الجلباب في صعيد مصر.. تراث يقاوم غزو "البدلة" ويحافظ على الهوية (شاهد)

GettyImages-1460864302
يقاوم الصعيد التغريب ويتمسك باللباس التقليدي - جيتي
  • مهند العربي
  • الأربعاء، 05-07-2023
  • 05:22 م
رغم التطور الكبير في الأزياء وصناعتها وانتشارها بأشكالها المختلفة، لا يزال الحفاظ على الجلباب الصعيدي بمصر من الأمور المهمة، كونه من التراث والموروثات المعبرة عن هوية الصعيد بشكله وهيئته المميزة.

لكل محافظة جلبابها

وللجلباب مكانة كبيرة بين أبناء صعيد مصر، الذين يولونه اهتمامًا بالغًا، لا سيما وأنه يعبر عن طبيعتهم وموروثهم الثقافي والمجتمعي، رغم انخراط شرائح الشباب في الملابس الحديثة ومتابعتهم "الموضة" المتغيرة عاما بعد عام.

ولكل محافظة تقاليد معينة برغم ارتفاع ثمن الأقمشة والتفصيل الذي يصل إلى ألف جنيه وربما ألفين، حيث تعتبر محافظة الأقصر من المحافظات المميزة بتقاليد ارتداء رجالها للجلباب الصعيدي الذي يتميز بأقمشة براقة.

Embed from Getty Images

وهناك الجلباب الشريعي والإدريسي والبلدي. ويختلف في التفصيل، فالبعض يفضله بياقة وكبار السن عادة يرتدوه بدون ياقة، غير أن الثابت هو ارتداء الصديري والقفطان والقميص الأبيض.

 وتأتي محافظة أسيوط لتختلف قليلا عن بعض محافظات الصعيد إذ يفضل رجالها الجلباب البلدي الأنيق وهو الزي الرسمي لحضور المناسبات وتختلف أنواع التفصيل لكل جلباب سواء كان بلديا أو بقفطان.

 ويتميز الجلباب المنياوي لأبناء المحافظة بالقفطان وبفتحة صدر ضيقة نسبيا وأكمام واسعة بدون ياقة للرجال أما الشباب فيرتدونها بياقة أو نصف ياقة.

Embed from Getty Images

ولا يرتدي بعض الشباب هناك العمة فيرتديها الرجال وتتميز بلفة دائرية أنيقة، والجلباب المنياوي يحتفظ بتقاليده فلا تغيير في التفصيل لكن الكم أوسع قليلا وكذلك دائرة الرقبة.

ويختلف الجلباب الصعيدي عن الإفرنجي والبلدي وتصل مدة تفصيله من يومين في الصيف إلى أسبوع في الشتاء نظرا لاختلاف طبيعة القماش.

التمسك به رغم التكلفة

وتصل تكلفة الجلباب في بعض الأحيان قرابة 2000 جنيه، وسعر المتر في القماش يبدأ من 50 جنيها حتى 300 جنيه، فالقماش المصري "شوفت مصري نمرة 1" يصل سعره 200 جنيه، أما "الصوف السيكا" يتراوح سعره ما بين 100 و140 جنيها.

أما أجرة الترزي فتصل إلى 300 جنيه، وهذا على حسب "التفصيلة وطلب الزبون"، فالكلفة العادية من الممكن أن تتراوح ما بين 100 و200 جنيه والكلفة العالية تصل إلى 300 جنيه.

اظهار أخبار متعلقة



أما مشتقات الجلباب "الصديري والقميص والقفطان"، فـ"الصديري"، تصل تكلفته 100 جنيه، و"القفطان" يتراوح ما بين 150 و250 جنيها، والقميص 100 جنيه.

وتبدأ مراحل "الجلباب"، برفع مقاسات "الزبون" ثم غسيل الجلباب، ثم "المكنجي" ثم "التسريج"، ثم "الكفافة"، ثم "القطان".

Embed from Getty Images

وفي هذا السياق يقول المواطن المصري الذي يقطن الصعيد، أحمد المنياوي لـ"عربي21 لايت" إن الجلباب الصعيدي "شيء لا يمكن التنازل عنه، لأنه ارتبط بموروث ثقافي وهوية، نعتبره عنوانا لنا، ورغم التطور الكبير في عالم الأزياء إلا أن الجلباب لا يزال محتفظا بمكانته".

وأضاف: "بعض الشباب لا يكترثون كثيرا لهذا الأمر، وربما يفضلون الملابس الحديثة، إلا أن هناك عددا كبيرا من الشباب أيضا متمسك بالجلباب على الأقل خلال وجوده بقريته أو بعد عودته من عمله وتخليه عن القميص والبنطال".

أما الشاب الذي يعمل في مهنة تفصيل الجلباب، جوزيف، قال إنه "رغم كل التغيرات لا يزال هناك من يتمسك بالجلباب، حيث يجد فيه راحته من ناحية وهيبة واحتراما من ناحية أخرى خصوصا في داخل القرية".

Embed from Getty Images

وحول التكلفة التي تبدو كبيرة بعض الشيء وعما إذا كانت سببا في عزوف الزبائن قال جوزيف لـ"عربي21 لايت": "صحيح أن الأسعار ارتفعت في كل شيء سواء القماش أو أدوات التفصيل، لكن الأسعار ارتفعت في الملابس الأخرى الحديثة أيضا، والفروق ليست كبيرة، خاصة أن الجلباب عمره طويل مقارنة بباقي الملابس".

الزي الرسمي

وفي هذا السياق يقول الباحث في الآثار والتراث ياسر الأسيوطي إنه بالنظر للصور القديمة في المدن الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية، نجد أن الجلباب كان هو الزي الرسمي لغالب المصريين، يرتديه الرجال والنساء كل حسب التفصيل الملائم لجنسه، ما يؤكد أن الجلباب هو امتداد زي المصريين التاريخي، لقرون طويلة مضت.

وتابع الأسيوطي لـ"عربي21 لايت" بأنه حتى في أيام الغزو الفرنسي الذي دخلت معه الأزياء الأوروبية بالبنطال والجاكيت والقمصان، ظلت الملابس الجديدة مقتصرة على طبقة النخبة الحاكمة ومن يدور في فلكها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وجاءت أسرة محمد علي لتضع الطربوش على البدلة مع تمييزها بشكل مختلف، لكن غالب المصريين ظلوا متمسكين بالجلباب.

اظهار أخبار متعلقة



 ويضيف الأسيوطي: "يمكن ملاحظة أن الجلباب ظل تعبيرا عن الهوية المصرية تجاه المستعمر، بالنظر إلى أفلام فترة الثلاثينيات".

وفي فترة الأربعينيات ازدادت نسبة تراجع مرتدي الجلباب لصالح الزي الأوروبي، وهو ما يمكن ملاحظته في أفلام فترة الأربعينات ولكن الجلباب في القرى ظل حتى اليوم مصارعا للزي الأوروبي الذي بات زيا لمعظم الأجيال الجديدة بينما يتمسك بالجلباب الكثيرون في القرى وخاصة من الأجيال القديمة".

وأشار إلى رؤساء ومثقفين وكتاب بالجلباب ومنهم الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، ومحمد مستجاب وهما من أدباء الصعيد، كما أن الرئيس الراحل أنور السادات، كان يتعمد الظهور بالجلباب في بعض المناسبات تعبيرا عن رمزية أنه كبير العائلة المصرية، التي كان يرددها في خطاباته.



شارك
التعليقات