول الباحثون ردا على هذه المفارقة، إنه ليس كل أنواع التوتر سلبية وسيئة، إذ إن هنالك ما يعرف بـ"التوتر الإيجابي" ولإثبات ذلك قام العلماء بتجربة.

اظهار أخبار متعلقة

قام عالما نفس هولنديان بتجربة على مرضى ربو، لتحديد تأثير "التوتر الإيجابي" عليهم، بعد ملاحظة أن الإجهاد يدفع مرضى الربو إلى إدراك أعراض المرض على أنها أكثر حدة مما هي عليه.

وتم نقل متطوعين من الطلاب المصابين بالربو إلى أحد مدن الملاهي، وركبوا الأفعوانية مع مراقبة وظائفهم التنفسية، وكانت النتائج رائعة، إذا أنه بالتزامن مع انخفاض وظائف الرئة بسبب الصراخ، كذلك انخفضت نسبة الشعور بضيق النفس لديهم، وأثبت هذا أن التوتر والإجهاد يمكن أن يكون إيجابيا.

سبب عضوي؟!

يقترح الباحثون سببا آخر قد يكون عضويا يدفع الإنسان للبحث عن الأحاسيس القوية، وهو مستوى الدوبامين في الدماغ، ومعروف أن الدوبامين مادة كيميائية مهمة لعمل المسارات العصبية.

ورأت مراجعة بحثية أن الأفراد الذين لديهم مستويات أعلى من الدوبامين يسجلون درجات أعلى من غيرهم على مقياس البحث عن السلوكيات التي تعزز الأحاسيس المثيرة، وعلى الجانب الآخر كان تناول مادة هالوبيريدول التي تعطل تأثير الدوبامين عاملا في انخفاض ملموس عن التوجه إلى هذه السلوكيات.



بلغة أخرى أكثر وضوحا، قد يكون العامل المشترك بين ركاب الأفعوانية، ومتعاطي المخدرات، ومنفذو عمليات السطو على المتاجر، هو نسبة الدوبامين في الدماغ.

إلى أي درجة الألعاب المثيرة آمنة؟

ليست الألعاب المثيرة آمنة 100% وإن كانت نسب الوفاة بسببها منخفضة نسبيا، حيث أنه في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، يموت أربعة أشخاص سنويا في حوادث متعلقة بالأفعوانيات، جزء كبير منها بين مشغلي اللعبة، والجزء الآخر بين الركاب، بحسب المكتبة الأمريكية الوطنية للدواء.

أما على جانب الرياضات الخطرة، فتقول الأرقام بحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أن واحدا من كل 25 متسلقا لجبل إيفيرست يموت خلال الرحلة إلى القمة، ومن بين 20 ألف متسلق لجبال الهملايا بين 1990 و 2006 مات 238 شخصا.

أما عن القفز بالمظلات، فبحسب أرقام جمعية المظلات الأمريكية جرى 2.6 مليون قفزة بين 2000 و2010 وخلال هذه الفترة توفي 279 شخصا، أي 25 حالة وفاة بالسنة.

اظهار أخبار متعلقة

وفي رياضة الغوص تحت الماء، فإن نادي "سب أكوا كلوب" البريطاني يحتفظ بإحصاء دقيق لـ 197 حالة وفاة خلال الأعوام بين 1998 و 2009 أي بمعدل 16 وفاة سنويا وخلال هذه الأعوام جرى تقريبا 30 مليون عملية غوص.

وكل الأرقام السابقة غير مخيفة، لأنها مرتبطة بأسباب عديدة وقد لا يكون النشاط الرياضي أو الترفيهي هو السبب المباشرة، كالأمراض، والمضاعفات، وأخطاء العاملين على الترفيه.

ويدعم ذلك مثلا أرقام الوفيات التي نتجت عن ممارسة الجري على سبيل المثال، وهو من المفترض أنه ليس رياضة خطرة أو مثيرة، فقد توفي بين الأعوام 1975 و2004 في مسابقات الماراثون 26 شخصا في الولايات المتحدة الأمريكية.

وتصف "بي بي سي" الأرقام السابقة، بأنها أرقام مقاربة لأي سبب وفاة طبيعي في حياة البشر، وليست أرقاما غير طبيعية.

لذا لا يجب عليك الخوف كثيرا قبل أن تذهب إلى مدينة الملاهي لركوب الأفعوانية أو أي لعبة أخرى مثيرة.. يبدو أنها تستحق التجربة.