بينما يستطلع المارة البضائع المرصوصة من كل صنف ولون في شارع بورسعيد التجاري الشهير بمنطقة السادات في قلب مدينة بلبيس، المدينة الضاربة في القدم بمحافظة الشرقية شمال شرق القاهرة، لا تخطئ العيون عبارة "أول مسجد في قارة أفريقيا"، المنقوشة فوق لوحة رخامية تعلو البوابة الأثرية لمسجد "سادات قريش".
و"سادات قريش"، هو أول مسجد بناه الصحابي عمرو بن العاص في مصر، وفي قارة أفريقيا، عام 18 هجرية، حينما قدم لفتح مصر بجيش من كبار الصحابة والتابعين قوامه ما بين 10 و12 ألفا، دخل بهم من فلسطين إلى سيناء من البوابة الشرقية، ثم إلى مدينة بلبيس.
1426 عاما
وقبل دقائق من صلاة الظهر، طافت "عربي21 لايت"، بالمسجد الذي يرجع تاريخه إلى 1426 عاما، والذي يعج بعدد كبير من المصلين من كبار السن، لتجده في حلة تاريخية نادرة، حيث تتخلله 3 من صفوف الأعمدة الرخامية كل صف به 7 أعمدة.
وذلك إلى جانب ما تتميز به الجدران والسقف من زخارف ورسوم ونقوش الفن الإسلامي، والحروف العربية المرصوصة من آيات القرآن الكريم، مع الأبواب والشبابيك والمنبر الخشبي الذي يحمل فنونا أثرية.
اظهار أخبار متعلقة
أحد المصلين داخل المسجد أكد لـ"عربي لايت"، أن تلك الأعمدة والنقوش قديمة قدم آخر تجديد للمسجد قبل نحو 4 قرون ونصف، وتحديدا قبل 441 عاما، حيث كان آخر تجديد له عام 1003 هجرية بعصر الدولة العثمانية على يد أمير مصر أحمد الكاشف، الذي أنشأ مئذنة المسجد.
خارج المسجد، تحدثت سيدة سبعينية لـ"عربي21 لايت"، وهي صاحبة متجر مواجه للمسجد، وعبرت عن سعادتها بمجاورة المكان الذي عاش ودفن فيه عشرات الصحابة.
لم تقهره الزلازل
صاحب متجر أحذية مجاور لمسجد "سادات قريش"، في العقد الثمانين قال لـ"عربي21 لايت"، إن "هناك 40 صحابيا مدفونا تحت المسجد لا يعرف مكانهم على وجه التحديد".
وأكد أن "المسجد فيه بركة كبيرة، وتصله نفحات وخيرات كثيرة، وبه معجزات دائمة"، وفق تعبيره، موضحا أنه رأى في منامه في أحد الأيام، النبي الكريم يجلس في محراب المسجد.
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح أن "المسجد لم تتغير معالمه، وأن أعمدته الرخامية موجودة منذ زمن بعيد، وأن الزلازل التي وقعت في مصر طوال 14 قرنا من الزمان لم تؤثر في المسجد".
ولفت إلى أن "المسجد مقسم لساحة كبيرة للصلاة، ومسجد خلفي للنساء، ومكان للوضوء"، موضحا أن "ساحته سابقا كانت أكبر بكثير، وبابه كان على مساحة أكبر في شارع بورسعيد وفي حي السادات، الذي يعد اختصارا لاسم سادات قريش".
وأشار إلى أن "للمسجد مكانة عالية، ويزوره مسلمون من دول إسلامية مثل باكستان، وزاره شيخ الأزهر الراحل الدكتور عبد الحليم محمود، ورئيس جامعة الأزهر الأسبق الدكتور أحمد عمر هاشم".
ويرغب الرجل المسن بعدم المساس بأي من أثاث المسجد وأعمدته الرخامية في عمليات الترميم والتطوير، مبينا أن المسجد لا يخلو من المصلين خصوصا في شهر رمضان، وأيام الجمع.
من آثار الفتح
ويحظى المسجد الذي يحمل اسم "عمرو بن العاص"، في حي مصر القديمة بالعاصمة المصرية القاهرة، بالكثير من الاهتمام والشهرة والرعاية الحكومية والدينية، فيما يتوارى "سادات قريش" قليلا، لكن الأثريين يعرفون قدره.
وفي شارع مواجه لمسجد "سادات قريش"، يوجد ضريح، في مساحة 4 أمتار، مكتوب عليه مقام الأمير مدين، وهو صحابي جليل.
أحد أصحاب المحال المواجهة للمقام، أشار في حديثه إلى "عربي21 لايت" إلى أن هنالك روايات وكرامات تتردد عن الصحابي، فقرر الأهالي بناء مقام له ودفن رفاته فيه.
وفي بلبيس سلسلة من المساجد التاريخية والأثرية منها "أمير الجيوش" (تأسس 19 هجرية)، و"عثمان بن الحارث الأنصاري"، و"المقرقع"، و"المعز للدين" سابقا "الشيخ المنسي" حاليا، و"الشيخ أبوعلوان الكبير"، و"الشيخ أبوعيسى"، ومسجد "الظاهر بيبرس" بقرية ميت حمل.
اظهار أخبار متعلقة
ولبلبيس، اسم ضارب في التاريخ المصري القديم، حيث أعطاها موقعها كمدخل لمصر من ناحية آسيا أهمية عسكرية وإستراتيجية.
ظلت بلبيس، طوال العهد الإسلامي كسابقه من العهود مسار الجيوش من مصر وإليها، ومنزل كل زائريها من كل بقاع العالم الإسلامي في الجزيرة العربية وبلاد الرافدين والشام وبلاد المشرق.
وفي العصر الحديث كانت بلبيس عاصمة ولاية الشرقية، قبل أن ينقل محمد علي باشا عاصمة الشرقية إلى الزقازيق عام 1833.
